بلهجة تنم عن إحباطه وتذمره قال الحاج موسى، وهو أب لسبعة أبناء، أنه اضطر إلى اختصار الدعوات التي كانت تشمل كل أهالي وأصدقاء وأحباب العريس إلى العريس وعائلته فقط، والسبب المغالاة في أسعار كل شيء وأي شيء• غلاء الأسعار تسبب في تغيير جذري و نوعي في بعض عادات الزواج بأم البواقي، فحسب اختصاصي علم الاجتماع سمير بن زواوي، كانت هذه العادات حتى عهد قريب جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، الذي يميز هذه الولاية الأمازيغية المحافظة، كما تغيرت العادات التي كانت تساهم في معونة العريس ماليًا• بعض المواطنين يؤكدون ذلك، فعمي محمد قال إنه ألغى استدعاء فرقة الخيالة والقصبة لإحياء حفل زفاف ابنه البكر بسبب غلاء الأسعار• أما عمي السعيد فقال إن ''الناس اضطروا إلى إلغاء هذه العادات، رغم حبهم الكبير لها حتى يتكيّفون مع الغلاء''، وفيما اختصر الحاج موسى الدعوات والهدايا، ألغى عمي الطاهر ''كورتاج'' السيارات وحتى وليمة العرس توفيرًا للتكاليف• ولتخفيف المصاريف اضطر رامي، الذي احتفل بعرسه منذ شهر في بيته العائلي الضيق دون كراء قاعة الأفراح التي أضحت أسعار كراءها ملتهبة التهاب هذا الصيف• أما عمي علاوة فقد اختصر كل شيء وتقشف في كل شيء من المدعوين إلى العرس، إلى أنواع الطعام الذي اقتصر على الكسكسي بالدجاج فقط• الشاب عماد الذي سيتزوج خلال الأسبوع المقبل قال إنه سيقضي شهر العسل في رحلة سياحية داخلية تشمل مدينة القالة الساحلية بدلًا من السفر خارج الوطن مثلما كان يأمل ويتمنى بسبب المصاريف الكثيرة، لافتًا إلى أن عدد أيام شهر العسل قلصها إلى أسبوع واحد لا غير• ويذكر صالح العريس الجديد الذي تزوج منذ أسبوعين أن أصدقاءه طلبوا منه إقامة سهرة العرس بقاعة الأفراح، إلا أنه رفض ذلك بسبب غلاء كراء تلك القاعات وأقام سهرة زفافه على سطح منزل والده توفيرًا للمصاريف• غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة لم يقتصرا على المتزوجين الجدد وأهاليهم بل مس حتى المدعوين إلى الأعراس، حيث من العادة في أم البواقي أنه أثناء مراسيم حنة العريس يتنافس المدعوون والمشاركون في حفل الحنة في ''رشق'' العريس بالأوراق النقدية وتوزيع الهدايا مساعدة منهم وتعبيرًا لهم عن فرحتهم بزواجه•••لكن للأسف الشديد هذه العادة بدأت في الزوال والانقراض•• حيث أن الكثير من المدعوين إلى الأعراس بمجرد أن يتناولوا طعام الوليمة يسارعون بالإنسحاب في خجل طالما أن الجيوب فارغة••! وقد شدد العديد من الشباب المقبلين على الزواج ل ''الفجر'' على ضرورة توفير وضع اقتصادي مناسب لتلبية متطلبات الزواج والمحافظة على تقاليده الأصيلة، مؤكدين أن العديد من الأسر والعائلات لجأت إلى أساليب مختلفة للتغلب على الغلاء• ونظرًا لأن شراء الذهب أحد العادات المهمة التي تحرص عليها عائلات أم البواقي، في حفلات الزواج، لجأ البعض إلى استبداله بإكسسوارات مقلدة، والسبب•• غلاء أسعار الأصفر اللمّاع والرنان! خديجة كانت ترغب باقتناء عقد ذهبي لارتدائه في حفل زفافها، لكن ارتفاع أسعار الذهب جعلها تكتفي بالعقد المقلد الذي اشتراه لها والدها قبل العرس• أما أسماء التي تعمل أستاذة فقد أكدت أنها لن تشتري ذهبًا أصليًا لكي لا تختل الميزانية التي حددتها لشراء باقي مستلزماتها، موضحة أن العادة المتبعة لدى عائلتها تحتم على الفتاة شراء الذهب بكميات كبيرة، حتى أن النصف الأكبر من المهر كان ينبغي أن يوجه لشراء الحلي والجواهر، غير أن المبلغ المخصص لشراء المجوهرات لا يكفي لذلك بسبب حالة عريسها المادية، فيما يقدم بعض العرسان على أخذ قروض من البنوك حتى يتمكنوا من دفع تكاليف العرس الأساسية• وبسبب الارتفاع الفاحش في أسعار الذهب هذه الأيام، زاد الإقبال على الحلي المقلدة، وقد أوضح ناصر وهو بائع إكسسوارات نسوية أن هناك إقبالًا من قبل الفتيات والنساء على اقتناء الأطقم المشابهة للذهب، وهو الأمر الذي أدى إلى ارتفاع في أسعارها هي الأخرى وندرتها مشيرًا إلى، تجدد الموديلات والجودة العالية، هما السبب وراء الإقبال الكبير عليها، مؤكدًا أن معظم الأحجار الكريمة التي تستخدم فيها هي نفس الأحجار المستخدمة في صياغة الذهب• ولأن الأبعاد الاقتصادية للزواج تفرض على كاهل الشباب عبئًا لم يكن معتادًا عليه، فلا بد من التخطيط ماليًا لهذه الخطوة الهامة لضمان حياة أفضل، وإذا كان المثل الشعبي المأثور يقول ''زواج ليلة تدباره عام'' فقد صار اليوم ''زواج ليلة أو حتى نصف ليلة تدباره العمر كله''• ورغم أهمية الحفاظ على العادات والتقاليد في أم البواقي، يدعو بعض المختصين إلى تجاوز المظاهر الاجتماعية الكمالية وغير الضرورية، والتي ترهق ميزانية الشاب قبل انشغاله وغرقه في مصاريف الحياة الزوجية، ويدعو البعض إلى تفعيل دور الجمعيات ذات الطابع الخيري والاجتماعي وإقبالها على رعاية حفلات الزواج الجماعي من خلال تخفيف الأعباء المادية على المقبلين على الزواج ما يساعدهم على بناء حياة زوجية خالية من الديون•