كان مصطفى بن لوصيف أول لواء في الجيش الوطني الشعبي ينال شرف هذه الرتبة قبل غيره من الضباط أقرانه وسابقيه، لأنه كان ببساطة أحد أبرز شبيبة جيش التحرير الوطني الذي ترك مقاعد الثانوية والتحق بصفوف المجاهدين وعمره لا يتجاوز ستة عشر ربيعا! لهذا كانت رتبته اللوائية وبالا عليه·· ووصل هذا الوبال إلى حد سجنه! كان رحمه اللّه يقول ''أنا خجول من نفسي لأنني حملت رتبة عسكرية أعلى من رتبة بن بوالعيد وبومدين!'' وهو الذي شغل منصب كاتب خاص للثلاثي في قيادة الأركان، بومدين وفايد أحمد وعلي منجلي رفقة عبد الحميد براهيمي· اتهم مصطفى ظلما بأنه كان وراء تفضيل الشاذلي بن جديد لتولي رئاسة الجمهورية خلفا للمرحوم بومدين في ,.1979 وأنه ساهم في إبعاد يحياوي وبوتفليقة من الرئاسة·· لكن الحقيقة خلاف ذلك، فقد قال لي ذات يوم بمرارة: إنه كعسكري لم يكن يهتم بمن يتولى الرئاسة، بل كان يهمه من يصون الأمانة ويحفظ الوديعة ويقود الأمة، ويحفظ وحدة الجيش وتماسكه، وأن بومدين هو الذي اختار الشاذلي كمنسق للجيش·· وبالتالي اختاره لخلافته·· وما حدث بعد ذلك كان مجرد ترتيبات! الجميع يتذكرون تلك المناوشات الكلامية التي حصلت بين بن لوصيف وعلي بن محمد في اللجنة المركزية في 1981 وتحت رئاسة الشاذلي عندما سعى بعضهم إلى إبعاد يحياوي من الحزب وإعادة مساعدية إلى الحزب·· لكن لا أحد يعرف أن المجاهد يحياوي هو الذي انتفض لنصرة سي مصطفى عندما أهين وسجن·· فاتصل يحياوي مشكورا بالرئيس زروال ليخبره بأن أول لواء في الجيش يتعرض إلى إهانة مذلة، ليس لأنه أساء إلى رتبته، بل لأنه مجاهد وأرادوا إذلاله لمواقفه، وانتفض الرئيس زروال بدوره، وقام بإخراجه أولا من السجن إلى المستشفى ثم بعد ذلك أطلق سراحه! من العجيب فعلا أن سي مصطفى قال لي: إن هناك ثلاثة أسباب حقيقية لسجنه وليس الأسباب المعلنة أمام العدالة· لقد قابلته في بيته رحمه اللّه 24 ساعة قبل سجنه في البليدة فقال لي ''الملف الحقيقي الذي سأمثل به أمام محكمة البليدة غدا هو: أولا: أنني رفضت شراء أنظمة الرادارات للجيش الوطني الشعبي من فرنسا، لأن ذلك يضع أمن البلاد في مجالات الرادار تحت رحمة الأنظمة الفرنسية القريبة منها·· وهذا فيه خطر على أمن البلد· ثانيا: رفضت مرور القوات الفرنسية عبر مطار بوفاريك إلى تشاد حيث تجري المعارك بين الأشقاء في ليبيا والامتداد الفرنسي في تشاد·· وكانت حجتي أننا لا نريد أن نورط بلدنا في نزاع مع دولة جارة وأخرى صديقة·· وأن الجارة ليبيا تربطنا بها معاهدة للدفاع المشترك أبرمها بومدين مع القذافي في حاسي مسعود·· زيادة على اعتبارات أخرى· ثالثا: رفضت مرور الطائرة الخاصة لوزير الدفاع الفرنسي فوق تندوف في رحلة له بين السينغال وفرنسا·· وقلت للفرنسيين منطقة تندوف منطقة عسكرية حساسة ولا يمكن لأي كان السماح له بالتحليق فوق هذه المنطقة· وفتحت له مطار بوفاريك أو الدارالبيضاء إذا أراد المرور على الجزائر·· ولكنه رفض لاعتبارات لا نعرفها!· رابعا: كل هذا تصادف مع أطماع خاصة لبعض خصومي في المؤسسة للانتقام مني·· ووصل الأمر إلى حد أخذ الفيلا التي أسكنها في الأبيار·· وما حكاية تقرير الجنرالات الأربعة الذي حركت على أساسه الدعوى القضائية إلا حجة واهية!'' الغريب في كل هذا أن الدولة أصدرت العفو الكامل على من أسس ''الجيا'' والجيش الإسلامي للإنقاذ·· ولكنها لم تعف عن أول مجاهد نال رتبة لواء في الجيش الوطني الشعبي؟! وعائلة قد تطرد من السكن بعد أن رحل الراحل إلى دار الحق·· إنها المفارقات!