تتواجدون اليوم بالجزائر من أجل تكريم روح محمود درويش، ماذا تعني لكم هذه الوقفة التي خصصتها الجزائر لدرويش؟ في حقيقة الأمر، شهدت الكثير من التظاهرات التي أقيمت احتفاء بروح الشاعر الراحل محمود درويش، لكن مثل هذا التكريم لم يحظ به درويش إلا في الجزائر، أرض الثورة، وأرى بأن ما قام به رشيد قريشي ووزارة الثقافة ومنشورات البرزخ، الذين رتبوا لوجودي هنا اليوم وهذا الجمع من المثقفين العالميين، ما هو إلا دليل على وفائهم للشعر ولمحمود درويش، من خلال برنامج لم يكن للشعر فقط بل شمل مختلف الفنون التي شكلت تكاملا فنيا حول محمود درويش· رافقتم درويش في العديد من المحطات الشعرية، والمنابر الأدبية العربية والعالمية، ماذا تحتفظون في ذاكرتم اليوم من هذه اللقاءات؟ ما عشته من لحظات مع درويش، لا يمكن أن نتحدث عنه هكذا بحديث عابر، فدرويش كان بمثابة أخي، وأكيد ما تحتفظ به ذاكرتي اليوم عن درويش يحتاج إلى دواوين ومؤلفات· طيب كيف تصفون لنا علاقتكم بمحمود درويش الشاعر والإنسان؟ إن تحدثت عن محمود درويش الشاعر، يكفي أن أقول إن الساحة الشعرية العربية فقدت شاعرا لامعة، لن يتكرر، شاعرا صنع الكثير للشعر العربي من كلمات لادغة، كشفت عمّا يختلج صدر وطنه وأمته، شاعر يحكي معاناة شعبه بنبرة صوت قوية صارخة وأسلوب متميز ووزن راقي، حارب به عدوه وصمد في وجهه إلى يوم وفاته في الوقت الذي لم تتمكّن الجيوش من مقاومة عدوها، هو قلم إن كتب للحب أبكى من لا يعرف العشق، وإن وصف الحرب جعل من لا يعرف تفاصيلها يعايشها، هذا درويش الشاعر· أما علاقتي بدرويش الإنسان فقد كانت علاقة متميزة قوية بدأت منذ سنوات طويلة يوم زرت بغداد، وبالضبط في سنة ,1973 كان إنسانا محبا للحياة ومتمسكا بها جدا، كان يحلم بفلسطين مستقلة ويمكن لمس ذلك من خلال كتاباته· إن أقل ما يمكن قوله عن درويش بعد مرور عام من رحيله هو أن الساحة الشعرية قد فقدت برحيله أحد عظماء الشعر وأنبلهم، وأتمنى أن تتمكّن من الحفاظ على تراثه الشعري· ما بين النقد والشعر أين يجد محمد بنيس نفسه أكثر؟ أنا موجود فيهما معا، ولكنني لا أشتغل على النقد كثيرا بالمقارنة مع النّص الشعري، كون العمل النقدي سمح لي بالتنقل من كتابة القصيدة إلى التفكير في معنى القصيدة، هذا التفكير هو التنظير للقصيدة إذ لا أشتغل على النقد بمعنى الحكم وبمعنى التعليق فقط، بل بمعنى آخر أكثر دقة من خلال الدراسات التي كنت أقوم بها في الجامعة، والتي ساعدتني على أن أجعل من تلك الدراسات والأبحاث مختبرا شعريا، أطبق نتائجه على قصائدي بدل تطبيقها على القصة أو الرواية، كون القصيدة هي التي تعنيني كسؤال شعري، لذا فقد كانت دائما تشغلني تلك الدراسة في قصيدتي، مما مكّنني من معرفة ماهية النص الشعري· وفي الوقت نفسه، العمل النقدي أرى بأنه عملية تنظير للشعر، ذلك أن العمل الشعري هو عمل معرفي بالدرجة الأولى، لذا فإن اشتغالي بالحقل النقدي ساعدني في معرفة القصيدة التي أقترفها بعمق أكثر· برأيكم فِيمَ تفيد مثل هذه اللقاءات، في النهوض بالمشهد الثقافي العربي؟ مما لا شك فيه أن مثل هذه اللقاءات هي البوابة التي تفتح لنا المجال أمام تجارب الآخرين، لذا أرى بأن لقاء مثل هذا هو فرصة لاكتشاف المواهب الجديدة، والطاقات الشابة التي لم يسعدنا الحظ في التعرف على تجاربهم مهما كان نوعها وحجمها· بالحديث عن الطاقات الشابة والتجارب الجديدة، هل أنتم مطلعون على المشهد الشعري الجزائري، وبخاصة الجيل الجديد؟ ما اطلعت عليه من أعمال شعرية جزائرية لشعراء الجيل الجديد، يدل على أن الشعر في الجزائر سيكون بخير دوما، على عكس ما يشاع حول هذا الجانب وبكون أغلب المبدعين الجزائريين يميلون للفنون الأدبية الأخرى كالرواية والقصة، وقد كانت لي فرصة الاطلاع منذ فترة على بعض التجارب الجزائرية، وقد فوجئت بهذا التدفق اللغوي الشعري الجميل، وأعتقد بأن مثل هذه التجارب سيكون لها مستقبل كبير في المشهد الإبداعي ليس في الجزائر وحسب بل في العالم العربي ككل· يقال بأن هناك نموذجا من شعراء الجيل الجديد أصبح يميل في كتابته الشعرية إلى القصيدة الكلاسيكية، هل هذا يعني وجود إفلاس نوعي للنص الحداثي؟ يقال هذا مع أني لا زلت لم أتعرف على تجربة شعرية تنتمي للجيل الجديد، تمارس الشعر من المنطلق الذي تتحدثين عنه، ولحد اللحظة لا زلت لم أر شاعرا من الجيل الجديد يمارس أو يتذوق فن وجمال الشعر الكلاسيكي، ولو كان لديك واحدا من هؤلاء عرفيني ولو بواحد منهم· كيف تقيّمون الحركة الشعرية الجزائرية مقارنة بالأصوات الشعرية العربية الأخرى؟ للأسف الشديد أنا لست على اطلاع تام بالساحة الشعرية الجزائرية المكتوبة باللغة العربية، إلا من خلال بعض الأسماء التي تنتمي إلى الجيل الجديد كالشاعر عز الدين ميهوبي، إبراهيم صديقي، وأبو بكر زمال· كنت أتمنى أن تربطني علاقة قوية مع النصوص الشعرية الجزائرية، لكن غياب التواصل بين الثقافتين الجزائرية والمغربية حال دون ذلك، وهذا راجع إلى العديد من الأسباب· إلام توعزون هذا النقص؟ النقص هذا راجع في الأساس إلى عدم الاطلاع الذي يعود إلى عدم التلاقي بين الشعراء في المغرب العربي الأمر الذي جعل الشعر لدينا ضئيلا مقارنة بما يصنع ويبرز بالمشرق العربي من أقلام شعرية متميزة بارزة استطاعت في فترة وجيزة من بلوغ أسمى مراتب النبل في الشعر، في الوقت الذي نجد في الشاعر المغاربي ثابت في مكانه غير قادر على التقدم· إلا أن هذا لا يعني أن المغرب العربي فقير أدبيا، بل على العكس تماما فعندنا أصوات وأقلام شعرية لامعة أهمها كانت بالجزائر في فترة الثمانينيات والتسعينيات، إلا أننا لم نعد نعرف عنها شيئا ولا نسمع لها جديدا شعريا، ونحن اليوم نتساءل هل غادروا الجزائر أم غادر الشعر؟ ألا تعتقدون بأن الثقافة الإلكترونية التي برزت بشكل ملفت للانتباه هي قادرة اليوم على إزالة كل هذه العوائق، وستسمح في وقت قريب من مد جسر التواصل والتفاعل فيما بينكم أكثر؟ أرى أن الإعلام الإلكتروني والتواصل الإلكتروني اليوم قد ساهم كثيرا في التواصل بين مختلف الشعراء وسمح أيضا بالتعرف على آخر الأعمال وبالشعراء أيضا خاصة شعراء الجيل الجديد، وكذا في إيصال المعرفة، إلا أن العولمة وبرغم من تعدد وسائلها إلا أنها لا يمكن أن تعوض أو تخلق تواصلا حقيقيا وفعّالا بين مختلف الشعوب والحضارات والأفكار والمدارس الأدبية والفنية، تماما كما أنها لن تتمكّن من تعويض الكتاب الذي أراه من وجهة نظري سر لمعان كل ما يقرأ سواء كان نثرا أم شعرا· نمر الآن إلى المشهد الثقافي المغربي، وبخاصة الشعري باعتباركم أحد أهم الأصوات الشعرية التي ساهمت على رواجه··كيف تقيمونه لنا؟ لقد تقلّص المشهد الثقافي المغربي وانطفأ بريقه فجأة، بانهيار مصداقية المؤسسات الحزبية التي أضحت بين ليلة وضحاها تتدخل في أدق التفاصيل الثقافية التي كنا ولا زلنا نحن المثقفون ننادي بأن تكون كل المؤسسات الثقافية بعيدة عن رهانات وحسابات السياسة وأهلها، هذه الظروف خلقت مشهدا ثقافيا كثيرا ولكن تنقصه التعددية، التي تخلق فضاءً تلتقي فيه ثقافة الحداثة بالثقافة الكلاسيكية بمنظور التحرر لا التقييد· وماذا عن نشاطات ''بيت الشعر المغربي''، ألم يعد قادرا على مواكبة هذه التوجهات أم ماذا؟ المسألة ليست في أن يواكب هذه التوجهات أم لا، بل هي مسألة معقدة وشائكة، ولو عدنا إلى الوراء وبالتحديد إلى بداية تأسيس ''بيت الشعر'' الذي كنت طرفا فيه، فنجد بأنه قام بالعديد من النشاطات التي لم نكن كمثقفين نحلم بها، حيث قمنا بتنظيم مهرجان عالمي للشعر بالمغرب، كما قمنا مع شعراء من أوروبا وأمريكا بتأسيس الموقع العالمي للشعر، من خلال الأممالمتحدة، بالإضافة إلى هذا قدمنا العديد من المساعدات للشعراء المغاربة وللمشهد الثقافي المغربي، من خلال أنشطة، ولقاءات، وندوات التي كانت تصب في خدمة العامة من الشعراء· أما الآن فقد أصبحت هناك لغة أخرى في المشهد هي لغة السياسة·· وللأسف هؤلاء السياسيون أتوا ليسيطروا على بيت الشعر، بطريقة أعتبرها شخصيا لا قانونية وغير أخلاقية·· طريقة بمنطق خيانة الفكرة التي قامت عليها القصيدة، وأيضا العدوانية والحقد، وأنا بمجرد أن بدأت تقام هذه الأشياء لم أعد أتدخل في المشهد الثقافي المغربي ولم تعد تربطني به أي فكرة، لأنني لن أدافع على أفكار لا أتبناها، لذلك فضلت الابتعاد عن المشهد نوعا ما كي لا أدخل في صراعات وعقلية ليست في مستوى الفكرة الشعرية، لذلك يمكنني اليوم أن أقول بعد كل هذا الصمت بأن بيت الشعر تنكّر لي، وكأنه لم يعد يعرف اسمي الذي لم يعد يذكر فيه، وأنا أقول لهم الآن أيضا لا بأس فهذه هي الحياة الثقافية العربية·· فهي لا زالت مريضة، وهذه الأمور لا تحدث إلا عندنا· أهذا المرض الثقافي والعقلية الانقسامية هما السببان الرئيسيان في غياب جائزة ''نوبل''، عن العرب منذ1988؟ ألا تلاحظين معي بأن العرب أصابهم هوس جائزة نوبل؟؟، أنا أعتقد بأنه سيأتي يوم تكون فيه جائزة نوبل من نصيب مبدع عربي، ولا أظن أن الاستحقاق يقاس بالفترة الزمنية، كما أنني متفائل وأعلم أنها ليست بالبعيدة عنا، خصوصا أن لدينا أقلام أدبية تستحق هذه الجائزة وعن جدارة كما كان يستحقها محمود درويش، وكما يستحقها أدونيس، جمال الغيطاني، واسيني الأعرج، وغيرهم من المبدعين العرب، لكن ما يقلقني أكثر هو الانطفاء الإعلامي الذي يصاحب ترشح المبدعين ومن قبل إعلامهم بالدرجة الأولى، قبل الإعلام العربي بشكل عام، وهنا تكمن الكارثة الحقيقية· نخرج من كارثة لندخل في أخرى، هل صحيح قمتم بإرسال رسالة إلى بعض الأصدقاء الجزائريين - بما فيهم الروائي الطاهر وطار- تخبرونهم فيها بسرقة الروائي رشيد بوجدرة لمقاطع كاملة من روايتكم؟ لا···لا لا مطلقا···أنا لم أبعث بأية رسالة·· نتفهم تحفظكم على الموضوع، لكن لدينا نسخة من الرسالة المكتوبة بخط يدكم، والتي أرسلتموها في نهاية الثمانينيات إلى المثقف الجزائري الراحل عمار بلحسن، والطاهر وطار أيضا يحتفظ بنسختها الأصلية؟ (········) كان هناك إشكال حدث منذ فترة، ونشرت بعده بعض الملفات من قبل المرحوم بختي بن عودة وأنا لم أتهم بوجدرة حينها كشخص· لكن الرسالة تقول عكس ذلك؟ أنا لا أريد أن أدخل في مثل هذه النقاشات، خاصة وأنني ضيف بالجزائر وهذا ليس جيدا في حق نفسي، وفي حق بوجدرة كونه صديق محترم· هذه الأشياء وقعت في نهاية الثمانينيات ولكن أنا لم أبعث لا برسالة ولا بأي شيء· لكنكم قلتم منذ لحظة بأن هذه القضية حدثت بالفعل، أم ماذا؟ القضية، حتى نغلق هذا الجانب، هي أن الطاهر وطار حدث بينه وبين بوجدرة سوء تفاهم وخلاف، فقام الطاهر وطار بتذكير رشيد بوجدرة بشيء كان في الماضي، وأنا لم أشأ أن أتدخل لأن هذه مسألة جزائرية-جزائرية، لذا لم أتدخل فيها، وتركت الأمور على حالها· لاحظنا مؤخرا تعدد المسابقات الشعرية على غرار شاعر المليون·· وأمير الشعراء وغيرها من المسابقات الأدبية التي تختص بالشعر، برأيكم هل مثل هذه المسابقات ستعطي دافع