تشكل حياة البدو الرحل، بولاية البيض، ازدواجية تجمع في حيثياتها بين التشبث بالعادات المتوارثة عن الأجداد وبين تحدي قساوة الطبيعة، من خلال تضاريس المنطقة الصعبة المعروفة بطابعها شبه الصحراوي، إضافة إلى الخصوصية المناخية التي تميز إقليمها على مدى فصول السنة. وتبقى العديد من الأقاليم الصحرواية المترامية في عمق بلديات البنود، بريزينة، الأبيض سيدي الشيخ، وتيسمولين، محافظة على صورة الخيمة المنتصبة وسط تضاريس طبيعية خالية ومعزولة عن جميع مظاهر التمدن والنسق الحضري العصري.. حيث يعتمد سكانها من البدو الرحل على ما تجود به الطبيعة من كلأ يعتبر العامل الرئيسي الذي يجذبهم لنصب أعمدة الخيمة كدليل على المكوث المؤقت في هذا الفضاء الصحراوي. ويشير الحاج طيفور، أحد سكان البادية بالبيض، إلى “أنه يفضل الإستقرار بهذا العالم كقناعة راسخة توارثها عن الأجداد، ويمارس منذ أن ولد بين أحضان هذا الوسط الصحراوي حرفة الرعي التي هي مرتبطة على ما تجود به الأرض من كلأ، يعتبر الزاد الأساسي لمواشيهم و دوابهم، التي تشكل بدورها رأسمالهم ومصدر رزقهم الذي يضمن لهم لقمة العيش”. وتجسد حياة البدو الرحل بولاية البيض نسقا من البساطة في التعايش مع قساوة الطبيعة، حيث ذكر نفس المتحدث أنها “تعتبر تحديا لعوامل الطبيعة والمناخ في وقت واحد، حيث يكون الصبر هو الحاضر الأكبر في هذه المعادلة، أين يصعب على الشخص العادي تحمل برودة الطقس خلال الفصل الشتوي الذي غالبا ما تنزل فيه درجة الحرارة إلى ما دون درجة الصفر”. ومن الخصوصيات المميزة، والتي تتطلب أيضا الصبر رياح “السيروكو”، أو كما هو متعارف عليه محليا بالعجاج، الذي عادة ما يكثر مع نهاية فصل الربيع وبداية الصيف، هذه الأيام تحديدا، الذي غالبا ما تكون فيه رحلة التوجه نحو الشمال هي الملاذ الأنجع لضمان مراعي خصبة لمواشيهم و دوابهم، فرارا من جفاف المنطقة. و تعتمد عائلات البدو الرحل في حياتهم اليومية، داخل أعماق الصحراء، على ما تجود به ماشيتهم التي توجه صوفها إلى صناعة الألبسة التي تقيهم من برد الشتاء، حيث تعتبر القشابية المعروفة محليا باسم “الجلابة” الرداء الأكثر استعمالا من طرف البدويين، ناهيك عن البرنوس والخيدوس، وهي كلها ألبسة مصنوعة من مادتي الصوف أو وبر الجمال، حيث تتفنن المرأة البدوية في حياكتها باستعمال المنسج الخشبي. وتعد أداة الخلالة الوسيلة الوحيدة التي تفرض نفسها في عملية نسج الصوف، ويعتمد عليها في تمرير وتثبيت خيوط الصوف في المنسج التقليدي قبل الحصول على لباس قشابية التي تكون جاهزة لارتداءها والإحتماء بها من عوامل الطبيعة والإستمتاع بدفئها.. كما يؤكد أحد سكان منطقة البنود. وفي السياق ذاته، يكون لأنامل المرأة البدوية دور كبير في حياكة الخيمة البدوية عبر منسجها باستعمال مادة القش، وهي خليط بين الصوف والوبر التي تشكل ازدواجية في الحماية من مياه الأمطار و التساقطات الثلجية من التسرب إلى داخل الخيمة، فضلا على أنها تشكل واقيا من أشعة الشمس الحارة خلال فصل الصيف. كما تعمل المرأة البدوية على ضمان الصيانة الدورية للخيمة خلال مختلف أيام السنة من خلال صيانتها وترقيعها من حين لآخر، حسبما أشارت إليه بعض البدويات القاطنات بمحيط بلدية بريزينة. ويشكل طبق الكسكسى الوجبة الأساسية في يوميات البدو الرحل بمنطقة البيض، وذلك بالنظر لارتباطه بخصوصيات هذه المنطقة الصحراوية، إذ يعتبر سمة للأصالة البدوية وله صلة وطيدة بحياة البساطة التي تعتمدها هذه الشريحة الإجتماعية. كما تحبذ بعض العائلات البدوية الأخرى تناول، بكثرة، وجبة “المردود” أو كما يعرف في مناطق أخرى بتسمية “البركوكس” الذي غالبا ما يكون ممزوجا ببعض الأعشاب والتوابل التي تزيده نكهة تمنح الجسم شيئا من “المناعة” لتحمل برودة الطقس.. حسبما أوضحه الحاج طيفور القاطن بجنوب منطقة بريزينة. ولا تتجاوز علاقة البدو الرحل بالمحيط الحضري الطابع المناسباتي، حيث أنها غالبا ما ترتبط بحاجة التسوق، سواء لبيع أو شراء الماشية في الأسواق المخصصة لهذا الغرض. كما يتوجه البدو الرحل إلى المراكز الحضرية في أحيان أخرى لاقتناء الحاجيات الإستهلاكية، خصوصا منها الخضر أو بعض البقوليات، فيما تحقق هذه الفئة الاجتماعية اكتفاء ذاتيا في مواد اللحوم و الحليب ومشتقاته الأخرى، خاصة الزبدة أو الدهان الذي يستخلص من حليب الأغنام.