ترتمي بلدية شطايبي في عنابة وسط طبيعة عذراء يحتضنها البحر، والغابات الخضراء الممتدة عبر سلسلة الإيدوغ، تتوفرعلى إمكانيات سياحية هائلة، أهلت المنطقة لأن تكون أرقى واجهة سياحية في العالم.. عانت في السنوات الأخيرة كثيرا من همجية الإرهاب وهي الآن منطقة غارقة في صمت وعزلة منقطعة عن العالم الخارجي ومتخلفة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا بعشرات السنين. المنطقة عبارة عن جيب معزول عن عنابة، وللوصول إليها لابد من قطع أكثر من 65 كلم عبر بلديتي برحال والتريعات، أما غربا فتحدها بلدية المرسى بولاية سكيكدة وشرقا مناطق سرايدي ووادي العنب. أول الصعوبات التي واجهناها خلال إعداد هذا التحقيق كان انعدام وسائل النقل من وإلى شطايبي، واضطررنا بعد انتظار أكثر من ثلاث ساعات إلى الاستنجاد بحافلة صغيرة، اقتربنا من صاحبها الذي طلب سعرا مرتفعا. وبعد مسيرنا عرفنا سبب ذلك، فالطريق المؤدي بدأت تظهر فيه مطبات خطيرة، وسط تضاريس وعرة وغابات كثيفة باتجاه قرى العزلة والصقع والزاوية. وعند وصولك إلى بلدية شطايبي تدرك مباشرة أنها منطقة فلاحية بسبب الأراضي والحقول المحيطة بها، بالإضافة إلى قطعان الماشية والأبقار المنتشرة هنا وهناك. ويبقى هذان النشاطان مصدر الرزق الوحيد لسكان المنطقة، فالمحظوظون يملكون أراضيهم وحيواناتهم الخاصة، أما البقية فما عليهم سوى العمل لدى الغير مقابل دنانير قليلة لا تكفي شابا أعزب فما بالك بعائلة مكونة من 6 أفراد. قولوا للحكومة إننا أحياء أموات قال لنا أحد المواطنين ونحن ندخل قرى شطايبي، عندما استوقفناهم للحديث عن عزلة المنطقة: ”قولوا للحكومة إننا أحياء أموات، ضائعون، حتى منحة التقاعد نحصل عليها بشق الأنفس لندرة السيولة النقدية، وإن وجدت بمراكز البريد فإنها توزع بطرق غير معروفة”. وعن سوء الأحوال الجوية تظل أغلب العائلات لعشرات الأيام مقطوعة عن العالم الخارجي، بلا مؤونة ولا دواء، لغياب النقل وانقطاع الطرقات بمجرد سقوط الأمطار. ويقول آخرون: ”ما جدوى وجود طبيبة بالمركز الصحي دون وجود الدواء ولا الإمكانيات اللازمة للنساء الحوامل، فالنساء في شطايبي ما زلن يضعن مواليدهن في البيوت وفي ظروف قاسية كثيرا ما كانت سببا في وفاتهن مع مواليدهن”. وأشار هؤلاء السكان بأنهم كانوا وما زالوا حماة للمنطقة عندما جعل منها الإرهاب معبرا، وجعلت منها العصابات مكانها المفضل، ولكن جزاءهم كان التهميش منذ الاستقلال إلى اليوم. وتابع داودي، الذي أكد أن أغلب الأموال توجه لتهيئة الطرقات والتحسين الحضري والتطهير، وكذلك تعبيد وتبليط الأرصفة المحاذية لشاطئ شطايبي، ناهيك عن ربط بعض الأحياء، منها الصقع، بالإنارة العمومية وتوفير الكهرباء بالمناطق الجبلية النائية. ليضيف ذات المتحدث أن التغطية بالكهرباء بلغت نحو 98? لكن يبقى هاجس الانقطاعات المتكررة لمياه الشرب خاصة في فصل الصيف. كما أن النقل من أكثر الانشغالات التي لم تجد طريقها إلى الحل، حيث تتوفر البلدية على 12حافلة نقل و20 سيارة أجرة، لكن هذه الوسائل لا تعمل وفق برنامج منظم، بل تنشط خارج خطوط أخرى لا تخدم سكان شطايبي. ومع ارتفاع عدد السكان بهذا الدوار الكبير، استفحلت ظاهرة النقل بالسيارات النفعية من نوع ”404 باشي” وما يطلق عليها في أوساط المواطنين ب”الباشيات”، حيث أصبحت هذه الأخيرة