دون أي بصمة لكوني على يقين تام بكونه الإعلامي العربي الأول الذي حفظناه وشد انتباهنا منذ ما يزيد عن عشر سنوات وأكثر، وسأكتفي بنقل محبته العميقة للجزائر والشعب الجزائري.. على أن يكون لقاؤه بكم في أقرب فرصة.. بشغفه وهدوئه.. كهدوء المقهى الذي جمعه مع ''الفجر الثقافي'' بأكثر شوارع بيروت شهرةً.. شارع ''الحمرا''.. المتابع لمسارك الإعلامي وإطلالتك البهية على المشاهد العربي من خلال برنامجك الشهير''خليك بالبيت''، يلاحظ أن البرنامج يعمل على تكريس المكرس إعلامياً، بمعنى أن أغلب ضيوفك؛ مكرسون في أكثر من منبر إعلامي، على عكس البرامج التي تعنى بالثقافة الغربية التي تسعى دائماً إلى خلق مبدع جديد وفتح فضاءاتها التلفزيونية له. ألم تكن تخشى أن يصاب برنامجك بالفشل بسبب هذا التكريس؟. طبيعة برنامج''خليك بالبيت''، منذ أن كان فكرة فيها، جانب تكريمي أكثر منه جانب للحديث عن التجربة الإبداعية، من خلال الضيوف الذين يملكون تجارب الريادة في عالمنا العربي لسنوات طويلة، لم تكن أمامهم فرصة سابقاً ليسلط عليهم الضوء بذلك العمق الذي عملنا به في البرنامج. وبالعودة إلى أول حلقة من البرنامج وبالتحديد عام1996 حاولنا أن نصنع تميزنا من البداية، فكانت افتتاحية البرنامج مع المبدع سعد الله ونوس، ثم مع جواد الأسدي ثم سلام الراشدي. أما على المستوى الفني، فنجد نور الهدى، عادل إمام. ونفس الشيء على المستوى السياسي استضفنا الشهيد رفيق الحريري، حسن نصر الله، فيصل الحسيني. أما المستوى الشعري فكان ادونيس ومحمود درويش وغيرهم من المبدعين. وبالنظر إلى هذه الأسماء تظهر سياسية البرنامج الذي يتوجه إلى هذه الشريحة دون غيرها. لكن دعيني أخبرك أننا في السنوات الأخيرة، أصبحنا أكثر انفتاحا على التجارب الشابة لا أستطيع أن أقول إنها جديدة جدا، لكننا يمكن أن نصنفها ضمن جيل الوسط.. مثلاً، لذلك استضفنا نوري الجراح، ثم الشاعرة والإعلامية سهام الشعشاع قبل أشهر، ونفس الشيء على المستوى الفني كان هناك انفتاح على تجارب جديدة مثل ورد الخال، ديانا حداد. وعلى هذا المنوال استضفنا العديد من التجارب التي ربما تندرج ضمن الجيل الجديد. ألا تعتقد بأن أغلب هذه الأسماء التي وضعتها بين قوسين في دائرة الجيل الوسط، هي في الأساس أسماء قوية ورائدة في المشهد الإعلامي العربي حالياً ومكرس بنسبة تفوق ال60%، وأكثر ربما؟ صحيح.. أوافقك الرأي لكن نحن في''خليك بالبيت''، بدأنا على طبيعة وسياسة محددة منذ البداية ظلت كذلك، غير أننا أصبحنا اليوم أكثر انفتاحا على الأجيال الجديدة.. على مدار السنوات ال14 الماضية من عمر البرنامج لم يكن المقصود فيها أن نعمل على تكريس المكرس من الأسماء الفاعلة في الوسط السياسي والاجتماعي والثقافي والأدبي، بل كان المقصود فتح نافذة لهؤلاء المبدعين في الشاشة التلفزيونية التي - للأسف - لا تخصص حيزا واسعا للإبداع الحقيقي، من خلال تبنّيها للفكر الإستهلاكي، لكن هذا لا يمنع أيضا من أخذ ملاحظتك بعين الاعتبار ومحاولة البحث أكثر عن تجارب مبدعة.. ما يمكنني قوله هو أن برنامج ''خليك بالبيت''، قدم لحد اليوم تقريبا 700 حلقة أي حوالي 700 شخصية فاعلة في عالمنا العربي. عذرا لكن سؤالي لم يكن يعني أن أوجه انتقادي للبرنامج، بل هي وجهة نظر، لاحظتها كما لاحظها المشاهد العربي الذي يشاهد برنامجك بكثرة منذ أولى إطلالاتك على شاشة المستقبل؟ لا.. لا على العكس، أنا أوافقك تماما على جزء مما ذهبت إليه في ملاحظتك ولكن ما أريد أن أقوله هو إن برنامج ''خليك بالبيت''، قدم لحد الآن حوالي 700 حلقة. فبالتأكيد العالم العربي فيه 70 ألف مبدع وتجربة إبداعية تستحق أن نلتفت لها، ولكن أنا أتمنى أن تكثر مثل هذه المساحات الإعلامية الثقافية المشابهة لخليك بالبيت أو أفكار جديدة، طبعا هناك برامج أخرى مشابهة في بعض المحطات العربية لكن أنا أتمنى أن يكون هناك توازن أو تساوي بين المادة الإستهلاكية الترفيهية التي تقدم وبين ما يقدم من مادة ثقافية في كل فضاء إعلامي عربي، وأنا ما أقدمه في برنامجي هو دمج ومزج بين الترفيه والمعرفة، وأعتقد أن هذا المزج يساهم أكثر في إيصال المادة التعريفية بدل أن تكون مادة فقط جافة وجامدة. المتتبع للمشهد الثقافي اللبناني والعربي بشكل عام يلاحظ حالة الانفصال السياسي التي تمر بها لبنان، والتي ربما أثرت على مسار الفضاء الإعلامي العربي، وربما جعلت أيضا المشهد الثقافي يظهر مقسما، وهذا ما وقفنا عليه في زيارتنا إلى لبنان، في الوقت الذي كان يفترض أن يكون المثقفون مجتمعون حول اتجاه واحد للحد من الهوة المتزايد في الأوساط الاجتماعية اللبنانية؟ أوافقك فيما ذهبت إليه.. للأسف، الكثير من المثقفين اللبنانيين التحقوا بمرجعياتهم السياسية والطائفية أو المذهبية، ليس فقط في لبنان؛ بل في العالم العربي ككل، لدرجة أننا أصبحنا نشاهد اليوم انقسامات عميقة أصبحت تأخذ للأسف الطابع الديني والطائفي والمذهبي. أين تضع سياسة برنامجك في وسط هذا الزخم.. هل ذهب عكس المسار، أم تراه ساعد على تكريس السياسة ذاتها؟ يستطيع أي متابع لبرنامج ''خليك بالبيت''، أن يلاحظ أنني حاولت قدر الإمكان النأي في تجربيني الإعلامية عن هذه الانقسامات، كما حاولت طوال حلقات البرنامج و على مدار السنوات ال15 الماضية، أن أحافظ على سياسية البرنامج، كمنبر متنوع ومتوازن لكل التيارات الفكرية والمرجعيات السياسية والثقافية، لكوني أنظر إلى المبدع بناء على إبداعاته بمعزل عن مواقفه السياسية وحيثياته الدينية والحزبية، فأنا على يقين تام بكون المبدع الحقيقي دائما يرتقي فوق مثل هذه الإنقسامات. هل هذا يعني أنك تفضل المبدع البعيد عن قضايا أمته وقوميته؟ أنا لا أريد أن أقول إن عليه أن يكون بلا موقف أو قضية، أو أن يكون مرفرفا ومحلقا فوق العالم الواقعي وأن يعيش في عالم افتراضي، بعيداً عن قضايا أمته.. لكن في رأيي أجزم أن المبدع الحقيقي هو الذي يحاول البحث عن ما يردم الفجوات ويكافح ما يصدع جسد هذه البلاد، فنحن الآن مثلاً في مرحلة خطرة ومنعطف مصيري، وهذه وجهة نظر شخصية قد تكون خاطئة وقد تكون صائبة، لكن من المهم أن يعمل المبدع سواء كان إعلامي أو سياسي أو كاتب على ما يجمع لا عن ما يفرق.. وعن ما يصل لا عن ما يقطع، هذا ما أحاول أن أفعله.. قد أنجح أحيانا وقد أفشل أحيانا أخرى، وقد حاولت من خلال برنامجي أن أجسد هذه السياسة بدعوة أشخاص لا يتوافقون في الكثير من الأحيان مع سياسة القناة وقد كانوا معارضين أحيانا لهذه السياسة، ولكن خليك بالبيت هو منبر مفتوح لكل مبدع بمعزل عن توجهه الديني والسياسي. غالبا ما نجد في المناطق التي تشهد أزمات، إبداعاً مواكباً لتلك الأزمة، ومبدعين مؤرخين لما تمر به تلك المنطقة. ترى هل هناك أدب لبناني أرخ لما مرت به لبنان سابقاً من أزمات؟ طبعا هناك محاولات جادة على عدة مستويات، الشعري والروائي والمسرحي والفني، لكن السؤال الأهم في نظري، هل ارتقت تلك الأعمال إلى مستوى كبير يمكنها من أن تشكل حالة عامة في المشهد الوطني؟ أعتقد أننا فشلنا نوعاً ما في الوصول إلى هذه المرحلة بالمقارنة مع ما شاهدناه في التجربة السينمائية الهوليوودية التي أرخت لحربها مع الفيتنام سينمائياً، أنا لا أريد أعمالا على الطريقة الهوليوودية؛ بل أريد محاكاة الحرب اللبنانية... ثم أعود وأقول بأن للحرب اللبنانية مرجعية هائلة للنص الإبداعي على كل مستوياته، وأستطيع القول كم من تجارب فردية جيدة نجحت في هذا الجانب، وأعود وأقول مرة أخرى بأن السنوات الخمس التي مرت بها لبنان هي أصعب السنوات.. وأنا شخصياً أسميتها بالسنوات العجاف. بعيداً عن هذه الصراعات وهذه الصعوبات.. ترى ماذا أضاف الإعلامي فيك إلى روح الشاعر والعكس أيضاً؟ لست أدري تماماً؛ لكن كل تجربة يعيشها الإنسان، سواء كان شاعرا أو إعلاميا؛ فهو يضيف إليه كثيرا. ولعل احتكاكي بعدد كبير جدا من المبدعين العرب من خلال برنامجي قد منحني فرصة استثنائية للتعرف عن قرب بهذه التجارب الرائدة في الحقل الإبداعي العربي والاستفادة منها واختزان طاقة إنسانية أولا وإبداعية ثانية، ما من شك أنها بشكل أو بآخر قد منحت الشاعر أبعادا جديدة. من من الشعراء الذين تأثر بهم زاهي وهبي في مساره؟ قبل أن أصبح إعلاميا كنت ولازلت معجبا بكثير من المبدعين، على رأسهم محمود درويش ومحمد الماغوط وانسي الحاج وآخرون، ولكن بعد انخراطي في الحقل الصحافي والكتابة والإعلام التقيت بكثير من الذين منحوني من خبرتهم وتجربتهم وحسهم الإنساني العميق، على سبيل المثال لا الحصر، الشاعر اللبناني الكبير، شوقي أبي شقرا، أحد أكبر شعراء القصيدة النثرية والذي تولى مسؤولية القسم الثقافي لجريدة النهار لمدة 25 سنة، وكان لي شرف العمل بجانبه لمدة 8 أعوام، يوم كنت صحافيا في جريدة النهار، وهو الوحيد الذي يمكنني أن أقول بأنه أستاذي. وكما تأثر الشاعر فيّ بالإعلامي تأثر الإعلامي أيضاً فيَّ بروح الشاعر الذي يحيا فيَّ، ولعل الشاعر فيَّ هو الذي منحني هذه النكهة والطابع الخاص. هل أنت مطلع على الأدب الجزائري؟ للأسف الشديد، لم تكن لي الفرصة إلا للاطلاع على تحربة أحلام مستغانمي وفضلية الفاروق وواسيني الأعرج، عدا هذه الأسماء لا يصلنا من الأدب الجزائري إلا القليل.. مع يقيني الشديد بكون الأدب الجزائري غزيرا ومتفتحا على حضارات عديدة. حتماً... مما لا شك فيه سأكون سعيداً بتواجدي في الجزائر، وكنت سأزورها خلال فعاليات الجزائر عاصمة عربية للثقافة، لكن ظروف عملي حالت دون ذلك، لكن سيكون لي فرصة لقاء الجزائر والجزائريين في أقرب فرصة ممكنة. ديوانك الأخير الذي كان لنا شرف حضور فعاليات توقيعه ''راقصيني قليلاً''، ماذا أضاف لتجربة زاهي الإبداعية؟ لا أستطيع أن أحكم، هذا أمر متروك للقارئ والنقاد، ولكن يمكنني أن أقول بأنني قد كتبته بشغف وحب وهواجس متعددة، ويكمن لقارئ هذا الديوان أن يلمس كل هذا من خلال نصوص الكتاب الذي بين يديك. حاورته في بيروت: مبعوثة ''الفجر'' حياة سرتاح