يتحدث السفير الإيطالي بالجزائر، جيامباولو كانتيني، في هذا الحوار الحصري مع ''الفجر''، عن عدة قضايا تهم البلدين، بينها قمة الثماني بمدينة لاكويلا، المقررة أيام نهاية الأسبوع الجاري، وكذا العلاقات الثنائية بين البلدين في شقيها السياسي والاقتصادي وكذلك الثقافي، وآفاق تطوير وتعزيز التعاون بين البلدين، إضافة إلى ملف الهجرة غير الشرعية والجالية الجزائرية المقيمة بإيطاليا، وعن اعتذار إيطاليا عن ماضيها الاستعماري في ليبيا وأمور أخرى تكتشفونها في هذا الحوار• عشية انعقاد قمة مجموعة الثماني بمدينة لاكويلا، والجزائر ستكون حاضرة باعتبارها من الدول الراعية لمبادرة ''النيباد''، كيف ترى إيطاليا الحضور والدور الجزائري في هذه القمة؟ الجزائر كانت حاضرة في قمة الثماني المنعقدة العام 2001 بمدينة جينوفا الإيطالية، والتي أطلقت فيها إيطاليا مبادرة ''النيباد'' من أجل تنمية إفريقيا، وكانت الجزائر من بين البلدان الإفريقية الممثلة للمبادرة، والجزائر دأبت منذ ذلك الوقت على المشاركة في قمم الثمانية الكبار والمجموعات الإقليمية غير المنتمية إلى المجموعة، والحضور الجزائري جد مهم، باعتبارها من رعاة مبادرة النيباد، وكذلك من بين أهم الدول المصدرة للطاقة• وفي هذه القمة ستنظم إيطاليا دورة تقييم ودراسة بين دول مجموعة الثماني والدول الإفريقية الخمس الراعية للمبادرة، والتي من بينها الجزائر، إضافة إلى الرئاسة الليبية للاتحاد الإفريقي• بين الجزائر وإيطاليا علاقات سياسية واقتصادية رفيعة المستوى، ما هي آفاق تعزيز وتطوير هذه العلاقات؟ نعم، توجد هناك آفاق واعدة لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين• فعلى الصعيد السياسي تربطنا اتفاقية الصداقة وحسن الجوار الموقعة بين البلدين، وقريبا ستكون هناك قمة ثنائية بين الرئيس بوتفليقة ورئيس مجلس الوزراء، سيلفيو برلسكوني، والتي هي أيضا فرصة للحوار السياسي بين البلدين، والتي سيحضرها عدد كبير من الوزراء الإيطاليين ورجال الأعمال، كونها على جانب كبير من الأهمية، وهنا أريد القول إن إيطاليا تعقد مثل هذه القمم مع عدد قليل من الدول المهمة والمؤثرة على الساحة الدولية، كروسيا، تركيا، والتي من بينها الجزائر طبعا• أما على الصعيد الاقتصادي، فالأرقام وحدها تتحدث، فإيطاليا هي الشريك الاقتصادي الثاني للجزائر، وتربطنا علاقة اقتصادية استراتيجية بالجزائر في مجال الطاقة والأمن الطاقوي للبلد، والجزائر شريك طاقوي لا جدال فيه وذو ثقة عالية، وإيطاليا تستورد أكثر من ثلث احتياجاتها الغازية من الجزائر، أكثر من 33 بالمائة، وذلك في انتظار استكمال مشروع أنبوب الغاز من سكيكدة إلى جزيرة سردينيا، وهو مشروع ''غالسي''، حيث سيمكن هذا المشروع شركة سوناطراك من تسويق جزء من الغاز الجزائري، ليس في إيطاليا فحسب، وإنما في أوروبا كذلك، وهو ما أكده وزير التنمية الاقتصادية، كلاوديو سكايولا، في زيارته الأخيرة إلى الجزائر• وعلى صعيد المبادلات التجارية بين البلدين فقد بلغت العام 2008 ما قيمته 11 مليار أورو، منها 3 ملايير أورو صادرات إيطالية إلى الجزائر، وهو رقم جد هام ومعتبر، وهو يمثل زيادة تقدر بنسبة 67 بالمائة مقارنة بالعام ,2007 وهو ما مكن الجزائر من أن تصبح الزبون الأول لإيطاليا في القارة الإفريقية• من جهة