عندما خرجت كرتنا للواجهة الإفريقية ثم العالمية في مطلع الثمانينيات كان نجاح المنتخب بوصوله لنهائي كأس إفريقيا بنيجيريا عام 1980 ثم إدراك المونديال بعد عام واحد سببا قويا في ازدياد عدد المتتبعين، فالكثير من الملاعب كانت تمتلئ عن آخرها في الصباح الباكر لرؤية إبداعات نجوم المنتخب كبلومي مع غالي معسكر، الثنائي ماجر وآيت الحسين في نصر حسين داي، سرباح وعصاد مع رائد القبة وغيرهم من صانعي الحدث الكروي• وقد وصل الأمر بالأنصار إلى التنقل طوعا إلى المدن المجاورة لمتابعة المباريات• وخير دليل على ذلك عندما كان الترجي الفالمي في عزّ أيامه ينشط بحظيرة الكبار، كان وقتها ملعب علي عبده العتيق يستقبل أعدادا فوق طاقته من الفالمية وحتى العنانبة الذين لم يكن لهم أي فريق يمثلهم بعد سقوط الحمراء• ماجر ''هدم'' ملعب 20 أوت شتان بين الأمس واليوم•••أو اليوم الذي يمضي أحسن من الذي يأتي•••فهذين المثالين ينطبقان على كرتنا وبصفة خاصة على نصر حسين داي، التي كانت مدرسة أو مصنعا لإنجاب النجوم وكانت مواجهات النصرية مع المدرسة القبائلية حامية الوطيس أكثر من غيرها، فالفريقين تبادلا الفوز في نهاية كأسي 77 و79 وفي أحد مواجهتهما مطلع الثمانينيات كان الظاهرة رابح ماجر قد بلغت شهرته ذورتها في بطولتنا، لدرجة أن مجرد مشاركته ضد القبائل جعل ملعب 20 أوت لا يتسع للأمواج البشرية العاتية التي أتته من كل حدب وصوب، فمع امتلاء المدرجات غامر الكثير بالصعود فوق المنصة المغطاة ومن كثرة العدد الهائل تهدّمت المنصة الشرفية ويومها حدث ما حدث•••والسبب ماجر• الجماهير هجرت المدرجات اليوم لم تعد الملاعب تحظى بنفس الجاذبية، فحتى المشهورة منها بالإقبال الجماهيري الكبير كالعميد، الجياسكا، الحمراوة، عنابة وقسنطينة لم تعد كما كانت بصورة ملفتة للانتباه•• والسبب اقتناع الأنصار بأن مباريات بطولتنا تنشطها أقدام يهمها الأموال قبل الألوان وهذا ما أفقد المنافسة نكهتها• غزو المقاهي وقاعات السينما إذا كانت ملاعبنا في نهاية الأسبوع تشهد إقبالا ضعيفا على المدرجات، فإن الأمر يكون على العكس من ذلك في مباريات مختلف البطولات الأوربية وخاصة الأندية التي يلعب لها محترفونا• ولم يعد الأمر مقتصرا في بث مبارياتهم في المقاهي بل إن بعض قاعات السينما ومع ركود متابعة الأفلام مزّقت الأفيشات السينمائية وأصبح البعض منها يتخصص في إعداد أفيشات كروية ووضع النجم الجزائري المشارك في تلك المباراة في الواجهة لاستقطاب أكبر عدد من المتفرجين الذين يحولون قاعة السينما إلى ملعب كروي• موازنة بين الأمس واليوم في السابق كانت بطولتنا نشطة والمتتبعون يعرفون تشكيلة أي فريق، فمن يتواجد في وهران لا يخفى عليه اسم لاعب يحمل ألوان مولودية الجزائر أو شبيبة القبائل والعكس صحيح وينطبق أيضا على كل نقطة من الوطن• فإلى اليوم الكل يذكر أن سريع غليزان كان لديها هدّافا كبيرا اسمه بن عبو وشبيبة تيارت صانع ألعاب الركنية لا تختلف عنده عن ضربة الجزاء