لم أكترث من قبل لما كان يقوله فرحات مهني، ولم يقلقني أبدا مطلب الحكم الذاتي الذي كان يروج له، ويدافع عنه بجرأة كلما حطت قدماه التراب الفرنسي والمغربي، لكن هذه المرة تجرأ الرجل وتقدم خطوة نحو المجهول، وها أنا أشم رائحة قذرة، رائحة لا تقل قذارة عن تلك التي كنا نشمها بداية التسعينيات لما بدأ سرطان الإرهاب يتربص بالجزائر، ثم لم أفهم لماذا تزامن هذا الإعلان مع الكتاب الذي نشره الدكتور سعيد سعدي حول عميروش واتهم من خلاله أسماء باغتيال الرجل؟ هل الأمر يتعلق فقط بالاحتفال بذكرى الربيع الأمازيغي، أم هناك نية ما لإعادة الجزائر إلى ما كانت عليه منذ سنوات قليلة، إلى شلال الدم الذي تدفق بغزارة في مدننا وقرانا، وإن كنت لا أسيء النية بزعيم الأرسيدي، الذي واجه كغيره من أحرار هذا الوطن الجنون الأصولي، لكن بعض فصول الكتاب الذي لم أنته بعد من قراءته، ستصب حتما الزيت على النار، لأن الرجل يتهم شخصيات تاريخية بالتآمر على شخصيات أمازيغية، مثل عبان رمضان وعميروش. لا أريد الخوض في تفاصيل الكتاب، فوحدهم من عاشوا الثورة وعايشوا عميروش، من حقهم، بل من واجبهم التاريخي والوطني الرد على الاتهامات التي جاءت في الكتاب، لأن ما يفهم من كتاب سعدي أن هؤلاء تمت تصفيتهم لأنهم كانوا الأذكى والأشطر، وكان الحكم سيكون من حقهم بعد الاستقلال، لأنهم كانوا الأفضل. لا أشكك في وطنية عميروش وفي شجاعته وذكائه، وتأثرت أيما تأثر وأنا أقرأ عذاب الطفولة ومرارة اليتم، فعميروش، هذا الاسم العظيم، طبع طفولتي، فقد كانت المرحومة أمي تردد دائما أغنية ثورية لازلت أحفظها حتى اليوم، تقول: "يا سي عميروش، الغرادات ثلاثة، والستيلو في يده يجرد في الخباثة"، وتعني أن عميروش صاحب الثلاث رتب، يمسك القلم بيده ويسجل الخونة، هذا عميروش الذي عرفناه، وكنت أعتقد أنه ملكنا جميعا كجزائريين، وليس ملك منطقة معينة، وخسارته هي خسارتنا كلنا كشعب ووطن، كان يحتاج إلى كل سواعد أبنائه لتبنيه. لا أدري، هل نحن مقبلون على أحداث قذرة يزج من خلالها بمنطقة القبائل إلى مصير مشؤوم، كتلك التي عرفتها في السنوات القليلة الماضية، أين توقفت الحياة بها، لأن شلة من الشباب يسمون أنفسهم العروش رهنوا بين أيديهم حياة سكانها.. لا أدري، لكني أشم رائحة بارود ودم في الأفق، ويا ساتر يا رب..