لا أدري لماذا لم أستطع لملمة أفكاري فقد أصباني الدّهول، فأصبحت لا أعي ما أكتب أو أقول حين خرج علينا من يضلّل العِباد، عن عِبادَة ربّ العِباد ب ''فَتوَى جَوازِ بِناء الجِدار''•• فَلَبِئس ما أملَت عَليهِم أنفُسهم•• وقد فعلوا• وأنا أنقل الطّرفَ حَسيرًا في مغزى تلك ''الفتوى''•• تُرَى ماذا وَجَدتُ••؟ صَدّقوني أنّني وَجدتُ فِئةً من البَشرِ تَحتاجُ إلَى استِخدامِ الخَلاءِ أكثرَ من حاجَتِها إلى استَخدامِ العَقلِ والفِكرِ فَتِلك الفئةُ لا تَتَوانى عَن التهريجِ، ومَزجِ الباطِلِ بفُتاتِ الحقِّ، حِين تُسقِط بَعض آي القُرآنِ بما يَخدِمُ هَوى السّلطانِ• فَقد جاءَ في الأثَرِ : ''شَرُّ النّاسِ مَن باعَ دينه بِدُنياه، وأشرّ مِنه مَن باعَ دينهُ بِدنيا غَيرهِ'' وكَذلك بِحُداةِ الهوى•• والهَوَى يا شيخ الأزهر وكيلٌ فاضحٌ، بَينَما العَقل والحكمة والتروّي وزراءُ ناصحونَ••فأيّهما تختار••؟! ولكن يظهر أنه حَصل الاختيار• وليعذرني القارئ إذا قُلتُ له، إنّ أكبر مشكلةٍ في الحياة أن يفقدَ الفقيه كَرامَتَهُ، وعزّتَهُ، وأُنفتَهُ، ويتحوّل إلى شخصٍ صفيقِ الوجهِ وبوقٍ من أبواق الحاكم أو السلطان، بل ''جَعله الحاكم أدارَ عَليهِ رَحى ظُلمهِ، وجعله جِسرًا عَبر عليه إلى شهواته'' فَهَل فَهمَ الطنطاوي الدرسَ؟ أم لا يزالُ في ضَلالهِ القديم؟ وإذا تأمّل الكيّسُ منا، لوجدَ أنّ الفتوى موحية أنَّها مملوءة بالتناقض والخلط، حيث جعلوا بزعمهم من ''تهريب المخدرات'' كَصَكّ غُفران إلى بِناء الجِدارِ الفولاذِيِّ اللّعينِ، وكأنَّ تجويعَ أخوةٍ أشقاءٍ أمرٌ يخضعُ لِما يقوله ويفتي به هؤلاء، أو يُقدّمُوا لنا كلامَ ''المحافظة على أمن دولة مصر''! وكأن أهل غزة غاشم هم من يهَدِّد أمن واستقرار أمن أم الدنيا• لعمري، لهي طريقة المخذولينَ، ومن مشى على نهجهِم من أهل مصر• إنّ لبّ الفتوى يدور حول التنافس على تقديم الولاء لذلك الفرعون الذي حشر ونادى •••لتخدير أهل مصر بهؤلاء ''القُسَس'' و'' الحاخامات'' الطنطاوية ''الأزهرية''•• وهذه هي الطامة الكُبرى• قد يقول لي قائلٌ ••هؤلاء علماء •• وأنّ لحوم العلماء مسمومة•• فليعلم الذي يقول ذلك، أنّ للفقهاء والعُلَماء صورٌ مُشرقة في مجال الزهد والورع والبعد عن الحكام، مع بذل النصيحةِ لهم• كما أّنه لم يكن أهل العلم يبحثون عن شهرة أو مجد أو حظوة لدى النّاس، كيف وكثيرٌ منهم حرقَ كتبهُ وامتنعَ عن التدريس والإفتاء، ومنهم من جلس في بيته وهجر الناس واعتزل•••ومع ذلك كانت راية العلماء هي الخفّاقة، وأطبق النّاس جميعا على الثناء عليهم، والرّضا بهم، والدليل على ذلك هو جنائزهم التي كان يخرج فيها عدد مهول من النّاس، لا يرجون مالا ولا منفعة أو يُصانعون أحداً •• فهل أن الطنطاوي من هؤلاء؟ يحضرني في هذا المقام، ما قاله شيخ معرة النعمان أبو العلاء المعري عن العلماء إذا كانَ علمُ النّاسِ لَيس بِنافِعٍ ولا دافِعِ ، فالخُسرُ للعُلَماءِ قضى اللهُ فينا بالذي هُوَ كائِنٌ فَتَمّ، وضاعَت حِكمةُ الحكماءِ هؤلاء، ومن سار في درب الطنطاوي، والذين لا يُمكنهم إلاّ نشر ''فتاويهم'' إلا بعد أن يكذبوا ويفتروا، ليلبّسوا على النّاس، كما أنّهم على استعدادٍ لصياغةِ أغرب أنواع الكذب، وأقذر صور الافتراء على دين الإسلام، لا لشيءٍ سِوى لِينالوا رضى الفرعون وتشتهر ألقابهم ومناصبهم•• وأنّ شرفاء مصر ليشفقون لحال هؤلاء المُنتكسين، والذين لم يجنوا من انتكاستهم إلا الفضيحة والعار، فلا هم بالذين ثَبتوا على ديانتهم وستروا سوءة جهلهم بعمل وظاهر صالح، ولا هم بمن نالوا احترام وتقدير الناس، بل راوَحوا في أماكنِهم جهلاً، وتزيّدوا بالكذبِ والإفكِ ، وأخذوا يُقرّرونَ ويُشرّعونَ جواز بناء الجِدار''، ويحثّونَ النّاس على قُبول ذلك، بل يقومون ب ''تَأثيمِ'' ''الذين يعارضون ذلك يخالفون ما أقرّته شريعة الإسلام''•• عجبا فبَعدَ هَذا، فهل هناك قول؟ فهل لي أن أقول لشيخ الأزهر ما قاله الشاعر العَربيّ الفَحل: إنّ العفيفَ إذا استَعانَ بخائنٍ كانَ العفيفُ شَريكَهُ في المَأثَمِ هذا إن كان الطنطاوي عفيفاً حقا•