تجسد حياة البدو الرحّل بولاية البيض صورة حية لازدواجية تجمع بين التحدي لقساوة الظروف المناخية وارتباط وثيق بالطبيعة التي ينساق خلفها مُربو الماشية من البدو الرحل همّهم الوحيد في الإستقرار هو إيجاد المراعي الخصبة لمواشيهم التي تشكل مصدررزقهم ومعادلة هامة في حياتهم الإجتماعية· فرغم الظروف المناخية التي تميز ولاية البيض التي غالبا ما تنخفض درجات الحرارة بها خلال ليالي الفصل الشتوي إلى مادون الصفر أين يكون الصقيع قد رسا عبر التضاريسية الصحراوية للمنطقة ومجموع السهوب المترامية هنا وهناك ببعض الأقاليم ناهيك عن حلقات البرد المتولدة عن انخفاض درجة الحرارة إلا أن الحياة تستمر لدى البدو الرّحل الذين يحتمون تحت خيم مصنوعة من القش والوبر بنسيج محكم ومضبوط صنعته أنامل المرأة البدوية· وتعتمد المرأة في ذلك عي المنسج والخلاّلة وهما آلتان تقليديتان تستعملان في الحياكة النسيجية لتجعل من الخيوط الصوفية والوبرية خيمة تكون ملاذا لاحتماء العائلة من غضب الطبيعة ومستقرا لها داخل حياة البرية وبنفس الحنكة تستغلها أيضا في صنع الملابس الصوفية لأفراد العائلة المعروفة بالجلاّبة أوالقشابية ناهيك عن البرنوس أوالخيدوس وهي كلها ملابس صوفية أو وبرية تكون المرأة البدوية هي المهندسة الأساسية في عملية حياكتها ونسجها· وتجد في تلك العملية ملاذًا للإبداع والتفنّن تترجمه حقيقة مختلف الأشكال الهندسية والرسوم التي توقعها على مختلف الزرابي أو الأغطية التي تنسجها في آن واحد تلبية لحاجيات أفراد العائلة خلال هذا الطقس البارد· وتعتمد العائلات البدوية في معيشتها على ما تجود به عليها ثروته الحيوانية من حليب ولبن وزبدة ناهيك عن استعمال صوف الغنم ووبر الإبل في حياكة الخيمة وصناعة مستلزمات العائلة من ملبس وأفرشة وأغطية في حين يمثل القمح والشعير قوتا أ ساسيا بعد تحويله وطحنه إلى مسحوق الفرينة لصناعة الخبز أوما يُعرف محليا بخبز الزرع والمطلوع وهي كلها أنواع لها طعمها الخاص المعروف بمذاقه اللّذيذ وتمثل حرفة الرعي المهنة الأسايسة في عالم البادية وسكانها الذين توارثوا هذه المهنة أبا عن جد رغم الظروف القاسية التي يكابدونها في رحلة الصيف والشتاء داخل عمق البراري بحثا عن الكلأ والمراعي الخصبة حسبما يشير إليه الحاج المصطفى الذي يستقر مع عائلته في عمق بادية بلدية البنود الواقعة على بعد أكثر من 180 كيلومتر جنوب عاصمة الولاية البيض أن الطبيعة تعتبر موطنه الأصلي الذي لم يفكر في أي وقت أن يهجره أو أن يغيره فانتماؤه بها يعبر عن مرجعية داخلية بذاته وموروث منقوش بداخله مشبّها حياته بالسّمكة داخل الحبر إن خرجت منه فقدت حياتها· وأكّد خلال حديثه عن تمسكه بمحيطه البدوي وقناعته في هذه الحياة رغم بساطتها وصعوبتها أن شساعة البادية تجعل من الكثيرمنهم يتضرع للًّه وحده نحمده إياّه على نعمه وخيراته التي لاتبخل البادية بها على مخلوقاته· نفس الشيخ أشارإلى أن توجهه إلى المدينة أوالمناطق الحضرية لا يكون إلا في الحالات الإستثنائية لاقتناء بعض الأغراض أو المستلزمات أودخول سوق الماشية ماعدا ذلك فإن المدينة تمثل له عالما غريبا لم يفكر وقتا ما أن يتأقلم معه هذا ليعود نفس المتحدث أدراجه نحو قطيعه الذي لم يكن بعيداعن خيمته بخطى متثاقلة تحمل سر تشبثه بهذه الأرض الطيّبة التي تبقى تكنّ لأبنائها كل المودة والخير حسبما أكّده أحد أبناء الحاج المصطفى·(واج)