وأنا بساحة السجن أين تمضي السجينات أغلب أوقات يومهن، جاءتني آسيا وتلقب ب "آسيا كارت فريز" (آسيا البطاقات الرمادية)، لأن هنا تلقب السجينات بتهمهن أو بشيء له علاقة بذلك• وآسيا متهمة بأنها رأس شبكة لتزوير البطاقات الرمادية، وكانت تشتغل بدائرة براقي، وهي بالسجن منذ أزيد من سنة، جاءتني آسيا وساومتني في حذائي وقالت لي أشتريه بثلاث علب سجائر، قلت " لكنني لا أدخن" فقالت السجائر هي الأورو، هنا والشمة الدينار، وأنت في حاجة لها لتشتري ما تريدينه، وبإمكانك أن تدفعي بالسجائر أتعاب السجينات اللواتي سيقمن محلك بالأشغال "الكورفي"، فلن تكوني مجبرة على تنظيف بلاط الغرفة والساحة، لكني قلت إنني لن أفعل هذا، فأنا لا أقوم بذلك في منزلي، فكيف لي أن أنظف هنا بالسجن• أما قضية آسيا مثلما ترويها هي بنفسها فهي البطاقات الرمادية، وتقول إنها لم تكن تزوّر البطاقات، لكنها تمكنت من وضع شبكة تساعدها على إتمام إجراءات استخراج البطاقة الرمادية خلال يوم واحد، وفي المقابل تأخذ مبلغ 40 ألف دج لبطاقة الشاحنة و30 ألف دج لبطاقة السيارة، وهي الممارسة التي قامت بها منذ أزيد من أربع سنوات، وكان يساعدها موظفون على مستوى الولاية، يسلمونها الوثائق الرسمية، وتقوم هي بملئها وإتمام الإجراءات في أقرب أجل، وتقول ''وصلت أحيانا إلى أن يكون معي ثلاثون ملفا في اليوم الواحد، لكن ذات مرة رحت ضحية غيرة أحد الموظفين الذي سلمني الوثائق الرسمية أنا وزميل لي، وقام من جهة أخرى وقدم تبليغا، فضبطنا وبحوزتنا الوثائق، وتهمتي كانت حيازة وثائق رسمية بصورة غير قانونية''• سألت آسيا: لماذا فعلت ذلك؟ قالت: هذه هي بلادنا يا أختي وإلا لالا!! كلهم يفعلون هكذا• قلت: ليست هذه بلادنا التي أعرفها أنا!! لكن ماشد انتباهي هي أناقة آسيا وروحها المرحة، وجمالها ويبدو أن السجن لم يؤثر عليها وعلى معنوياتها، فهي تعد للحصول على دبلوم في الحلاقة بعد خروجها، وتقول إن أهلها يزورونها باستمرار، ويأتونها بكل ما تحتاج اليه• قلت لها ممازحة طبعا لأنك رفّهتيهم تضحك وتقول ''نعم اشتريت أرضا لأهلي وسيارة لي''• وكم تركت من مال في الحساب؟ قلت •• ''ليس الكثير، حوالي 230 مليون سنتيم فقط'' وتضحك••• - هذا غير صحيح قلت•• فبعملية حسابية بسيطة أنت كنت تتحصلين على قرابة المائة مليون سنتيم في اليوم• فقالت: لا تنسي، فقد كنت أدفع لكل من يساعدني في العملية• إذن لم يكذبوا عندما اتهموك بأنك رأس العصابة قلت•• وماذا عن خطيبك، قلت لآسيا، ألم يفسخ خطوبته بعد أن دخلت السجن؟ وهل سينتظرك؟ أم لأنك الآن ثرية فلن يتركك؟ قالت: لا، أتمنى ألا يفعل ذلك فأنا أحبه كثيرا ولا أستغني عنه• ولماذا لم ينهرك؟ سألت قالت: "كان دائما ينهرني، وكنت أقول له في كل مرة إنها آخر مرة ولم أتمكن من وضع حد لذلك فقد تعودت على ذلك، وأنا أحب حياة البذخ فأنا أحب أن ألبس وأتفسح، أحب أن أعيش!! إكرام•• كل ما أراه هو ملكي عمر إكرام 22 سنة، وهي بالسجن منذ قرابة السنة•• قلت لإكرام إن كان إسمها العائلي "•• الله" قالت بمزاح اسمي ''سرق الله''، ووقع علي سخط الله• سألت إكرام ماهو اختصاصها في السرقة، فاللصوصية هنا بالاختصاص• - قالت إن كل شيء تقع عليه عيناها ويعجبها هو ملكها ولايد أن تأخذه• ولماذا أنت بالسجن سألتها؟ قالت سرقت سيارة "كليو كاسكيت" وضبطت عندما أرسلتها للبيع في سوق تيجلابين• وهل هي أول سيارة تسرقينها؟، تابعت الأسئلة قالت كانت السيارة رقم 11 التي أسرقها• لكن كيف يمكن لفتاة في سنك وجمالك أن تعتدي على الرجال وتأخذ منهم سياراتهم؟ شيء بسيط، قالت إكرام "نضرب الحطة" وأوقف السيارات، وأذهب معهم بحجة أنني أريد التفسح، مستعملة الإغراء، ولدى مرورنا بدكان ما أطلب من السائق أن يشتري لي عصيرا وأستفزه وأقول له "إنك شحيح كيف لا تعزمني على عصير؟"، فينزل ليشتري العصير، ويترك السيارة والمفاتيح، فأمر بسرعة إلى مكان السائق، وألوذ بالفرار بالسيارة، ويكون دائما في انتظاري أصدقاء لي، الذين يأخذونها للبيع ونقتسم الغنيمة• تقول إكرام بتحد إن هناك سيارات هامر تجول في العاصمة، وتقسم إنها لو أنها خارج السجن، فإنها ستأخذها ويجري مايجري• هل ندمت إكرام على مافعلت؟ تقول لا إنها لم تندم، وربما ستعود من جديد لممارسة "مهمتها" هذه، وربما لا، فهي إن أرادت أن تكون فتاة سوية فهي قادرة على ذلك• إكرام شعلة من الذكاء ولها روح الدعابة، لكنها لم تنجح في دراستها رغم أنها كانت دائما الأولى تقول، لكنها كرهت المدرسة والأساتذة واختارت طريقا آخر أخذها إلى السجن• وكثيرات هن السجينات المحكوم عليهن في قضايا سرقة "بنزين" أي السيارات إذ تقود الفتيات ضحاياهن إلى غابة ما، أين تكون مجموعة من الرجال بانتظارهم، وبعد ضرب الضحية أو لي رقبتها حتى يغمى عليها، تؤخذ منها السيارة والمال والهاتف النقال، وللمفارقة أنهن كلهن ينتظرن الثامن مارس ليستفدن من العفو ويعدن إلى مهنهن• يتبع•••