"الشوفة"، "الفريضة"، "سعفية الهنا أو الطلاعة الصغيرة"، "المودة"، "الخطبة"، "العقد أو أخذ المعروف" وأخيرا "الدخول أو العرس"، طريق شاق وطويل محفوف بالشروط والمطالب ، جيوب فارغة مثقلة بالديون وبدل العرس عشرون عرسا. "تعددت الأعراس والزواج واحد".. هكذا حكم المُجتمع المسيلي على من أراد الزواج. لقد حكم عليه أن يشق طريقا طويلا يدفع فيه كما يقال "دم قلبه" حتى يتمكن من إتمام نصف دينه وتأسيس أسرة، ناهيك عن قائمة شروط طويلة عليه أن يفي بها منذ اللحظة التي يخطب فيها إلى أن تدخل العروس بيته، وكل هذا لا طائل منه سوى تعقيد الأمور وسد الطريق أمام ما أحله الله لإعفاء شبابنا وشاباتنا مما حرمه الله. جميع الزواجات بالمسيلة كانت وما تزال أغلبها مرتبة من قبل الأهل، ولكن هناك اختلافات في عدد من التفاصيل بين مناطق الولاية، تتعلق بعادات وأعراف كل منطقة ويبدو الاختلاف واضحا بين الأعراس المقامة بالمدن الكبيرة عنها في الأرياف والقرى. "الشّوفة"..أوّل الخُطوات في البداية يقوم الشاب المقبل على الزواج بالتقدم إلى عائلة العروس، وعند الاتفاق المبدئي والقبول وهذا ما يسمى في العديد من مناطق الولاية ب"الشوفة" يقدم الرجل مبلغا من المال أو شيئا من الذهب غالبا ما يكون رمزيا للعروس كدليل على القبول حسب إمكانياته. وفي حالة نية عائلة الشابة تزويج ابنتهم يقومون بدورهم بالسؤال عن الشاب وعائلته وبعد اقتناعتهم يتم إرسال الموافقة. عندها تقوم عائلة الشاب بزيارة عائلة الفتاة للاتفاق على المهر و"الجهاز"، و هي ثياب العروس، وباقي الشروط المتعلقة بالزواج والتي يتحمل الشاب وعائلته معظم تكاليفها وهذا ما يسمى ب"الفريضة" و تُعتبر هذه الخطوة بمثابة الموافقة النهائية على الزواج وتحضر فيها عائلة الشاب ما يسمى "سعفية الهنا" أو "الطّلاّعة الصغيرة" و تحتوي على الحلويات والحنّاء وشيء من الذهب حسب مقدور العريس، وفي بعض المناطق يتم فيها قراءة الفاتحة ويُقدّم فيها المهر. "الفكرانيّة"..احتفالات الخطبة و العرس بعد هذا تبدأ احتفالات الخطبة والتي تقام في دار الفتاة وفي هذه الليلة يتبادل الخطيبان تلبيس خواتمهما، وقد أصبحت تحمل عادات غربية غريبة عن مجتمعنا بالنظر إلى مراسيم الاحتفال التي تفتح الباب على مصراعيه للمبالغات والتشدق، وأحيانا تتم قراءة الفاتحة أو كما يقال قراءة المعروف يوم الخطبة. من تاريخ الخطوبة وإلى غاية يوم الزفاف، تقوم عائلة الشاب بزيارة أهل العروس في كل مناسبة حاملين معهم الهدايا التي تختلف حسب إمكانية العائلة وتتنوع بين الألبسة و العطور و الذهب واللحم، وهو ما يسمى في بعض مناطق المسيلة "الفكرانية" كونهم يتذكرون العروس في كل مناسبة فيقدمون لها الهدايا، و تسمّى "الفكرانيّة" في مناطق أخرى ب "المودة". يجري الاحتفال بالعرس أو الزفاف بالمسيلة غالبا يوم الخميس في بيت العريس. وخلال أسبوع الزفاف يبدأ الأهل والأصدقاء في كل ليلة بالرقص والغناء حتى يوم الأربعاء أين تقام حنة العروس، وفيها يدعى الأهل والأقارب وتقدم الحلويات ويحضر أهل العريس "الجهاز" الذي باتت تبالغ فيه أغلب العائلات وتصرف فيه مبالغ طائلة ويسمى عند بعض سكان المنطقة "الطلاعة الكبيرة" أما في يوم الزفاف فعادة ما تأخذ العروس في موكب من السيارات إلى منزل عريسها أين تقام الاحتفالات ويُقدّم العشاء والحلويات للضيوف. يوم "التّحزام" أما يوم الجمعة فهو عند اغلب المناطق بالمسيلة يوم "التّحزام" حيث تُحزم فيه العروس من قبل أهل العريس، و يكون إما والد زوجها أو أخوه الأكبر، كما تقدم فيه أم العروس ما يسمى ب"الجفنة" أو القصعة التي تحتوي على الكسكسي واللحم والدجاج مُزينة بالبيض والزبيب وأنواع من الحلوى... وهناك في بعض المناطق بجنوب الولاية من يؤخرون تقديم "الجفنة" إلى اليوم السابع من العرس. كل هذه التعقيدات والعادات المستحدثة لم تكن موجودة من قبل فالزواج كما يخبرنا الأولون كان أبسط من ذلك بكثير فبمجرد أن تتم الموافقة يقوم أهل العريس بكسوة العروس ثم تتم مراسيم الزفاف مباشرة بفاصل زمني قصير جدا وخال من التكاليف التي لا طائل منها. كبارٌ ساخطون و حنينٌ إلى الماضي وفي هذا تخبرنا الحاجة مريم: أن الزواج في وقتنا لم يكن بهذا التهويل الذي ابتدع في هذا الوقت بل العكس كان أبسط من ذلك بكثير لا مجال فيه للمبالغة في صرف الأموال الطائلة وتكليف الناس ما لا يطيقون لا لشيء فقط للتفاخر والتباهي ومع ذلك كانت في زيجاتنا البركة لأن "البركة دائما في القليل". وفي هذا السياق يرى الكثير من المتتبعين أن اختفاء العادات القديمة ومن ورائها العلاقات الاجتماعية أين كان لكلمة كبار العائلة أو ما يسمى قديما ب "الجماعة" الفيصل في هذه الأمور بل كانت حائلا قويا أمام ظهور مثل هذه الطقوس والعادات الغريبة عن مجتمعاتنا، والأكثر من ذلك ارتفاع المهور الذي أصبحت له أبعاد خطيرة على المجتمع. هدى عاشور