تعد ولاية النعامة من بين الولاياتالجزائرية التي لا تخلو من مقام أو ضريح ولي صالح أو قبة.. فلكل قرية ولِيها. وتختلف شهرة هذه المقامات وهؤلاء الأولياء وتتفاوت بقدر الأساطير التي نُسجت حولها، وتبعا لذلك ذاع صيت بعضها وتجاوز حدود البلدية أو الولاية، بل وأصبح رمزا معروفا في الجزائر وخارجها هكذا هو الشأن بسيدي أحمد المجدوب ببلدية عسلة، ولالاة مغنية بالمشرية، وسيدي موسى بعين بن خليل، وغيرها، في حين يبقى بعضهم محدود الشهرة ويدين له أهل المنطقة بالولاء. وحسب أحد العارفين بهذا الموضوع، فإن المقامات تبنى عادة وسط التجمع السكني أو خارجه، وهي عبارة عن بيت كبير يتوسطه ضريح توارثت الأجيال بأنه لولي صالح. ويضيف ذات المتحدث أنه في معظم الأحيان لا أحد يعرف شيئا دقيقا ومؤكدا عنه باستثناء بعض الأساطير التي هي أقرب إلى الخوارق منها إلى السيرة الذاتية لأشخاص أتقياء وصالحين. وتحظى المقامات بتبجيل العامة من الناس في ولاية النعامة، بل وأحيانا بتقديس مشوب بالرهبة والخضوع، فهي بصورة ما رموز لتاريخ غير محدود المعالم تحفه الطلاسم وتتخلله القوى الخارقة التي بإمكانها إحضار الكرامات في حالة الرضا، وبتسليط العقاب والبطش في حالة السخط. ويرى بعض المرتادين على هذه المقامات أن التقرب منها لا يتيح فقط جني البركات والخيرات ولكن يبعد الشر والأذى والهلاك وسوء المصير أيضا. والمتمعن في هذه الظاهرة يستنتج أن هناك نوعا من الولاء و الإحترام المشبع بالخوف بنسبة عالية عند السكان البدو بالنعامة.. وإن أقسموا بأوليائهم فهم لا يتراجعون أبدا! وحسب تصريحات بعض من التقتهم “الفجر”، فإن زيارة هذه المقامات تكون يومية وتحيط موضوعها السرية، خاصة من النساء اللواتي يتقدمن إلى الضريح للتبرك والتمني والتضرع لتحقيق أمنية ما أو لتجاوز محنة، أوالخروج من ورطة.. فهناك من تطلب الزواج لمن طال عليها الإنتظار، والإنجاب لمن عزّ عليها الوليد، وتحقيق الذكر لمن لا تلد إلا الإناث، وعودة الغائب لمن غادر عنها العزيز.. وتكون أيضا موسمية وخلالها تشعل الشموع وتقدم هبات نقدية لبواب الضريح وتعلق تعاويذ وأنسجة ولفائف. ولدى بعض المقامات الشهيرة بالولاية مثلا تكون هذه الزيارات جماعية كل يوم خميس، حيث تقبِل عائلات من أماكن بعيدة على متن حافلات مشكّلة موكبا احتفاليا بهيجا وتقضي ليلة بالمقام مليئة بالمدائح والأدعية.. وما تتميز به المقامات الذائعة الصيت، هو التجمع الكبير الذي يقام فيها كل سنة، ويسمى الوعدة.. ففي يوم معلوم من السنة متفق عليه يتوافد إلى المكان الآلاف من الناس من مختلف الأعمار لقضاء يومين أو أكثر في جو من المدائح وقراءة القرآن، وتقدم لهم أطعمة متنوعة من اللحوم والكسكسي والفواكه الطازجة والمجففة وغيرها. وفي مقامات أخرى يكون موعد اللقاء السنوي يوم عاشوراء، حيث يقبل الزوار من الجنسين بالمئات وتكون المناسبة فرصة للتقارب بين الشباب والفتيات بغرض التعارف على أمل عقد القران، وتكون فرصة أيضا للمصالحة بين المتخاصمين. وقد بلغ الإقبال على بعض المقامات في السنوات الأخيرة مستويات قياسية، حيث وجب تجنيد قوات الأمن لتنظيم المرور والمحافظة على النظام العام وسط آلاف من الوافدين، فيما يشبه حجا سنويا. ويقول مقدم أحد الطرق الصوفية بولاية النعامة أن الجميع سواسية يحتويهم وعاء واحد بلا تمييز، وإن هذه الظاهرة تعد امتدادا ضاربا في القدم صارت متأصلة في المجتمع النعماوي اليوم وتشكل موردا ماليا هاما للمقامات المقصودة، وفي كثير من الأحيان يستفيد من تلك الموارد الفقراء والمحتاجون بالمنطق، حسبه. ولحد الآن تتمتع بمكانة مرموقة في الوعي الفردي والجمعي، يختلط فيها الشعور الديني بذلك الإحساس الغامض لدى كل إنسان بالعالم الغيبي غير المفهوم عند السواد الأعظم. ويطلق على الأولياء الصالحين بالمنطقة عدة تسميات محلية.. كرجال البلاد، وحراس الأرض الذين يسهرون -في اعتقاد العامة - على حمايتها وعلى سكينتها وانتظام الحياة فيها. ويذكر ذات المتحدث أنه يجب كسب رضا هؤلاء الأولياء، فكم من امرأة رأت الولي الصالح بلحمه ودمه، وهي بين اليقظة والنوم في صورة شخص كل شيء فيه أبيض من لحية وعباءة وعمامة.. وكم من رجل تراءى له أحد الأولياء في صورة ثعبان رهيب أو وحش مروع بعدما تجرأ على ذكره بالسوء في سر أو علن، ومئات من الحكايات التي تتناول العلاقة بين رجال البلاد ومحروسيها.. فهؤلاء وأولئك يروون تجاربهم المروعة، وإن كانت عموما لا تصدق، لأنها أقرب إلى الخوارق منها إلى ما يمكن أن يستوعبه العقل، لكن معظم أهل النعامة لا يجرؤون على إبداء الريبة والإستخفاف مخافة أن تصيبهم اللعنة ويلحق بهم غضب وبطش أصحاب المقامات. وفي خضم الأساطير والحكايات الغابرة.. تبقى قدسية الأولياء الصالحين دائما قوية وحاضرة في أذهان سكان المنطقة.