بمثابة الحل الوحيد بالنسبة لهم باعتبارها الوسائل القادرة على اجتياز المسالك الوعرة، وهي الوسيلة التي أصبحوا يستنجدون بها أثناء التنقل للتموين بمختلف المواد الأساسية. واشتكى السكان من التدهور الكبير الذي شهده الطريق الذي يربط البهلول بشطايبي على مسافة 7 كلم والذي يستعملونه في تنقلاتهم ويربطهم بقراهم. وكانت مصالح البلدية قد اقترحت على الجهات المعنية، في سياق فك العزلة عن هذا الدوار، تسجيل مشروع تهيئة طريق البهلول قصد اختزال المسافة التي لا تتجاوز السبعة كيلومترات وربط السكان ببلديتهم، خاصة إثر الانتعاش الذي شهدته هذه الأخيرة مؤخرا بعد إعادة بعث السوق الأسبوعي الذي كان قد توقف عن النشاط خلال العشرية السوداء. 90 % من الشباب بطالون في غياب إحصائيات رسمية قدر رئيس البلدية عدد سكان شطايبي بأكثر من 8 آلاف نسمة، يمثل الشباب منهم حوالي 90?. وما توصلنا إليه بعد هذا التحقيق، أن كل هؤلاء يعانون البطالة، حيث لم يصادفنا ولا شاب واحد يملك منصب عمل قارا ودائما، والأشخاص الذين يملكون هذه المناصب هم أرباب عائلات وأغلبهم من خارج البلدية، على غرار المعلمين، الأطباء، الممرضين وحتى المير، علما أنه من مدينة عنابة. الفقر الذي يعيشه سكان شطايبي أثر على كل شيء بدءا بصحتهم ووصولا إلى المستوى الثقافي. فإذا كان الكهول والشيوخ أغلبهم أميون، فإن مصير أطفالهم لا يختلف كثيرا عنهم، فالأغلبية لهم مستوى الابتدائي والمحظوظون يبلغون المستوى المتوسط، والأكثر حظا يدخلون الثانوية، أما شهادة البكالوريا فهي من المعجزات. ولا يوجد أثر للكتب، وحتى الجرائد لا تصل طوال السنة، والجميع غير مكترث لها سواء وصلت أم لم تصل، لأنه لا يوجد قراء. فمن أطرف ما توصلنا إليه في هذا التحقيق، أن الجرائد لم يسبق أن دخلت شطايبي، وهي تجلب من برحال الواقعة على بعد حوالي 25 كلم. وحسب المير، فإنه من النادر جدا أن تطأ أقدام الصحافة هذا المكان المعزول عن العالم. وبلغة الأرقام، فإن عدد المستفيدين من مناصب غير قارة 20 شابا بالغابات و500 عقد إدماج مهني وزعت على بعض العاطلين. أما بالشبكة الاجتماعية فلا تتعدى 200 عقد. الثانوية والغاز الطبيعي المشروعان الحلم من بين الإنجازات التي يفتخر بها المسؤولون المحليون، مشروع بناء ثانوية الذي تمت دراسته خلال السنة الماضية، لكنه لازال متوقفا، ومشروع ربط البلدية بالغاز الطبعي الذي طرح على الوالي خلال دورة المجلس الولائي العادية لسنة 2010، ويبقى المشروعان حلما يراود السكان. وخلال حديثنا لرئيس البلدية السيد صالح داودي، أكد أنه تم توفير 6 حافلات نقل مدرسي، فيما يبقى النقل إلى ثانوية برحال حلم التلاميذ، لأنهم يضطرون لدفع مبلغ 20 دج مرتين في اليوم للوصول إلى الثانوية. وقد علمنا أن الكثير من العائلات اضطرت إلى توقيف أبنائها عن الدراسة لعدم قدرتها على تحمل تكاليف النقل. ولعل أغرب ما سمعناه في شطايبي أن تلاميذها لا يحلمون سوى بمجانية النقل لمواصلة دراستهم. ومن بين المرافق القليلة الموجودة في شطايبي، ملحقة بمركز التكوين المهني والتمهين تمنح للشباب فرصة نيل شهادات في البناء والفلاحة بالنسبة للذكور، والخياطة والحلاقة بالنسبة للإناث. لكن هذه الشهادات لم تغير شيئا في مصير هؤلاء الذين ينضمون بعد الحصول عليها إلى قائمة البطالين في غياب مناصب شغل. ولعل