يصنف هاني شاكر الساكن بسطيف من فقراء و تعساء هذا البلد الذين خانهم الزمن و رمى بهم في دهاليز الحرمان من أدنى الضروريات كانعدام السقف و عدم ضمان المأكل و المشرب و حتى قفة رمضان غابت عن يوميات هذا الرجل الذي دخل مرحلة الفقر الأحمر في الوقت الذي يصنف عند الدولة من اغنياء الجزائر و هو ما ساقنا إلى فتح ملف احد أفقر خلق الله في الجزائر ليحاكينا قصته مع البؤس الذي يحاصره من كل مكان . للحديث عن أفقر خلق الله في هذا البلد كان بإمكاننا أن نختار أي شخص آخر لان هذه الفئة أوسع مما نتصور و باعتماد معيار المال فقد نجد رأسمال فقير ما يقدر بخمسة آلاف دينار أو بألف دينار أو دون ذلك بقليل لكن الذي اخترناه نحن رأسماله نزل تحت الصفر و اصبح يحسب بالسلب و هي حال هاني شاكر الذي يقدر رأسماله بناقص 80 مليار سنتيم فهو مدان بكل هذا المبلغ للدولة مع العلم انه لا يعدو أن يكون سوى "حمال " تحول إلى بطال و احتار في توفير كيس الحليب لعائلته ...قصة هذا الشاب لم تكن سوى سلسلة من المحطات الدرامية و منذ مطلعها لم تكن عادية لأنها بدأت بغلطة و تحولت إلى ورطة ثم إلى كارثة و مؤامرة جعلت أفقر الناس مدان بالملايير . هاني شاكر من مواليد سنة 1976 ببسكرة من أم معلومة لكن من أب مجهول و هو الأمر الذي يتحدث عنه هاني دون حرج لأنه يرفض أن يتحمل غلطة ارتكبها السابقون و هو بذلك يصحح نظرة مجتمع إلى فئة بريئة جاءت نتيجة نزوة خارجة عن إطار الشرع لكن ما نتج عنها لا يخرج عن دائرة البراءة .فبمجرد أن وضعته أمه بمستشفى بسكرة لم تفكر حتى في تسميته فكانت المبادرة من إحدى القابلات التي كانت تحب أغاني الفنان المشرقي هاني شاكر فأطلقت عليه هذا الاسم و سجل به في الوثائق الرسمية ليصبح اسمه الحقيقي هاني شاكر .و بعد ولادته تنقلت به أمه إلى ولايتها الأصلية سطيف و لم تحتفظ به سوى لمدة 15 يوما ثم سلمته إلى عجوز سطايفية لها أبناء و بعلها شيخ كبير فاعتنت به و أعطته قسطا وافرا من الحنان و سهرت على رعايته و كانت تعتبره واحدا من أبنائها . و بمنطقة عين الطريق التي تصنف من الأحياء الشعبية بسطيف نشأ الطفل وسط ظروف اجتماعية صعبة لم يتلفظ خلالها بكلمة " أبي" و لم يعرف لا إخوة و لا أعمام و لا أخوال و مع صعوبة العيش التحق هاني شاكر بالمدرسة و هنا يذكر الدخول المدرسي الذي كان بالنسبة إليه صعبا للغاية خاصة انه لم يجد يومها من يشتري له الأدوات المدرسية فالأم المربية التي كانت تعطف عليه لم تكن تملك المبلغ الكافي و أبناؤها كانوا يعاملونه بقسوة و يرفضون بقاءه في البيت و بالرغم من انه كان يعرف أمه التي أنجبته إلا أنها تخلت عنه و رفضت الاحتفاظ به لأنها تزوجت و أنجبت أطفالا مع رجل أخر . و في كنف هذا التمزق العائلي تابع هاني شاكر دراسته الابتدائية ثم تنقل إلى اكمالية عبد الحميد بلعطار بحي بومارشي بسيطف أين ازدادت معانته بسبب انعدام المصروف اليومي و عدم قدرته على تغطية تكاليف النقل من البيت إلى الاكمالية و طبعا في مثل هذه الظروف اضطر الطفل إلى مقاطعة الدراسة و النزول إلى الشارع بلا راعي و لا ولي و هنا مأساة أخرى. من البيت المهجور إلى"البرًاكة" إلى السطوح ثم إلى المجهول أنهى هاني شاكر حياته الدراسية في الطور الاكمالي و أصبح غير مرغوب فيه بالنسبة للعائلة المتكفلة به فلم يتردد أبناء المربية على طرده و فجأة وجد نفسه بلا أم و لا أب و لا مأوى و لا مصدر قوت فكان يلتقي بعض الأصدقاء لكنهم بعد ساعات السمر يعودون إلى منازلهم و يبقى هاني شاكر بمفرده يفترش الأرض و يلتحف السماء فأصبح يبيت في منزل مهجور بعين الطريق لا توجد به سوى بقايا الطوب و حجيرات و قطع من الكارطون و أما القوت فكان أحيانا يأتيه من عند بعض الأصدقاء و الجيران و أحيانا أخرى يبيت بأمعاء خاوية و مع قساوة البرد و انعدام النور لم يجد هاني شاكر على من يلقي باللوم هل على نفسه أم على العائلة التي ربته أم على الأم التي أنجبته غلطة .