واسمه مايدي ولترجي فالمة حارس ينط كالقط اسمه غفار•••وكما تلاحظون فقد ركّزنا على الأندية المغمورة لأن تعداد ''الجات'' أو جمعية إليكترونيك تيزي وزو أو مولودية وهران ووفاق سطيف كانت أسماءها يحفظها الجميع عن ظهر قلب• اليوم انقلبت الأمور ولن يكون الأمر غريبا إذا كان مناصر قبائلي أو عاصمي أو وهراني لا يعرف من سيلعب في المواجهة التي سيخوضها فريقه؛ بل ازدادت الأمور حدّة بعد تغيير نهاية الأسبوع ولم يعد الكثير من الأنصار يعلمون أن فريقهم سيلعب إلا في آخر لحظة خاصة في مباريات الثلاثاء•••وعلى عكس من ذلك، فنجد أنهم يحفظون أسماء الأندية التي ينشط فيها محترفونا، فمثلا في سوق أهراس وبالضبط في سدراتة نسبة متابعة بطولتنا ضعيفة جدا، لكن شباب تلك المنطقة يعرفون كل كبيرة وصغيرة عن البوندسليغا وخاصة نادي رمزهم عنتر يحيى قائد بوخوم، ولم يهملوا مطمور مع موشنغلادباخ أو زياني مع فولفسبورغ• متى تستعيد بطولتنا هيبتها؟ لم تعد بطولتنا كما كانت على الأقل من جانب المتابعة الجماهيرية وعلى القائمين عليها البحث عن الداء وإيجاد الوصفة الملائمة لإدراك الشفاء ولو أن مهمتهم أكثر من عسيرة، خاصة عندما نعلم أن منشطيها - أي اللاعبين - لم يبق لهم أمل للوصول للمنتخب الوطني وهذا هو قمة اليأس الأشبه بسقوط الفأس على الرأس• باسم زغدي مصطفى بسكري يكشف ل''الفجر'' دوافع هجرة الأنصار ''تراجع المستوى المحلي وغلاء التذاكر، وتألق ''الخضر''•••'' يرى المدرب مصطفى بسكري أن ظاهرة عزوف الأنصار والمتفرجين عن ارتياد ملاعب الجمهورية من ثلاث زوايا، حسب ما أدلى به ل''الفجر'' بحيث إنّ ''مستوى مختلف بطولاتنا المحلية تراجع كثيرا، وبالموازاة مع ذلك عرف المنتخب الوطني تألقا لافتا، سمح للجزائر بالعودة إلى مكانتها الحقيقية بالتواجد مع النخبة العالمية، أولا قاريا بالتأهل إلى ''الكان'' الإفريقي بأنغولا، ودوليا بحجز مقعد في مونديال جنوب إفريقيا• وتحققت تلك الإنجازات بلاعبين محترفين في أغلبيتهم، الذين أرجعوا الفرحة للشعب الجزائري، وخاصة الشباب منهم، إذ أصبحوا يتواجدون حيث يتواجد أولئك اللاعبون المحترفون''• أما السبب الثاني والدافع إلى خلو المدرجات من المشجعين، فيقول بسكري ''أرى أن الإمكانيات المادية للمناصر الجزائري لا تساعد بشكل عام في اقتناء تذاكر الدخول إلى الملاعب، من خلال رفع أسعارها، وهو ما لم يمكّن الأنصار من متابعة فرقهم من على المدرجات، خاصة في مباريات الداربي التي لعبت بحضور جماهيري متواضع، بعدما كانت تشهد توافدا جماهيريا كبيرا''• إضافة إلى هذين الدافعين، أضاف نفس المتحدث، عنصرا ثالثا وهو أنّ المناصر الجزائري أصبح له خيارين اثنين، البطولة الوطنية والمنتخب الوطني، فبعدما كان لا يهتم إلاّ بالبطولة المحلية التي كانت متنفسه الوحيد، وقت كانت نتائج ''الخضر'' مخيبة للآمال، اتجهت الآن كل الأنظار إلى ما يفعله أشبال رابح سعدان، والكل أصبح ينتظر ''الخضر'' ومركزا معهم، وفي كل تنقلاتهم متناسين إلى حد