إذا كان الكثير يعرف بوفاريك بكونها مدينة البرتقال وتستقطب الأنظار خلال شهر رمضان بالولاية التي تحمل اسمها وصارت علامة مسجلة باسم المدينة، فإنها كذلك تضم سوقا للخضر والفواكه معروف لدى سكانها والبلديات القريبة منها والذي أصبح منتج الحمّالين لكسب رزقهم لا قيام للسوق دون الحمّالين أوّل وجهة قصدناها للبحث والتحري عن كيفية عمل الحمّالين كانت إدارة السوق، التي تشرف عليها سيدة، حيث أوضحت لنا أن فئة الحمّالين ليست تابعة للسوق إداريا وإنما هي مهنة حرة تمارسها هذه الفئة، كما أشارت إلى أنه لا يمكن للسوق أن يعمل دونهم باعتبارها ضرورية جدا له لإنها منظّمة لديناميكية العمل فيه. أكثر من 500 حمّال من كافة الولايات ينشطون بسوق بوفاريك بعد الإدارة، اتجهنا إلى السوق مباشرة حيث أكد لنا العاملون أن عدد الحمّالين قد فاق 500 حمّال من مختلف ولايات الجزائر، الشلف، وهران، سيدي بلعباس، سوق أهراس، سطيف، المدية بما فيهم أبناء المنطقة أيضا من مختلف الأعمار. عمي صالح 60 سنة لم يبخل علينا بكلماته المعبّرة عن التعب ووجهه البشوش المليء بحبيبات العرق وبأعين حمراء تؤكد قلة نومه فتح لنا قلبه قائلا: “شحال نعيا ماد يدي لولادي ما دام ما زالت الصحة نحمّل حتى يسترني ربي وزيد الخدمة عبادة ولو كان قريت راني ندخل التقاعد كيما اللي قدي في العمر.. الله غالب”، كما أضاف أنه لا خجل في عمل يجمع عددا كبير من أقرانه في العمر والأكبر منه وأيضا شباب في سن أحفاده. عائلات بأكملها تمتهن التحمال عند باب المخرج وجدنا رجالا من عائلة واحدة تمتهن التحمال، وكأن هذه المهنة أصبحت متوارثة أبا عن جد في العائلات المحرومة. فهذا أب وثلاثة أبنائه أكد لنا هذا الأخير أنه نال 40 سنة عمل في التحمال وعلّم أبناءه الصنعة - كما قال - حتى تكون لهم مفتاح الفرج عند الحاجة. وما تأكدنا منه أيضا أن ابنه الكبير 43 سنة حامل شهادة ليسانس في الشريعة من دون عمل يمتهن التحمال لتوفي حاجيات البيت باعتباره رب أسرة. مداخيل مزبلة مقابل عرق يتصبب طوال اليوم سفيان من سيدي بلعباس 35 سنة، بروحه المرحة، تفاعل مع موضوعنا وأجاب عن أسئلتنا. أخبرنا بأن هناك من يحمل عن نفسه والأرباح التي يجنيها تكون ملكا له، وهناك من له رب شغل يستغله للعمل باعتباره مأجور. كما صرح لنا بأن الشغل يختلف باختلاف المسافة والحمولة، حيث أكد أن هناك من يقوم بإنزال السلع من الشاحنات الناقلة للبضاعة فالسعر في هذه الحالة من 1000 دج إلى 1200 دج، حيث يتقاسم 4 حمّالين في هذا العمل وكل واحد منهم يتقاضى نفس السعر. كما أشار إلى أن الذي له عربة ويقوم بالنقل من داخل السوق إلى الباب المؤدي إلى الخارج يتراوح من 150 دج إلى 200 دج، حسب الوزن وأيضا داخل السوق إلى أسواق التجزئة يصل السعر إلى 300 دج، كأعلى سعر. أما بالنسبة لأيام العمل فهم يعملون كل يوم عدا الجمعة وقت الصلاة والأحد باعتباره يوم راحة للسوق. تركنا الحمّالين البسطاء وتوجهنا إلى أصحاب العربات المجرورة بالأحمرة، فوجدنا معظمهم يقطنون خارج بوفاريك، حيث تعتبر هاته العربات وسيلة نقل ومكسب رزقهم. التمسنا من محاورتهم أن الرحلة الواحدة على متن عربتهم تصل إلى 500 دج، حيث أن دخلهم بحسب الوزن والعمل عندهم ثلاثي لا يقصتر فقط على النقل وإنما أيضا سياقة العربة وتربية الحمار، حيث يتوجب عليهم التنقل بعض الكيلومترات للوصول أو الخروج من بوفاريك والقرى التابعة لها وتوفير له المأكل والمأوى باعتباره كسب رزقهم الوحيد. صراع بين الحمّالين للظفر بزبون ما وقفنا عليه عند ولوجنا إلى السوق القيمة الكبيرة التي يتحلى بها القاصد للحمّال، حيث تقوم شجارات بين الحمّالين على الزبون من أجل الظفر بخدمته. كما نجد أيضا الزبائن يتقايضون مع الحمّالين في السعر من أجل إنزاله والذي يقبل بالسعر ويرضخ للطلب يكون له شرف خدمته. مهنة المشقات دون تأمينات أوقات العمل في هذا المجال تفوق 16 ساعة باعتبارها تنطلق على الساعة 4 صباحا يوميا إلى أوقات متأخرة من اليوم في حين الأعمال نجدها تقتصر على 8 ساعات في اليوم، وعندما تعجز العضلات على جر العربات وحمل الصناديق يتحوّل إلى شخص غير مرغوب فيه داخل السوق وبدون أدنى حق لضمان العيش بالتأمين.