و مع مرور الوقت عمل في مطلع التسعينيات كقهواجي بمقهى بحي 1000 مسكن و كان يتقاضى يومها 1000 دج شهريا ثم تنقل إلى سوق الجملة للخضر اين عمل حمال يشحن و يفرغ شاحنات الخضر و بالرغم من صعوبة هذا العمل إلا انه لم يكن يجني منه سوى دراهم معدومة لا تكفي سوى لسد رمق يومه و عليه انتظار ما يخبئه اليوم الموالي . استمر على هذه الحال لمدة ثلاثة أعوام ظل فيها البيت المهجور ملجأه الوحيد و في سنة 1996 عمل كبائع عند صاحب كشك بحديقة التسلية بسطيف فأصبح يقيم في هذه البراكة ليلا و يشتغل فيها نهارا و في سنة 1997 كانت الوجهة الى سيدي بلعباس لأداء الخدمة الوطنية و التي كانت تعني بالنسبة لهاني شاكر فرصة لضمان المأكل و المشرب و المرقد و حتى العطل و الاعياد التي يترقبها الجنود لزيارة ذويهم لم تكن تعني بالنسبة اليه أي شيء و كان يقضيها في الثكنة و لما ادى الواجب و انهى المدة لم يكن ذلك ليفرحه لانه لا يعلم الى أي وجهة سيتجه . و عند عودته الى سطيف ساعفه الحظ في الحصول على عمل بمحل لبيع البيتزا و كالعادة المبيت لم يكن عاديا حيث اتخذ لنفسه هذه المرة مكانا فوق سطوح البيتزيريا و التي توجد بها غرفة مغطاة بالترنيت ليس لها نافذة و بابها مصنوع من الكارطون. هذا المكان الموحش ظل هاني شاكر يتذكره دوما لِما قضى فيه من ليالي قاسية جعلته في غالب الاحيان يبكي من شدة التأثر لحاله .وبعد مرور عدة اشهر غير العمل و عاد الى مهنته الاصلية فاشتغل حمال عند التجار المستوردين فكان يوميا يبذل مجهودا كبيرا يشبه الاعمال الشاقة و في الليل يروح الى غرفة السطوح التي ظلت ملجأه الوحيد. مهنة الحمالة جعلته يحتك بكبار التجار و بارونات المال فلم يكونوا يحملونه فوق طاقته فقط بل راحوا يستغلونه من جانب اخر فاقترحوا عليه فكرة انشاء سجل تجاري باسمه يسمح لهم باستغلاله في تجارة الاجهزة الكهرومنزلية و بالنسبة اليهم لا يوجد افضل من هاني شاكر للقيام بهذه المهمة لان فيه من المواصفات ما لا يتوفر في الغير بعبارة اخرى انه "الكاميكاز " الذي يصلح التضحية به دون ان يتأسف عليه احد و بما انه كانت تحت رحمة هؤلاء الكبار فقد قبل الفكرة و كان بمثابة العبد المطيع الذي يجهل تبعات هذه الخطوة و هنا بدأت قصته مع الملايير التي لم يرها حتى في الاحلام. ملياردير لا يملك قوت عائلته فكرة السجل التجاري كانت بالنسبة لهاني شاكر فرصة لارضاء "المعاليم " الذي كانوا يعطفون عليه حينا و يغرونه حينا اخر و بلغ بهم الامر حد مساعدته على الزواج و دفعوا له كل التكاليف كما ساعده بعض المحسنين في اكمال نصف دينه و سمحت له احدى السيدات بان يسكن في مستودع تملكه بحي بوعروة فتنقل من غرفة السطوح الى هذا "القراج " الذي تحول عنوة الى ملجأ يأوي عائلته و رزق بطفلة وديعة ملأت عليه الدنيا و عوضته حرمان السنين .و في الوقت الذي كان هذا الحمال يكد لتوفير قوت عائلته معتقدا بان حياته بدأت تعرف نوعا من الاستقرار دخل في خلاف مع "المعاليم " فطردوه من العمل و يذكر هاني شاكر ان ذلك كان في مثل في شهررمضان من سنة 2005 و بالضبط تم توقيفه عن العمل في ليلة القدر فتحول من يومها الى بطال لا يعيش الا من تبرعات بعض المحسنين و الغريب انه بعد حوالي 15 يوما من طرده يتلقى استدعاء من طرف قاضي التحقيق لمحكمة سطيف و الذي لما امتثل أمامه اخبره بان مصالح الضرائب رفعت ضده شكوى لأنها تدين له بمبلغ 20 مليار سنتيم .