أخرى، هناك 150 مؤسسة إيطالية تنشط وتتواجد في الجزائر، وفي مختلف الميادين، خصوصا منها الطاقة والأشغال العمومية، كشركات ''إيني''، ''سايبام''، ''توديني'' و''أستالدي''• وأود الإشارة هنا إلى أن أغلب هذه المؤسسات بدأت في التواجد في الجزائر مند مطلع التسعينيات، وأغلبها لم يغادر الجزائر أو يتخلى عنها، حتى في عز الأزمة الأمنية التي عرفتها الجزائر سنوات التسعينيات• أما في الجانب الثقافي والتعليمي فنعمل على تكوين الموسيقيين الجزائريين، كما أن اللغة الإيطالية تدرس في جامعتي البليدةوعنابة، أين يوجد مشروع لما بعد التدرج، إضافة إلى المركز الثقافي الإيطالي بالعاصمة، ومنذ عدة سنوات، أدخلنا تجربة تعليم اللغة الإيطالية في الثانويات بعدد من المدن الكبرى الجزائرية• سعادة السفير كانتيني، لو نتحدث قليلا عن الهجرة•• إيطاليا من بين أكثر البلدان الأوربية تضررا من موجات المهاجرين غير الشرعيين، حيث شهدت السواحل الإيطالية عام 2008 توافد قرابة 40 ألف مهاجر غير شرعي، بينهم جزائريون طبعا، هل ممكن أن تقدم لنا أرقاما بخصوص المهاجرين غير الشرعيين الجزائريين؟ كما تفضلتم وقلتم، إيطاليا من أكثر البلدان الأوربية تضررا من تدفق موجات المهاجرين السريين، خصوصا من السواحل الليبية باتجاه جزيرة لامبيدوزا الصغيرة، ونحن نأمل في أن تقل هذه الموجات، خصوصا مع الإجراءات الجديدة للحكومة الإيطالية للحد من الهجرة غير الشرعية• بالنسبة للجزائر، هناك محور للهجرة غير الشرعية انطلاقا من سواحل عنابة والطارف نحو جزيرة سردينيا، والذي عرف تطورا في الأعوام الأخيرة، ومع ذلك فلا يمكن مقارنة نشاط هذا المحور بما يعرفه محور ليبيا- لامبيدوزا، حيث تم تسجيل عام 2008 قرابة 1600 مهاجر غير شرعي، عبر محور عنابة - الطارف -سردينيا، وهو رقم ضعيف للغاية مقارنة ب37 ألف مهاجر سري عبر محور ليبيا - لامبيدوزا، كما أن ال 1600 مهاجر الذين وصلوا إلى سردينيا ليسوا كلهم جزائريين، وكان برفقتهم أشخاص من دول إفريقية وعربية• حاليا، هناك بين الجزائر وإيطاليا اتفاقية موقعة لترحيل المهاجرين غير الشرعيين (الحرافة) الجزائريين، بعد عملية التعرف والتحقق من جنسياتهم وهوياتهم، والاتفاقية تسير بشكل عادي، حيث عرف العام الماضي ترحيل 447 حراف جزائري من سردينيا و182 العام ,2007 وأشير هنا إلى أن هذه الأرقام لا تشمل فقط الحرافة الذين وصلوا إلى الأراضي الإيطالية عن طريق القوارب، ولا تشمل أولئك الجزائريين الذين وصلوا بطريقة شرعية إلى إيطاليا، سواء من الجزائر أو من دول أوربية، كفرنسا أو سويسرا، وانتهت صلاحية التأشيرة الممنوحة لهم، حيث يخضعون لقرارات طرد أو إبعاد من التراب الإيطالي• أما بخصوص الهجرة الشرعية، وكما أعلنا عنه سابقا، فالحكومة الإيطالية خصصت 1000 تأشيرة عمل للمواطنين الجزائريين عام 2008 ونفسها في ,2009 لكن الملاحظ أن التأشيرات التي تم منحها عام ,2008 لم تتعد 415 تأشيرة عمل من أصل 1000 تأشيرة مبرمجة، بزيادة تقدر ب 22 بالمائة عن العام ,2007 في حين بلغ عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين بمختلف أصنافها 8819 تأشيرة سنة ,2008 مقارنة ب 8074 العام .2007 وفيما يخص الجالية الجزائرية المقيمة بإيطاليا فتقدر ب 18735 مسجل، أي ما نسبته 5 بالمائة من الجالية المغاربية، و8,0 