بقي الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين وفيا لتقاليده ومبادئه التي أسس لأجلها منذ أربعة عقود من الزمن، ولم يؤثر تغير الحكومات والأنظمة الاقتصادية التي مرت بها البلاد في مسيرة هذا التنظيم الذي يمثل صوت الفلاح التاريخي، كونه يعمل على صلة مع الفلاحين على اختلاف مستوياتهم، وهو ما يؤكد صمود الاتحاد الذي تحول إلى شريك حقيقي في تنمية وتطوير قطاع الفلاحة باعتباره البديل الوحيد عن النفط. ومن أجل تسليط الضوء على راهن القطاع ونظرة الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين للعديد من القضايا الاقتصادية والفلاحية على وجه الخصوص، خصنا الرجل الأول في الاتحاد السيد محمد عليوي بهذا الحوار: * في البداية السيد محمد عليوي لابد أن نتطرق إلى أهم قضية تشغل راهن القطاع، المتمثلة في قرار نزع ملكية الأراضي من الفلاحين ما هو موقف الاتحاد من هذا القرار؟ موقف الاتحاد واضح من هذه القضية، فنزع الملكية لا يتم إلا بقرار من العدالة، وليس بقرار اعتباطي. *كيف؟ هناك العديد من القرارات التي تتم عن طريق قرارات ناتجة عن مداولات في مجلس شعبي بلدي أو ولائي أو بناء على تصفية حسابات بين أطراف معينة، ونحن في الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين نرى أن قرار نزع الملكية لابد أن يخضع لضوابط وشروط منصوص عليها في القانون، بعيدا عن رغبات الأشخاص التي تؤدي إلى الفوضى لا أكثر و لا أقل، أما فيما يتعلق بقانون العقار الفلاحي فسيكون محل مناقشة في البرلمان قريبا باعتبار أن الملف موجود الآن على طاولة الحكومة وسنبدي رأينا في النقاط التي نتفق معها والمسائل التي نعارضها، كما أن هناك بعض القضايا التي توجد محل نقاش على غرار مسألة نظام الامتياز المحددة ب40 سنة. * وكيف تنظرون إلى هذه القضية؟ نحن ندعم كل ما من شأنه أن يعطي دفعا جديدا للقطاع ويدعم الفلاح بالدرجة الأولى، ولذا نرى أنه من المفروض أن تعطى مدة 99 سنة أي ما يمثل ثلاثة أجيال، لأن 40 سنة غير كافية والمدة التي نراها نحن هي كفيلة ببعث الثقة والقوة في نفس الفلاح حتى ينكب على خدمة الأرض، كما سيكون لديه مجال للربح من الناحية الاقتصادية، لأن 40 سنة في حياة الشعوب و الدول هي غير كافية لتحقيق مشروع وطني يتعلق بالفلاحة التي تمثل الرهان الأول للاقتصاد الوطني. * كيف ينظر الاتحاد إلى ظاهرة زحف الاسمنت على الأراضي الفلاحية؟ الحديث عن هذا الموضوع يقودنا إلى العقود الماضية، ففي بداية التسعينات بدأت الظاهرة تتقلص بسبب التعليمة رقم 5 التي أصدرها الرئيس الشاذلي بن جديد، والتي منعت صراحة زحف الاسمنت على الأراضي الفلاحية، غير أن التعليمة لم تعمر طويلا فمجرد مرور 6 أشهر عن إصدارها حتى تواصل الزحف من جديد، و خلال فترة التسعينات كانت هناك مجالس محلية غير منتخبة ولم تكن قادرة على مجابهة الوضع السائد مما أدى إلى انتشار الاسمنت حتى مكان المزارع وهو ما حدث في وهران والقبة ومتيجة وعنابة ...