لا يمكن إقناع سكان بلدية القرنيني، الواقعة جنوبي مركز الدائرة عين وسارة في الجلفة، بحتمية المشاكل الكبيرة والمعاناة المتواصلة، فهم يعرفون جيدا إمكانيات منطقتهم الفلاحية التي لو استغلت لأخرجتهم من حالة الغبن والفقر المدقع التي ظلت تلازمهم لسنوات. تقع بلدية القرنيني، المعروفة ب “النويرات”، شمالي غرب ولاية الجلفة، وقعت شهادة ميلادها سنة 1984، ويصل عدد سكانها إلى خمسة آلاف نسمة، أزيد من نصفهم يقطنون بالمداشر والدواوير، تتربع على مساحة تقدر بأكثر من 943 كلم مربع. ويعتمد سكان بلدية القرنيني في معيشتهم على الفلاحة وتربية المواشي التي تعتبر مصدر رزق السواد الأعظم منهم، وما عدا ذلك فلا شيء يبعث على الأمل بهذه البلدية النائية المعروفة بهدوء وسكون طبيعتها التي انعكست على سلوك وطباع ساكنيها، وهو ما لاحظناه أثناء زيارتنا للمنطقة، حتى أننا اعتقدنا بأنها لا تعاني من أي نقص. تشكل الفلاحة وتربية المواشي بهذه البلدية مصدر عيش الغالبية العظمى من العائلات، فهي الحرفة التي توارثها جيل عن جيل. وحسبما أكده لنا بعض الفلاحين الذين التقيناهم، كانت دوما معطاءة. هؤلاء الفلاحين اشتكوا كثيرا من ضعف، وبالأحرى، انعدام الإعانات، مؤكدين أنهم لم يستفيدوا من أي مساعدة، باستثناء عدد قليل منهم استفادوا في إطار الدعم أوالإمتياز الفلاحي. كما اشتكى هؤلاء كثيرا من نقص إمكانيات ووسائل العمل، مؤكدين في هذا الإطار بأن معظمهم لا يزال يستعمل الطرق البدائية في الفلاحة، ما انعكس سلبا على المردود، يضيف هؤلاء. أما الخدمات الصحية بهذه البلدية، وحسبما أكده لنا الكثير من المواطنين، فإنها لم ترق بعد إلى المستوى المطلوب، فهي لا زالت بعيدة كل البعد عما يطمحون إليه، فالمركز الصحي اليتيم بالبلدية يقتصر دوره على تقديم الإسعافات الأولية لا أكثر. مصادر عليمة بالمركز أرجعت سبب ضعف الخدمات إلى النقص الكبير في الإمكانيات المادية والبشرية معا، وأن المركز يسيره طبيب وممرض واحد، كما اشتكوا أيضا من انعدام سيارة إسعاف رغم أهميتها القصوى بالمركز نظرا للتدخلات المستعجلة، وبالأخص منها لنقل الحوامل والمصابين بلسعات الحشرات الشاملة المنتشرة بكثرة في المنطقة. وأمام هذا الغياب يلجأ المواطنون ليلا إلى استعمال سيارات الخواص لنقل مرضاهم. ويبدي سكان الكحالي والمخلوفي وبوخشبة وأوكات، إصرارا وتحديا على مقاومة مظاهر التخوف وتحسين الإطار المعيشي، ويشترط هؤلاء استقرارهم بهذه المناطق بتوفير السكن الريفي والكهرباء وبناء مؤسسات تربوية، بالإضافة إلى توفير المسالك والطرقات قصد تسهيل تنقلاتهم. أما الكهرباء الريفية، فلا تشكل سوى 50 بالمائة من نسبة التغطية الإجمالية، ولتحسين الوضعية يشترط بعض السكان توفير 20 كيلومترا من الكهرباء من أجل خلق توازن في بعض المناطق، كما يشتكي السكان من وضعية الطريق السيئة التي تربط بمقر الدائرة عين وسارة.