قد يرحل الشاعر عن هذه الدنيا بجسده ولكن يظل شعره حياّ لا يموت، فالشاعر خالد أبد الدهر وروح درويش موجودة بيننا، نحس به ونرتوي من قصائده، والجزائر أرادت من خلال صالونها الدولي للكتاب، أن تكرّم هذا الشاعر الفذ، فكانت مداخلات من أحبوه وعرفوه عن قرب معبّرة حقا. "يستطيع الشاعر أن يقول ما يشاء وأن يصنع ما يريد بكلماته، ولكنّه يبقى في مجال المجاز ويدخل في حيّز الاستعارة، فهو ليس من الواقع"، "الشاعر الفلسطيني محّمل بمهام ليست في الأصل من مهامه"، "ليست لدينا مدينة، مدينتنا في الذاكرة"، "أتساءل ما جدوى الشعر وأسئلة أخرى أحاول أن أحرّرها من لحظة الضغط الراهنة"، "الشعر يوحي للشاعر أنه تحرّر ولكنّه غير ذلك مادام مجتمعه غير حرّ وأنا لن أتحرّر من فلسطين إلا عندما تتحرّر"، هي بعض الكلمات من جمل معبرةّ نطق بها الشاعر الراحل محمود درويش في فيلم وثائقي فرنسي، أنتجه جان أسال ماير وعرض في فاتحة التكريم الذي خصّصه الصالون الدولي للكتاب نهاية الأسبوع الماضي للشاعر الفذّ درويش. سعادة سفير فلسطينبالجزائر، أحمد عبد الرازق، أكّد أنّ محمود درويش رجل اختصر فيه شعبه وقدّم القضية الفلسطينية للعالم بعد أن قدّم الفلسطينيين لأنفسهم فعلّمهم من هم وكيف يكونون. مضيفا أنّ لدرويش قوّة غامضة أورثها للفلسطينيين، واعتبر أنّ الإيمان هو الذي يزرع الأمل في أعماقنا، آملا أن تحمل رفات درويش وعرفات نحو القدس، حيث حلما وأرادا أن يكونا، بالمقابل أكّد المتحدّث أنّ فلسطينوالجزائر تشتركان في أنّهما مشتا على حدّ السيف من أجل الحرية. من جهته، عاد الشاعر والمدير العام للإذاعة الوطنية، عز الدين ميهوبي، إلى الوراء، وبالضبط إلى سنة 2005، حينما التقى بدرويش في الجزائر، بمناسبة تقديمه لأمسية شعرية بعدما كان قد التقى به في المغرب وألمانيا، واعتبر المتحدّث أنه من الصعب اختزال درويش. مضيفا أنّ هذا الشاعر الكبير حدّثه عن حصار بيروت سنة 1982 بتفاصيل دقيقة جدا، وكيف تدخّلت شخصيات كبيرة لفكّ أسره ولكنّه قرّر أن لا يخرج من بيروت إلاّ بجواز سفر جزائري لأنّه مدرك لعظمة الجزائر. وفي هذا السياق، قال درويش لميهوبي، أنّ مباريات الفريق الوطني الجزائري في مونديال 1982 كانت بمثابة متنفّس لمن كانوا تحت الحصار، بل كان القصف ينسى أمام براعة رياضيي كرة القدم الجزائريين، وتساءل درويش "ما بال كرة القدم الجزائرية منهارة اليوم؟". ودائما في رياضة كرة القدم، قال درويش لشاعرنا، أنه لو صرّح رونالدو بتعاطفه مع الفلسطينيين أثناء زيارته للأراضي الفلسطينية في تلك السنة لحطّموه. ويقول ميهوبي ومنذ تلك السنة - أي سنة 2005 - لم نسمع عن هذا اللاعب شيئا. مشيرا إلى تنويه درويش بالشعر الجزائري أثناء حضوره لأمسية شعرية جزائرية، حيث قال "الشعر الجزائري بخير وسيكون للجزائر شأن في الحركة الشعرية العربية". بالمقابل، تناول مترجم قصائد درويش إلى الألمانية ومدير تحرير مجلة "فكر وفن"، الصادرة عن معهد "غوته"، استيفان فيدنر، الصعوبات التي يجدها لترجمة أشعار درويش، والتي تتفرّع إلى صعوبات راجعة إلى الاختلافات الثقافية، فحسبه، السياق الثقافي لدرويش يجهله الأوربيون، فهو ينطلق من الأدب العربي والتصوّف، بل أنه يستلهم حتى من القرآن وهنا - يضيف استيفان - على المترجم أن يشرح هذه المعاني والصور على الهامش وفي المقدّمة والخاتمة، واستطرد بالإشارة إلى أنّ الصعوبات الأخرى تتمثّل في الناحية الّلغوية، فهل تحفظ القافية في الترجمة أم تنزع نهائيا؟ ويجيب المترجم عن سؤاله، أنّه اختار الحل الوسط، أي أنّه لا يستغني نهائيا عن الإيقاع، بيد أنّه لا يحتفظ بكامل القافية. أمّا رئيس اتّحاد الكتّاب الفلسطينيين، متوكل طه، فقد أكّد أنّ موت درويش مجازيّ نسبيّ، فالشعراء لا يموتون. وأضاف أنّه بعد رحيل سفيريّ فلسطين إلى العالم، ياسر عرفات ومحمود درويش، لم يعد في فلسطين أسماء كبيرة ورموز يعرفها العالم. مستطردا، أنّ الشعوب في مراحل تحرّرها تحتاج إلى أسطورة.