ماذا عساني أقول لك يا شوقي وأنت الآن ترقد في دار الخلد وقد عرفتك منذ أن كنا أطفالا صغارا حفاة نلعب ونمرح في أزقة شلالة العذاورة العتيقة غير المعبدة·· وكنا سعداء كالعصافير وفراشات شهر نيسان··؟ ماذا أقول لك أيها الأخ الصديق، الحبيب، الزميل الصحفي البارع، فارس القلم، أمير الكلمة الطيبة وسلطان الرأي السديد·· ماذا أقول لك وانأ لا املك إلا إحزاني يا صاحب القلب الرحب الممتلئ بالحب والعطف و التواضع العظيم·· ماذا أقول لك يا صديق دربي وأنت في لحدك تنام كالشهيد مطمئن البال، لأنك طول حياتك التي كانت مزيّنة ومرصّعة بالجراح والآلام والإنجازات، لم تؤذ نملة، أو بعوضة، ولم يعبس وجهك المشرق الوضاء في وجه سائل أو عابر سبيل أو غريب عن الديار··؟ ستبقى يا شوقي تلك الأيام والسنون الأحلام التي قضيناها في ثانوية الغزالي بسور الغزلان، وفي جامعة الجزائر ومقهى اللوتس، محفورة في ثنايا قلبي وموشومة في أفكاري إلى يوم الدين··· لقد كنت يا شوقي طالبا بارعا تفخر بك لغة سيبويه، سواء في الثانوية أو في الجامعة·· لا زلت أذكر يا شوقي تلك الأيام العصيبة التي كنا نتقاسم فيها غرف ''د 51'' بطرق غير شرعية بحي طالب عبد الرحمان ببن عكنون، وكنا نلج الحي الجامعي تحت جنح الظلام حتى لا يتفطن لنا حارس الحي·· كنا نتقاسم في عشائنا الخبز و''شكاير'' الحليب، وكنت دائما بشوشًا زاهدًا لا تؤمن باليأس، وكنت رغم ظروفنا الصعبة تكتب مقالاتك الرصينة في صحيفة المساء، وكنت أقرأ السعادة على وجهك وأنت تعيد قراءة مقالاتك المنشورة في المساء علي·· ماذا أقول لك أيها الأخ وأنت أخي الذي لم تلده أمي؟·· أعرف أنك لا تحب المدح ولا الرثاء·· وأعرف أنك تعرف أنني مثلك لا أحسن فن الرثاء والمدح·· لكن أعرف أنك سوف تتقبل مدحي ورثائي لك·· وأنت تعلم بأنك لست ملكا أو سلطانا·· وأنا لست شاعرا أو كاتب بلاط··· ماذا أقول لك ياشوقي وأنت الذي كافحت ودافعت طيلة عمرك بقلمك وبفكرك عن البلاد في أصعب وأحلك الظروف ولم تجن سوى الأشواك والجراح والآلام دون أن تطأطئ رأسك، وكان جزاؤك الاستشهاد في غرفة فندق بعيدا عن ''نزيم'' و''ريم''؟·· أنت يا شوقي تشبه في استشهادك آلاف الشهداء هم الآن ينامون في فردوس الرحمان وأنت محظوظ لأنك ستكون إلى جانبهم بإذن الله··· إن موتك المفجع المؤلم، الدراماتيكي، هو موت لنا نحن الأحياء الموتى، فأنت عشت حياتك في كبرياء وإباء وشرف في زمن صارت فيه هذه الصفات والمواقف تخيف الخفافيش وعبّاد الدنيا الفانية ''بنت الكلب''، كما كنت تقول لي دوما في أحاديثك· ما ذا أقول لك أيها الصديق العزيز؟·· ستغيب عن أعينا·· وإلى أن يجمعنا الله أقول لك: لا تحزن فأنت تركت أصدقاء·· تركت ''نزيم'' و''ريم''·· وأحبة سيحفظون ذاكرتك في سويداء القلب·· تركت تراثا صحفيا·· وسيظل اسمك منقوشا بمداد من ذهب في سجل الصحافة الجزائرية إلى الأبد··· عز الدين طهاري صحفي بالإذاعة الجزائرية ورفيق درب المرحوم مدني شوقي - رحمه الله