من الجالية الإجمالية، وهي صغيرة مقارنة بالجالية المغربية المقدرة ب 400 ألف مغربي، أي 66 بالمائة من الجالية المغاربية في إيطاليا• لكن بالمقابل، فالجالية الجزائرية بإيطاليا مندمجة بشكل جيد، حيث يمكن إحصاء 1000 رئيس مؤسسة إيطالية يديرها جزائري، خصوصا في قطاع التجارة• سيد كانتيني، بوجود وزير للداخلية الإيطالية من حزب يميني يعرف بنوع من التطرف ''رابطة الشمال''، هو روبرتو ماروني• وبالحديث عن وزارة الداخلية نتحدث عن الهجرة والمهاجرين، ألا ترون أن هذا الأمر من شأنه أن يغذي كراهية الأجانب والمهاجرين في إيطاليا؟ أعتقد أنه من الأفضل الحكم على الأفعال وليس على ما يقال ويتداول، فإيطاليا وإسبانيا من أكبر البلدان تضررا من ظاهرة الهجرة السرية، وإيطاليا تطالب بضرورة التعاون الأوربي للحد من الظاهرة، كالإيواء والمراقبة البحرية، وكذلك مع البلدان التي تعد مصدرا للمهاجرين غير الشرعيين من الضفة الجنوبية للمتوسط والتي من بينها الجزائر، ونحن بحاجة إلى تعاون هذه البلدان، وحاليا هناك اتفاق مع ليبيا للمراقبة المشتركة لسواحلها، وهو ما من شأنه التقليل من تدفق المهاجرين السريين، خصوصا وأن الحرافة غالبا ما يستغلون من طرف عصابات الاتجار بالبشر، وهذا ما يستلزم إيجاد مقاربة مشتركة لمكافحة الظاهرة، وجزيرة صغيرة مثل لامبيدوزا لا تتوفر على مراكز الإيواء التي بإمكانها استقبال تلك التدفقات الهائلة للمهاجرين، وهو ما نتج عنه بعض المشاكل العام الماضي• من جهة أخرى، فالحكومة الإيطالية تتبنى سياسة من شأنها ضمان الاندماج الاجتماعي للمهاجرين الشرعيين وسط المجتمع الإيطالي، خصوصا وأن إيطاليا ليس لها تقاليد في التعامل مع المهاجرين والهجرة، كما هو الشأن مثلا في فرنسا، بريطانيا وألمانيا، وتجربتنا تعود إلى 20 سنة فقط، واجهنا مشاكل في منح الجنسية والاندماج والتعليم للأطفال من الجيل الثاني، لذا، فإنه من الأفضل التحكم في تدفق الهجرة غير الشرعية حتى يكون هناك تسيير جيد للهجرة الشرعية، كون إيطاليا بحاجة دوما إلى اليد العاملة المهاجرة، ولأنه في النهاية الهجرة غير الشرعية تبقى ظاهرة سلبية، خصوصا إذا كانت تسير من طرف شبكات الاتجار بالبشر• ومن هذا المنطلق، فالحرافة أولا وأخيرا هم ضحايا، يدفعون أثمانا باهظة لتلك العصابات، لذا وجب العمل على الحد من الظاهرة• رغم أن الجزائر أصبحت الزبون رقم 1 لإيطاليا في القارة الإفريقية، إلا أن الجزائر مازالت غير معروفة لدى الإيطاليين كوجهة سياحية، إلى ما يرجع ذلك في نظركم؟ للأسف، الجزائر رغم ما تمتلكه من تنوع، إلا أنها ليست معروفة كوجهة سياحية في إيطاليا وفي عدة دول كذلك، فالجزائر تتوفر على تنوع مذهل بين البحر والجبال والصحراء وشساعة المساحة والمعالم التاريخية والحضارية، وفي اعتقادي هناك نقص في تسويق الصورة الأمنية للجزائر إعلاميا، حيث لازال العديد من الناس لديه تلك الصورة عن أن الجزائر بلد غير آمن• ويضاف إلى هذا، ضعف هياكل الاستقبال الفندقية، التي وإن لم نلمسها في العاصمة أو وهران، لكنها مطروحة بشكل جدي على مستوى باقي المدن الجزائرية، وهذه إشكالية، وما المليون سائح جزائري الذي يتوجه سنويا إلى تونس إلا دليلا على أن السياحة الداخلية تعاني كذلك من نقائص• لكن بالمقابل، هناك سياحة صحراوية في الجنوب الجزائري، خصوصا