استرجعت الأكلات الشعبية التقليدية مكانتها عند الأسر التندوفية بعد أن استغنى عنها سكان المدينة إلى وقت ليس ببعيد، عكس سكان البادية الذين لا يجدون بديلا آخر عن الأكلات الشعبية التي تغيب فيها كل أنواع التوابل والخضروات، والملاحظ أن اتجاه أغلبية السكان أصبح نحو الأكلات والأطباق الشعبية غير المكلفة، خاصة بعد ارتفاع أسعار الخضر والفواكه بالأسواق المحلية التقت ''الفجر'' ببعض المهتمين بالطبخ الشعبي التقليدي في ولاية تندوف الذي لا يكون، حسبهم، على غاز البوتان بقدر ما يكون على نار موقدة بحطب الجداري، حيث يتم تخصيص ميزانية خاصة لاقتناء ''الفاخر'' المعروف لدى سكان تندوف ب'' الجمر'' الذي يتم الحصول عليه من خلال حرق شجر الطلح· وبخصوص اختيار الطبق التقليدي لدى أهل المنطقة، والذي أصبح ميزة أساسية ومظهرا للعيش خلال هذه الأيام، زارت ''الفجر'' بعض العائلات وحضرت عملية تحضير طبق تقليدي محلي لا يكلف سوى بضعة الدينارات سنأتي إلى تحديد قيمتها بعد أن نعطي فكرة عن مكونات الطبق التقليدي الشعبي بتندوف· وتتكون المائدة التقليدية القديمة والحاضرة بحكم تدنّي القدرة الشرائية للعديد من الأسر والعائلات، من أكلة شائعة تعرف باسم البلغمان أو العصيدة، يصنع من الشعير بعد أن يُطحن بالطّاحونة الحجرية التقليدية إلى دقيق، يدعى دقيق المقلي، ويضاف إلى البلغمان الدهن الحر، ويفضّل أن يكون دهن الغنم، ويعتبر البلغمان الأكلة الأكثر شيوعا لاسيما في زمن البرد· وبعد تناوله يتم تحضير ''الكندرة''، وهي على شاكلة الشاي لكنها بالحليب وتُطهى على الجمر، ولا يخلو بيت في هذا الوقت بالذات من تناولها كونها - حسب بعض السّكان - تمنح الدفء· ويأتي الطاجين في المرتبة الثانية ضمن أطباق الفئات ميسورة الحال، وهو يتكوّن من لحم الإبل وأحيانا الكبد، ويعرف هدا الطبق ب ''بنافة''، إضافة إلى خبز الملّة التي تدفن في التراب الساخن ويتمّ دهنها بالسمن الطبيعي المعروف باسم ''الدهان''· أما بالنّسبة لكبار السن والمرضى والعجزة، فإنّ الأكلة المفضلة لديهم فهي أكلة ''التشطّار''، وهو اللحم اليابس المرفوس بدهن الماعز، ويعتبر دواء تقليديا للشيخوخة، ونذكر أيضا ''لقلية'' وهي الشعير المسخن والمغلي يتم أكلها مباشرة، ويقال أنها تنفع لمرض المعدة· وأصبحت أكلة ''لقلية'' تتصدّر موائد أغلبية السكان كونها غير مكلفة من جهة، وفوائدها الطبية الكثيرة من جهة أخرى· وفي نفس السياق، اقتربت ''الفجر'' من بعض السكّان وحاورتهم حول أشهر الأطباق التقليدية التي بدأت تعزو الموائد التندوفية هذه الأيام في ظل غلاء أسعار الخضر والفواكه، واستبدلها أغلب الناس بمواد غذائية تقليدية كمادة ''النشا''، أو ما يعرف باسم الحسا أو الحريرة لدى سكان المدن· ويشكل ''النشا'' المصنوع من القمح والشعير الخالي من التوابل والحشائش غذاء رئيسيا لاسيما بالنسبة للنساء، كما يستعمل حسب إحدى النّساء المختصات في الطّبخ الشعبي لزيادة وزن الفتيات النحيفات، أي ما يسميه سكان المنطقة ب ''التبلاح''، ويتم استعمال ''الودك'' أو ''السنمان'' وهو شحم الإبل· وتكثر ظاهرة ''التبلاح'' عادة عند سكان البادية الذين يفضلون المرأة السمينة عن النحيلة وتراهم ينشغلون فقط بتغذية الفتيات بالطرق التقليدية، بينما يركّز سكان المدن على الأغذية التقليدية لاسيما اللحم، حيث يفضل سكان تندوف لحم الإبل عن غيره من اللحوم الأخرى· ويحتل لحم الدجاج مرتبة سفلى وفي آخر اهتمامات السكان باعتبار أكله يسبب، حسب اعتقادهم، ''اوراغ''، وهو مرض شعبي ينتج عن تناول الحلويات واللحوم البيضاء· وسيطرت الأطباق الشعبية على الموائد بتندوف، حيث أصبح أكلة ''خبز الشحمة'' مكانة أساسية وغير مكلفة، إذ لا يتطلب تحضيرها سوى بعضا من الشحم والبصل والتوابل ، إضافة إلى أكلة ''خبز الملة'' المدفونة في التراب وهي الأكلة الأكثر شعبية، حيث تقدم للضيوف لاسيما في البادية، ولا يتطلب طهيها سوى ترابا ساخنا وبعض الدقائق· وعموما فالملاحظ اليوم على المائدة التندوفية اقتصارها على الأكلات الشعبية القديمة التي عادت بقوة بعد هجرها الذي دام سنوات طوالا، ولعلّ عودتها يعود لغلاء الخضر التي لم يعد المواطن قادرا على تزيين مائدته بها، فتراه يختار أكلات شعبية أكثر فائدة وصحة عن غيرها من الأكلات المطهية على غاز البوتان·