النقطة الإيجابية التي صادفناها في زيارتنا لشطايبي، هي الوحدة الصحية، لكن يبقى نقص بعض الخدمات مسجلا خاصة مع غياب المناوبة ليلا. أما عن الأمراض المنتشرة بشطايبي، فتتمثل في أمراض الجهاز التنفسي التي تسببها رطوبة المنازل بالإضافة إلى كثرة عدد المصابين بضغط الدم، والسبب حسب إحدى الممرضات يعود إلى سوء التغذية وحالات القلق المنتشرة في أوساط الشيوخ، الكهول والشباب وحتى الأطفال، نظرا للظروف العصيبة التي يعيشونها. والغريب في الأمر أن أجهزة البارابول لازالت لم تدخل قاموس السكان، فعدد قليل من هؤلاء يملكونها. العائلات كثيرة والسكنات قليلة مشروع السكن في شطايبي أعجوبة قائمة بذاتها، كل من يطلب أن تعطى له وثيقة للبناء تبادره الجهات المعنية بضرورة استظهار عقود الملكية التعجيزية في الشروط، لأن شطايبي تعاني من ضعف في الوعاء العقاري. وحسب إحصائيات البلدية، فإن هناك 200 مسكن بأحياء البلدية دون عقود الملكية. من جهته، حاول المير تسوية هذا الملف العالق لمدة سنوات، رغم أن تسوية العقار أصبحت أكثر من ضرورة لإعادة التوازن للبلدية، ثم القضاء على 170 وحدة سكنية هشة أغلبها بنايات مهترئة، بالإضافة إلى الأكواخ القصديرية الموزعة على مشاتي البلدية. وحسب المير فإن أزمة السكن تظل قائمة، وهي من المشاكل التي تتخبط فيها السلطات المحلية والمواطنون على حد سواء، من مجموع 5000 طلب سكن لم يستفد سوى 110 مواطن في إطار السكن التساهمي. فقد كان نصيب البلدية 40 وحدة سكنية بمقر البلدية و84 وحدة أخرى بحي بو?طوس بالإضافة إلى 36 وحدة أخرى بمشتة الصقع. ومن المنتظر أن تستفيد البلدية من سكنات أخرى خلال السنة الجارية. الحنين إلى الأرض ظلت شطايبي إلى سنة 2000 تكابد وتصارع ويلات الإرهاب وجغرافيا المنطقة المعزولة التي شردت الناس، وأصبحت قراها منذ فترة عبارة عن صور راسخة في الذاكرة تصنع عطاء الحنين والحب للأرض. فأغلب الفلاحين غير قادرين على زيارة المشاتي التي هجروها، فهم يعيشون على ذكريات من حول شطايبي من قطعة من الجنان العامرة إلى جيب معزول يصرخ عما تبقى من حصاد الحياة به. فلاحة في نقطة الصفر تشكل الأراضي الفلاحية 50? من مساحة بلدية شطايبي، ومع ذلك يبقى هذا النشاط في مرتبة أدنى من طموحات السكان وسخاء أراضيهم الخاصة، وذلك أن الفلاحة تعتمد على وسائل بدائية، وحتى برامج الدعم الفلاحي انتهت بتجميد عشرات الهكتارات، لتفقد بذلك شطايبي سمعتها الفلاحية خاصة بعد مرور الجماعات الإرهابية عليها حيث استغلوا المساحات الفلاحية كنقطة عبور وتسلل لجبال القل وسكيكدة. ومنذ ذلك الوقت تحولت شطايبي إلى منطقة رعوية بنسبة 80?، فيما تبقى المساحة المخصصة للزراعة ضئيلة ويوجد أغلبها في قرية العزلة، حيث تستغل أراضيها في منتوج الطماطم والدلاع. وساهم الطابع الغابي لمنطقة شطايبي في تعزيز الثروة الحيوانية، حيث تتوفر على نحو 6 آلاف رأس، منها ألفا رأس من البقر والبقية أغنام. فيما يشتغل بعض الفلاحين في تربية النحل وخدمة الأرض وجمع الزيتون وتجميع الحليب. لكن يبقى المشكل القائم هو انعدام المعاصر التقليدية المخصصة لعصر الزيتون، بالإضافة إلى غياب نقاط تجميع الحليب الذي يباع بطريقة عشوائية. الإرهاب يغيّب أثر السياحة بشطايبي تكتنز شطايبي إمكانيات ومواد طبيعية هامة ومناظر خلابة، وقد نبالغ إن قلنا