عطلة نهاية السنة، وكذلك السياحة الثقافية، كمدن غرداية أو تلمسان وقسنطينة، أو المواقع الأثرية الرومانية كتيبازة، جميلة وتيمقاد، والتي صراحة بإمكانها استهواء وجلب فضول السائح الإيطالي، إضافة إلى المواقع العثمانية كمعلم القصبة بالعاصمة، مع تدعيم العملية بحملات دعائية إشهارية، سواء بالمجلات أو الانترنت وكتب الدليل السياحي والخرائط وغيرها• إيطاليا اعتذرت عن ماضيها الاستعماري في ليبيا، وبالمقابل الجزائر تطالب فرنسا بخطوة مماثلة، هل من كلمة في هذا الموضوع؟ بحكم موقعي، لا يمكنني أن أتحدث عن المطالب الجزائريةلفرنسا بالاعتذار، لكن فيما يخص الاعتذار الإيطالي المقدم إلى ليبيا، فأظن أن إيطاليا قامت بشيء جيد، وكانت هناك تصريحات مهمة في هذا الشأن حتى قبل ,2008 سنوات التسعينيات، وطبعا كان اتفاق الصداقة الموقع شهر أوت 2008 بين الزعيم الليبي معمر القذافي ورئيس مجلس الوزراء، سيلفيو برلسكوني، والذي أظن أنه سوى مشاكل وتراكمات حقبة بأكملها بعد الاعتراف بالمسؤولية الإيطالية عن الفترة الاستعمارية، والآن الحكومة الإيطالية تعمل على جعل معاهدة الصداقة الموقعة شيئا ملموسا في الواقع من وجهة النظر السياسية والاقتصادية• سؤال رياضي، سيد كانتيني، الجزائر تؤدي مشوارا طيبا في الطريق إلى المونديال الإفريقي لكرة القدم، لم لا تبرمج مباراة ودية بين الجزائر والمنتخب الأزوري، خصوصا وأنتم أبطال العالم؟ فعلا، أعتقد أنها فكرة رائعة لو تبرمج مباراة ودية بين منتخبي البلدين، رغم أن المنتخب الأزوري ليس في أحسن أحواله مؤخرا، خصوصا بعد كأس القارات الأخيرة، وشخصيا آمل أن تبرمج مباراة ودية بين المنتخبين، خاصة وأن نادي ''فيورونتينا''، الذي أناصره، سبق وأن لعب في الجزائر بملعب 5 جويلية أمام نادي المولودية، إضافة إلى أنه وحسب معلوماتي فقد أصبح هناك لاعبون جزائريون ينشطون في البطولة الإيطالية، كما أن الجزائريين جد متعلقين بفريقهم الوطني، لكنهم يبدون أيضا تعاطفا كبيرا مع منتخب إيطاليا في المنافسات الدولية وكذلك مع البطولة الإيطالية• وعلاوة على هذا، فالرياضة وكرة القدم وسيلة من وسائل التواصل والتعارف بين الشعوب، والإيطاليون يعرفون كرة القدم الجزائرية من خلال أصول زيدان الجزائرية، الذي لعب لنادي جوفنتوس والجميع يتذكر النطحة الشهيرة مع ماتيراتسي في نهائي كأس العالم• كلمة أخيرة لقراء الجريدة وللجزائريين؟ الجزائر بلد كبير ومتعدد الموارد وغني طبيعيا، وجميل في نفس الوقت، وله تقاليد ثقافية عريقة، وغالبية المجتمع من الشباب، وأنا متعاطف مع هذا الشعب الذي مر ببعض الأوقات العصيبة، والجزائر وإيطاليا كان لهما دوما علاقات في حوض البحر المتوسط، والعرب والمسلمون تواجدوا لمدة معتبرة بجزيرة صقلية، وكذلك هناك تاريخ مشترك بين مدينتي جينوفا وجيجل، بين بيزا وبجاية، التي درس بها عالم الرياضيات الإيطالي الشهير، ليوناردو فيبوناتشي، والتي تعود إلى 8 قرون خلت، وما كان له من دور في نشر علوم العرب لدى الغرب، وحتى في الفترة العثمانية والأسطول البحري العثماني وداي الجزائر، والصدام الذي كان مع القراصنة الصقليين، وبالإمكان عند التجول في القصبة أن تلاحظ أن الأبواب أو النوافذ هي نفسها المتواجدة بقصور فلورنسا أو البندقية، وهذا دليل على العلاقة التاريخية بين البلدين•