كبير ما يجري محليا• مهدي معمري سليمان كروش رئيس جمعية أحباب شبيبة القبائل ''ظهور المنتخب الوطني فجأة كشف عيوب واقع الكرة المحلية'' يطالب رئيس جمعية أحباب شبيبة القبائل، سليمان كروش، من المسؤولين النهوض بالواقع المر الذي تعيشه كرتنا المحلية، في ظل اتباع البعض طرقا للاستنفاع وتلبية أغراضهم الشخصية• وأبرز في تصريح ل''الفجر'' أنه من حق الجمهور الجزائري الهروب من المدرجات وتعلقه بالمنتخب الوطني، الذي أحيا فيه آمالا جديدة وحقق أحلامه بالوصول إلى المونديال بعد غياب دام قرابة ربع قرن، أما إذا وصل به الأمر إلى مواصلة المقاطعة والهجرة، فيمكن القول أن العيب هنا هو مشكلة كرتنا الجزائرية، التي تعيش الركود، في وقت أن سوء التسيير وسط مسيري الأندية، يعتبر أكبر عائق في وجه أي تقدم قد يحسب لصالح الكرة المحلية• ''الكل أصبح يعيش سيناريوهات مكررة كل أسبوع، في جولات القسم الأول، طبعا لأنه يمثل أعلى المستويات محليا، فهنا نجد أن رئيس الفريق مستاء ويحمّل حكم المقابلة مسؤولية الخسارة، وهناك من يتحجج بالمشاكل المادية، وهكذا دواليك'' قال محدثنا، الذي يرى بأن أفضل حل هو إعادة هيكلة الأندية، وتحويلها إلى شركات ذات أسهم، لأن الفريق ليس ملكا خاصا• في نفس الوقت يجب - حسبه - الإصرار على التكوين، عن طريق إنشاء أكاديميات لتحسين مستوى بطولتنا، إلى جانب تنظيم الأنصار وتشكيل لجان أنصار، تسهر على نبذ العنف والمناداة بالروح الرياضية• وختم كروش ''هجرة الأنصار للمدرجات هي مشكلة الجميع، ويجب معالجتها اليوم قبل الغد''• محمد• م جمال مناد يصرح ''يجب تطوير المستوى المحلي والوقت ملائم للنهوض بكرتنا الوطنية'' قال نجم المنتخب الوطني وهدّافه السابق، جمال مناد، فيما يتعلق بهجرة الأنصار للبطولة الوطنية إن ذلك يتعلق بمتابعتهم الكبيرة ل''الخضر'' وكل ما يتعلق بعناصرنا المحترفة في أوربا، حيث صار المنتخب الوطني حديث العام والخاص حاليا• وأضاف مدرب شبيبة بجاية ل''الفجر''''لقد أبهر منتخبنا الوطني الجميع بأداء لاعبيه القوي والمثير في التصفيات المتعلقة بكأس إفريقيا للأمم والمونديال، وتفوق ''الخضر'' على الجميع بافتكاكهم للتأشيرة الوحيدة للمشاركة في العرس العالمي• ومن البديهي أن تتجه أنظار الجمهور الرياضي صوب لاعبي المنتخب وخاصة منهم المحترفين في أقوى البطولات العالمية، حيث يتابعون جميع أخبارهم ويستفسرون عن كل كبيرة وصغيرة فيما يتعلق بهم، كما أن وسائل الإعلام وفّرت للأنصار كل شيء من أجل البقاء على اطلاع بكل جديد عن محترفينا عكس ما كان منذ ما يقارب السنتين حين كانت جل الصحف تهتم بالأخبار المتعلقة بالبطولة المحلية وأخبار مختلف الأندية الوطنية• كما أن غياب العنصر المحلي عن المنتخب الوطني يؤثر أيضا، ففي أيامنا نحن كان جل لاعبي المنتخب الوطني من المحليين وينشطون في العديد من فرق البطولة وهو ما يدفع بالأنصار إلى التنقل إلى المدرجات والميادين من أجل متابعتهم ومشاهدة فنياتهم في المستطيل الأخضر•