الخبر نزل عليه كالصاعقة و فهم بان الامر يتعلق بالسجل التجاري الذي يحمل اسمه فاحتار الحمال البطال في امره و لما خرج من عند القاضي ظل يكلم نفسه في الشارع و يردد عبارة " انا لا املك ثمن كيس الحليب و هم يقولون بان لدي ضرائب تقدر ب 20 مليار " و لم يتوف الامر عند هذا الحد بل تبين بان السجل الذي يحمل اسم هاني شاكر ظل تحت استغلال بشع من طرف جهة اخرى ابدعت في تعاملاتها التجارية خاصة في مجال الأجهزة الكهرومنزلية و بالضبط و كان التعامل اكثر مع المؤسسة الوطنية للصناعات الالكترونية ( ENIE ) التي بلغ رقم الأعمال معها من طرف نفس الشخص خلال سنتي 2001/2002 فقط قيمة 605440871.00 دج أي ما يفوق 60 مليار سنتيم و تواصلت بعدها العمليات بنفس الوتيرة و ظلت الأجهزة الالكترونية تباع و تشترى إلى أن فاق رقم الأعمال مع شركة ENIE وحدها 400 مليار سنتيم و كانت مصالح الضرائب في كل مرة تتلقى وضعيات باسم التاجر هاني شاكر-الذي لا يعلم عنها شيئا - الى ان بلغت الحصيلة في سنة 2007 ما يقارب ال 80 مليار سنتيم تدينها الدولة لهذا الحمال البطال المغلوب على امره . طبعا هذه الكارثة كانت الشغل الشاغل لهذه الرجل الذي أصبح لا يغادر أروقة العدالة و مراكز الامن و الدرك و مصالح مديرية الضرائب و عوض ان يبحث عن عمل يعول به عائلته أصبح يوميا يلهث وراء الوثائق و المراسلات فلم يترك أي جهة الا وراسلها بما في أعلى سلطة في البلاد و الى حد الساعة لم يجد حلا لمعضلة الحمال الذي تدين له الدولة ب 80 مليار. ليس له الحق قي قفة رمضان لانه ملياردير و يتمنى الالتقاء بربراب هذه القضية كان لها طبعا اثرها على حياته الاجتماعية و عائلته التي كانت تسكن ب"قراج" مظلم لا توجد به نافذة و لا يكاد يخلو يوما من الرطوبة فكانت زوجته تضطر الى الذهاب الى بيت أهلها رفقة ابنتها في النهار و تعود في الليل و الطريف ان مصالح سونلغاز قامت بقطع الكهرباء عن القراج لعدم تسديد الفاتورة فوجدت العائلة نفسها تحت رحمة الشموع لمدة طويلة و في بعض الأحيان تستسلم للظلام و ترضى بالواقع المر الذي رمى بها في هذا المستنقع .و اذا كان هاني من الذين لا يسألون الناس إلحافا فان النار لا توقد في بيته لعدة ليالي و تمر الايام دون ان يدخل معه كيس حليب لابنته و قد اضطر مؤخرا الى الخروج من القراج بأمر من صاحبة المنزل و هو الان يقيم في بيت قديم استعاره من صهره بعين الطريق و لازالت زوجته كثيرة التردد على بيت أبيها حتى تخفف عليه مصاريف البيت و في الوقت الحالي لا عائل لأسرته الا ما جادت به أيادي المحسنين خاصة في شهر رمضان المنصرم الذي يقول بشأنه هاني شاكر انه كلما حل " يخلع" و قد استلم في مطلعه مبلغ 1000 دج تدبر بها امره خلال الأيام الأولى ثم مبلغ اخر من بعض المحسنين و مر الشهر بسلام الى حد ما و يعلم كيف سيكون حاله في الأيام المقبلة . و حتى قفة رمضان التي يتهافت عليه البعض لم تكن من نصيب هاني شاكر لأنه كي يدرج في قائمة المعوزين عليه أن يقدم ملفا و من جملة الوثائق المطلوبة مستخرج الضرائب الذي يتضمن كارثة ب 80 مليار و بالتالي لا يعقل ان يستفيد ملياردير من قفة رمضان . و امام هذه المحنة يقول هاني شاكر بأنه أصبح كثير التوتر و هو معرض للإصابة بداء الأعصاب و رغم ذلك فهو مواظب على الصلاة و دوما يحمد الله على كل حال. و كل ما يطلبه في الوقت الحالي هو ان يتحرك البارونات الذين استغلوا فقره و ضعف حيلته و يقوموا بتسديد ضرائب الدولة و يخرجوه من محنته و اذا كان هاني شاكر يبحث عن عمل مهما كان نوعه فانه يتمنى ان يلتقي بربراب في صورة برادوكسية تجمع بين أغنى رجل في الجزائر و افقر مخلوق في هذا البلد و لعل الله بعد ذلك يحدث أمرا. سمير مخربش