أن هذه الجنة، لمن لا يعرفها، صورة مصغرة عن مدينة البندقية الملقبة بمدينة الحب، أو هي قطعة مشتقة من مدينة ريو البرازيلية لجمال شواطئها وتنوع خلجانها، فالخليج الغربي يصنف الأول عالميا منذ 6 سنوات. إلا أن ذلك لم يشفع لمنطقة ”تكوش” الجميلة التملص من المشاكل، خاصة أمام غياب المرافق والخدمات السياحية. وبعيدًا عن الرومانسية والجمال، تبقى مدينة شطايبي جزائرية بمشاكلها. ومن سمع رئيس البلدية يتكلم عن شح الموارد يخيل له أنه سمع كلامًا عن مدينة صومالية، رغم محاولة المسؤولين تخصيص ميزانية البلدية لتحسين إطارها السياحي. وحسب المير فإن السمعة السياحية التي تتمتع بها مدينة شطايبي خاصة شواطئها المميزة والمنفردة لا تعدو أن تكون كالشجرة الصغيرة التي تغطي غابة كبيرة. وهذا أمام إهمال وزارة السياحة لهذه الجنة، حيث يقتطع رئيس البلدية من الميزانية الموجهة لبرامج التنمية مبلغا كبيرا يوجه إلى تهيئة الشواطئ وتبليط الأرصفة والكورنيش. فيما تبقى الحفر وأشغال الترميم البسيطة تتحمل عبئها ميزانية البلدية. وفي سياق آخر، أشار السيد صالح داودي إلى أن شطايبي في فصل الصيف تتحول إلى منتجع سياحي يتوافد عليه الكثير من السواح والزوار، خاصة بعد استتباب الأمن وتمركز مصالح الأمن والجيش في أعالي الجبال والغابات المحاذية للمنطقة التي طمس اسمها الإرهاب من قاموس التنمية، وكان له أثر كبير في القضاء على طموحات شطايبي في الجانب السياحي، حيث أصبح عدد الوافدين قليلا ولا يتعدى ال6 آلاف سائح مقارنة بالسنوات الماضية. وما زاد من معاناة هذه البلدية، غياب الشاليهات والمخيمات الخاصة بالسواح، حيث تستغل العائلات فرصة كراء شققها للزوار، حيث يتم تأجير الغرفة الواحدة عشرات المرات في اليوم الواحد. فيما تبقى زاوية سيدي عكاشة مركز إشعاع ديني يجتمع فيه الأهالي للتبرك والتمتع بجمال الطبيعة التي تنفرد بقوة إشراقة الشمس وغروبها عند المغيب. المراهنة على نشاط الصيد البحري لتغطية العجز يراهن المجلس الشعبي البلدي بشطايبي على فتح الاستثمار في قطاع الصيد البحري للنهوض بواقع التنمية المحلية بالمنطقة، أي وجود مؤهلات وإمكانيات ضخمة تجمع بين التنوع في الأسماك وتهيئة الميناء وتوسيع مجال الاستثمار فيه، خاصة بتوفير شاطئ للرسو وقوارب ذات طاقة استيعاب كبيرة، ناهيك عن إمكانيات أخرى مثل شاحنات لنقل المنتوج إلى سوق مدينة عنابة، بالإضافة إلى كميات الثلج لحفظ الأسماك من التلف. لكن ما يشكو منه بعض الصيادين هو غياب برامج تعزز قطاع الصيد البحري بشطايبي للمساهمة في رفع معدل الإنتاج المحلي، خاصة أن هذه المنطقة تحتل الصدارة بالولاية في إنتاج السمك. لكن يبقى عائق تحويل هذه المادة إلى الأسواق المجاورة هاجسا يؤرق أغلب المهنيين خاصة في فصل الصيف. والجدير بالذكر أن وزارة الصيد البحري برمجت مشروع إنجاز ميناء بشطايبي، وهو مشروع يعول عليه السكان كثيرا للقضاء على الفقر والبطالة وتغيير الوجه القائم للبلدية. للإشارة، فإن ميناء شطايبي يتوفر على 150 قارب صيد. وحسب المير فقد تم تخصيص أكثر من مليار سنتيم لإنجاز غرف للصيادين لحفظ الشباك وبعض المواد الأخرى من التلف. وعليه، فإنه أمام غياب برامج الاستثمار، تبقى شطايبي خارج مجال التغطية، خاصة أنها صنفت من طرف وزارة الداخلية خلال 9 سنوات الأفقر على المستوى الوطني.