يؤكد العديد من المختصين في الشأن الاجتماعي أن ظاهرة المغالاة في المهور بالجزائر وظهور مصطلح "المزايدة في الصداق" قضت على مشاريع الآلاف من الشباب في الزواج، فكم من خطوبة فسخت بسبب خلافات مادية تتعلق بالصداق الذي هو حق شرعي للمرأة حوله البعض إلى ضريبة على الزواج الذي يبقى حلما مؤجلا للكثير من الجزائريين سواء من الشباب وحتى الكهول. * أكدت رئيسة المرصد الجزائري للمرأة السيدة شائعة جعفري أن المغالاة في المهور حال دون زواج عدد كبير من الشباب المتعطشين إلى بناء أسرة والاستقرار وفق ما يتطلبه الشرع، مما تسبب في انحراف عدد من الشباب ودفع بهم إلى الانغماس في الرذيلة بعدما صعب عليهم الزواج الذي بات معقدا أكثر من أي وقت مضى بسبب العادات والتقاليد الذي حولته إلى مادة خالية من الروح. * فالعروس في السابق -تضيف المتحدثة- كانت تقبل بما يقدم لها سواء قل أم كثر، أما مقولة "كسي وأدي" اليوم فهي تعني فواتير ملتهبة لقوائم لا متناهية يضطر العريس لأن يكتوي بجمرها ارضاء لعروسه، فبالرغم من أن الصداق هو حق شرعي للمرأة إلا أننا في بعض الأحيان يخيل إلينا أننا أمام عملية بيع وشراء، فكل طرف سواء كان العريس أو والد العروس يحاول كل منهما وضع المبلغ الذي يرضيه، حتى وإن كان الجميع يؤكد على وجود "المزايدة في الصداق" فإن هذا لا يعني أنه بصدد بيع ابنته إلا أن ما نسمعه قد يجعلنا نفهم العكس، فإن كان مهرها قليلا قيل "مدوها باطل" وإن كان مهرها غاليا قيل "باعوها". * وبالحديث عن المهر فإن تحديد قيمة معينة ومحددة أمر يصعب تحقيقه، كونه يختلف من منطقة إلى أخرى، فأغلى المهور في الجزائر يتم دفعه في الجنوب الجزائري، إذ يصل مهر العروس الصحراوية إلى 100 مليون سنتيم ولا يقل عن 20 مليونا، وفي مقابل ذلك يوكل للعروس مهمة تأثيث بيت الزوجية، أما في الغرب الجزائري فالعرائس أيضا لا يستطيعن الصمود أمام بريق الذهب لتراهن مدججات بأشكال مختلفة من الذهب من "مسكية" و"سباعيات" وأقراط بمختلف الأشكال، وفيما يتعلق بالمهر فهو لا يقل عن 10 ملايين سنتيم بالإضافة إلى عدد من الهدايا التي يجبر العريس على تقديمها في كل مناسبة، ومن أكثر المناطق مغالاة في المهور أيضا هي منطقة الشرق الجزائري التي طالما أشيع عن إسرافهم في إغراق العروس بالذهب، في الوقت الذي يكتفي فيه باقي الجزائريين بتقديم طاقم الذهب، هذا بالإضافة إلى الألبسة التي لا يقل ثمنها عن 40 ألف دج دون الحديث عن قيمة المهر الذي يختلف حسب العائلات ليصل أحيانا إلى 20 مليون سنتيم، وتبقى مناطق الوسط هي الأقل تكلفة بعض الشيء، فطاقم الذهب يكون ما بين 7 إلى 12 مليون سنتيم هو مهر عرائس الوسط، وقد يكون في بعض الأحيان أقل من ذلك، كما قد يكون أكثر، وعلى العموم فإنه إذا كانت هناك عرائس وصلت مهورهن إلى 100 مليون سنتيم فأخريات رضين ب 2 مليون سنتيم، بل هناك من لم تقبض دينارا واحدا من قيمة مهرها بالرغم من المبلغ الرمزي الذي حدد كمهر لها وحتى بعد زواجها. * * الشيخ شمس الدين: "المغالاة في المهور أجبرت الشباب الجزائري على العزوبية" * أكّد رئيس الجمعية الخيرية لتزويج الشباب الجزائري "الموقوفة"، الشيخ شمس الدين، أن الشباب الجزائري أجبر على العزوبية بسبب المغالاة في المهور وتكاليف الأعراس، فالعريس مطالب بإكمال دراسته ثم أداء الخدمة الوطنية، وبعدها البحث عن عمل، ثم تأمين مسكن يؤثثه، وبعدها يفكر في تكاليف العرس التي لا تقل في الأعراف الجزائرية عن 50 مليون سنتيم ثم.." هذه كلها عراقيل تجعل من الزواج -حسبه- كابوسا حقيقيا يعزف عنه الشاب البسيط الذي بات الزواج بالنسبة له "من الأحلام التي يصعب تحقيقها". * وللتخفيف من هذا العبء، طالب المتحدث بإنشاء صندوق وطني للزواج، مثلما هو معمول به في الدول الخليجية تساهم فيه وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بأموال الزكاة، كما تساهم فيه جميع الوزارات والمؤسسات الرسمية بقدر من المال سنويا، كما يكون هذا الصندوق مفتوحا لتبرعات المواطنين بالأموال والتجهيزات المنزلية. وراهن المتحدث أن الصندوق سيحل مشكلة ثلث الشباب الأعزب الذي يجعل من تكاليف العرس وتأثيث البيت هاجسا يحول بينه وبين الزواج. * * الإسلام يحرم المغالاة في المهر إذا تسبب في تأجيل أو منع الزواج * يؤكد العديد من علماء الشريعة عبر الفضائيات والمواقع الإسلامية أن المهر أمر يخضع للعرف الاجتماعي لكل منطقة، وهو من حق المرأة، وللمرأة أن تتنازل عنه، وهو على الصحيح واجب، لكنه ليس ركنا من أركان العقد؛ فأركان عقد الزواج: القبول والإيجاب، والولي، وشاهدي عدل، ولكن المهر هو واجب من الواجبات التي تكون في ذمة الزوج للمرأة، وتتملكه المرأة، ولذلك يختلف باختلاف الأعراف بل إن المرأة يمكن حتى أن تتنازل عن مهرها، فموقع طريق الإسلام أكد أن المغالاة في المهور مرفوضة في كل العصور، ففي بعض المجتمعات زيادة المهر تكون من أجل تأثيث البيت، ومن أجل الحياة المستقبلية، ورعاية الأولاد المنتظرين من الزواج... ولكن هناك من يغالي في حفلة الزواج، ويغالي في الشبكة، ويغالي في المهور، وهذا أمر منهي عنه في الإسلام، ولذلك فأقل النساء مهورا أكثرهن بركة كما ورد في الأثر الشريف. * المغالاة في طلب الشبكة مكروه، ويكون حراما إذا أعاق عملية الزواج، أو إذا أخّر زواج البنت عامة، أما موقع "الإسلام سؤال وجواب" فقد أكد أن المغالاة في المهور تحولت إلى حاجز يمنع الشباب من الزواج، فالمهر حق مفروض للمرأة، فرضته الشريعة الإسلامية، ليكون تعبيرا عن رغبة الرجل فيها، قال الله تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) النساء، ولا يعني هذا اعتبار المرأة سلعة تباع، بل هو رمز للتكريم والإعزاز، ودليل على عزم الزوج على تحمل الأعباء وأداء الحقوق.