، لكن منذ قدوم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في سنة 1999 جمد الزحف على الأراضي الفلاحية في العواصم الكبيرة، وهو ما أصبح يمثل حماية للأراضي من طرف السلطات العمومية، كما أن هناك العديد من التطورات التي طرأت في هذا المجال منها تقلص المساحات المزروعة التي كانت عرضة لزحف الاسمنت، بحيث كانت بمعدل 7 هكتارات يوميا تذهب للقطاع الصناعي في سنة 1997 لكن هذا الرقم المخيف تقلص في الوقت الحالي بنسبة 80 في المائة. *وهل اقترحتم حلولا في هذا المجال؟ هناك عدد من المتغيرات التي ينبغي الإشارة إليها، وهي أننا لم ننشأ أراضي فلاحية جديدة عكس الدول المجاورة مثلا، التي تقوم بإحصاءات دورية للأراضي المسقية، ويصدرون دراسات استشرافية على قدرة الأراضي على الإنتاج ونسبة عطاء هذه المساحات، الآن يطرح السؤال من هو المسؤول عن هذه الوضعية، علما أن ما تقوم به وزارة الفلاحة ليس سوى تنبؤات قد تكون صحيحة أو العكس، هذا الموقف يعكسه الواقع ففي ولاية أدرار مثلا توجد 35 ألف هكتار من الأراضي المسقية في حين الرقم الحقيقي هو 2000 هكتار فقط، بسبب عدم مواصلة العمل من طرف المستفيدين من هذه المشاريع. * ما هي توقعاتكم لموسم الحصاد الحالي؟ في الحقيقة يقترب موسم هذه السنة من الموسم الماضي، خاصة في ظل التحضيرات الجادة لإنجاحه، غير أن هناك نقص فادح في آلات الحصاد التي يتجاوز سنها ال20 سنة، كما أن وسائل التخزين لم تتغير، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى بعض المزايا التي سيستفيد منها الفلاح هذا العام منها الشباك الوحيد الذي سيعود بالفائدة على الفلاحين. * وفيما يتعلق بأسعار المواد الغذائية التي تعرف ارتفاعا فاحشا ما موقف الاتحاد من هذا الوضع؟ يجب أن نشير إلى أن المواد الغذائية تخضع للعرض والطلب، وفي نفس الوقت هناك طلب ملح من المواطنين من أجل إتاحة الفرصة للمنتج الوطني، وفتح أبواب السوق الوطنية أمام الفلاحين وهو ما يمثل الحل الوحيد لكسر الاحتكار الذين يفرضه المضاربون خاصة في ظل عدم تحكم القطاعات المعنية في الوضع. * في السنوات الأخيرة نلاحظ تراجع كبير لبعض المنتجات الفلاحية ما هي الأسباب التي تقف وراء هذا التراجع؟ يمكن أن نلاحظ تراجع في بعض المنتجات لكن لا ينبغي أن نصرف النظر عن التطور الكبير الذي تعرفه منتجات أخرى، على غرار الزيتون حيث نلاحظ أن العديد من المزارعين توجهوا إلى هذا المنتج خاصة في ولايتي وادي سوف وبسكرة، اليوم نرى عشرات الملايين من أشجار الزيتون في هذين الولايتين، فضلا عن مشروع آخر يتعلق بمليون هكتار لغرس أشجار الزيتون. * وهل هناك منتجات أخرى تشهد نفس الانتعاش؟ تراجع الإنتاج في بعض الشعب هو أمر طبيعي، لكن ما هو مطلوب الآن هو تخصيص نفس المشاريع لكل الشعب حتى يمكننا الوصول إلى الاكتفاء الذاتي، على سبيل المثال يمكن الحصول على ضعف المنتج عندما نغرس مليون هكتار من أشجار الزيتون الأمر الذي يجنبنا 3 مليارات من استيراد الحبوب، ونحن في الاتحاد اقترحنا الإراحة الفصلية للأراضي خاصة بين مناطق الشمال والجنوب، أي أننا نتوجه إلى الشمال في فصل الحر وننتج منتجات لا يمكننا إنتاجها في الجنوب والعكس صحيح عندما تكون الأجواء مساعدة على العمل بالنسبة للفلاحين في الجنوب وبالتالي يكون العمل متواصل طيلة الموسم ودون توقف. * في هذه الحالة يجب التأسيس لمشروع وطني لاستصلاح الأراضي؟ فعلا، نتطرق هنا إلى سد بريزينة في ولاية البيض الذي توجد به 180 مليون متر مكعب من المياه، هو موجود على هذه الحالة منذ 25 سنة ولم يتم إقامة " 1 سم" من البصل بجانبه، بل بالعكس تحول إلى مياه راكدة وإلى خطر يهدد حياة سكان المنطقة علما أنه في كل سنة يتم تسجيل ضحايا بهذا السد، ونحن نطالب بتوجيه العناية لهذا السد على الأقل بحراسته من طرف شركة أمنية. * لماذا لا تقوم وزارة الفلاحة بمعالجة هذا الوضع عن طريق استغلال هذا السد؟ مازلنا نطالب بتصحيح هذه الوضعية سواء في البيض أو بشار أو الأغواط، نريد إعطاء الفرصة إلى فلاحي المنطقة وتكوينهم من طرف فلاحين يملكون تجربة في التعامل مع الأرض على غرار فلاحي ولاية معسكر، بالإضافة إلى ذلك فهذه المناطق لها مؤهلات طبيعية وبشرية، والحل يكمن في إحصاء الأراضي الصالحة للزراعة، والأراضي الخاصة بالرعي وإنتاج الحليب واللحوم. * وهل قام اتحاد الفلاحين بمبادرات في هذا الاتجاه؟ آخر نتيجة للجهود التي قمنا بها منذ سنوات في هذا الاتجاه، هي تأسيس فدرالية الموالين، التي سينصب مكتبها الوطني في الأيام المقبلة، هذا التنظيم سيمكن لا محالة من رفع وتيرة الإنتاج ودعم الموالين وحماية الثروة الحيوانية. * في هذا الموضوع ما هو موقفكم من اللحوم التي ستستورد من السودان؟ رأينا هو حماية الثروة الحيوانية الوطنية بالدرجة الأولى، ونحن في الاتحاد نثمن عاليا ما أقدمت عليه السلطات من جهود في هذا القطاع، أما فيما يتعلق بالاستيراد فيجب أن يخضع إلى معايير علمية اقتصادية، منها اللجوء إلى الاستيراد في الحالة التي تكون فيها الثروة قليلة وفي هذه الحالة الاستيراد لا ينبغي أن يتجاوز شهرين من أجل السماح للثروة الوطنية بالتكاثر. * كيف تقيمون الوضع الحالي لقطاع الفلاحة؟ يمكنني أن أعطيكم تقييم موضوعي، لأنني على رأس الاتحاد منذ 36 سنة أي أنني عاصرت جميع الرؤساء والحكومات تقريبا، ومن هذا المنطلق يمكنني القول بأن النتائج التي وصل إليها القطاع في الوقت الحالي لم يتم الوصول إليها في أي حكومة أو بالأحرى منذ الاستقلال، غير أنه لا يمكننا أن نتجاوز الأوضاع التي مرت عليها الفلاحة لأنها قطاع اقتصادي بالدرجة الأولى وهي تتأثر بجميع التغيرات التي يعرفها الاقتصاد بصفة عامة، لأننا انتقلنا من نظام اشتراكي يعتمد على التعاونيات والتسيير الذاتي إلى نظام اقتصاد السوق، وهي الفترة التي تزامنت مع الجفاف الذي أثر سلبا على وضعية الفلاحين، و يبقى أكبر مكسب حققه الفلاح هو عمليات مسح الديون قي سنتي 2000و2009 فضلا عن الزيادة المعتبرة في العتاد، لكنني لست راضي كل الرضا إذ لا تزال أمامنا الكثير من التحديات في ظل ارتفاع أسعار الحاصدات والجرارات التي ارتفع سعرها ب33 مليون سنتيم و 103 مليون سنتيم في آلات الحصاد إضافة إلى الضرائب وهو ما نعمل على تداركه بالتنسيق مع إخواننا الفلاحين وشركائنا في جميع القطاعات. * السيد عليوي عينتم مؤخرا في المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني، وأوكلت لكم مهام أمانة الفلاحين هل هو عبء آخر؟ صحيح هو عبء آخر كما أن أمانة الفلاحين تستحدث لأول مرة في تاريخ الحزب، لكن هذا سيدفعنا للعمل بالتوازي مع مهامنا في الاتحاد، من أجل إيصال صوت الفلاح، وإثراء برنامج الحزب في هذا المجال وهو البرنامج الذي يستنبط بنوده من برنامج فخامة رئيس الجمهورية.