مجلس الوزراء أقر، مؤخرا، إجراءات تعالج موضوع الأراضي الفلاحية التابعة للدولة.. هذه الأراضي التي ظلت محل جدل وطني طوال 50 سنة، وعرفت عدة قرارات تنظيمية لم تمس جميعها بأصل ملكية الدولة لهذه الأراضي.. من قرارات مارس 1963 الخاصة بالتسيير الذاتي للمزراع التي رحل عنها الفلاحون، إلى قرارات مزارع المجاهدين بعد ذلك، وصولا إلى قرارات الثورة الزراعية في قانون 1971. الدولة في جميع هذه القرارات والقوانين لم تتخل عن مبدأ الملكية العامة للأرض. مجموع المساحة التي تملكها الدولة تقدر ب3 ملايين هكتار صالحة للزراعة.. تكون الدولة قد حولت منها إلى الملكية الخاصة، تحت عناوين مختلفة، ما يقارب المليون هكتار! قانون الإصلاح الزراعي الذي صدر في الثمانينيات وأنهى حالة التسيير الذاتي وتعاونيات المجاهدين ومزراع الثورة الزراعية، هذا القانون رغم أنه أعطى الفلاحين المقيمين فوق الأرض التابعة ملكيتها إلى الدولة حق الإستغلال.. وليس حق الملكية، إلا أن ثغرات في القانون الخاصة بحق الإستغلال قد أدت إلى نهب واسع للأراضي الفلاحية من طرف المضاربين وتنازل العديد من الفلاحين عن حق الإنتفاع من الأراضي إلى مضاربين ومنتفعين آخرين، بل وأدى التنازل عن حق الإنتفاع إلى مشاكل في القطاع الفلاحي رأت الدولة أن تعالجها بالقرارات والقوانين التي يكون مجلس الوزراء مؤخرا قد درسها! الدولة الجزائرية المستقلة ورثت ثروتين عن فرنسا: الأراضي الفلاحية الخصبة التي رحل عنها الكولون سنة 1962.. والمساكن التي رحل عنها المعمرون في المدن. المساكن كان عددها يقارب نصف مليون سكن، سميت وقتها بالأملاك الشاغرة، وقد عجزت الدولة عن تسييرها تسييرا جيدا.. وانتهت إلى قرار التنازل عنها سنة 1981 لصالح ساكنيها.. وتم التنازل عن هذه العقارات بما يشبه الدينار الرمزي! وهكذا فرطت الدولة في مصدر مالي كبير كان من الواجب أن تستخدمه في تمويل عمليات بناء مساكن جديدة، لو أحسنت استغلال هذه الثروة، سواء عن طريق إيجارها وتسييرها تسييرا محكما، أو عن طريق بيعها لساكينها بالسعر الحقيقي وليس السعر الرمزي! وهكذا أهدرت ثروة هامة.. أما ثروة الأراضي الفلاحية، فقد وقع بخصوصها الجدل الواسع، خاصة أن بعض الذين استغلوا الأراضي الفلاحية التي رحل عنها الكولون سنة 1962 هم من الذين كانت لهم مشاكل مع الثورة.. ولذلك صعب على الدولة تطبيق مبدأ التنازل عن الأراضي لصالح الذين يستغلونها.. لأنه في هذه الحالة سيكون بعض الذين وقفوا ضد الثورة من المستفيدين الأساسيين من هذه الثروة! لكن هذا المبدأ لم يطبق في موضوع التنازل عن أملاك الدولة في المباني والمساكن في قانون التنازل عن أملاك الدولة سنة 1981. ترى لماذا ترفض الدولة التعامل مع الأراضي الفلاحية بالصيغة التي تعاملت بها مع المساكن؟! والجواب على هذا السؤال قد تكون له علاقة لموضوع الثورة نفسها.. فالثورة الجزائرية قام بها الفلاحون أساسا وكان الصراع مع الإستعمار أساسه الأرض.. ولهذا بقي موضوع الأرض حساسا. لكن ثمة رأي آخر يقول: إن الدولة لم تحسم موضوع ملكية الأرض لصالح الفلاحين كما فعلت مع المباني، لأن المضاربين ورجال المال و"البورجوازية" الجديدة قد تستولي على هذه الأراضي بسرعة لو حولت ملكيتها إلى الفلاحين.. لكن هؤلاء أيضا قد يواصلون قضم هذه الأراضي تحت مسميات أخرى وعبر أجهزة الدولة، باسم الإستثمار الصناعي والتجاري حينا، وباسم التعمير والبناء حينا أخرى. وبذلك تبقى الدولة، أو النافذون في الدولة، يتصرفون في هذه الأراضي باسم الحق في تسيير الملكية الجماعية للأراضي.. وبذلك يبقى النافذون في الدولة يتنازلون وحدهم عن حق الملكية لمن يريدون! وهكذا يبقى مشكل الأراضي الفلاحية من المشاكل المؤجلة رغم مرور 50 سنة من الإستقلال. ترى لماذا تتنازل السلطة عن كل شيء وتخصخصه ولا تتنازل عن الأراضي الفلاحية؟! هذا هو السؤال المحير؟! وبديهي أن الدولة إذا لم تحل مسألة الأراضي بصورة جديدة وجادة، فلن يتحقق إقلاع اقتصادي في حق الفلاحة خاصة.. وما جاء به مجلس الوزراء أخيرا هو مجرد بريكولاج فلاحي آخر..