أخي وصديقي الشاعر أحمد عبدالكريم، لم يكن لهذا السعال أن يعلو لولا إصرارك الجميل على أن أقترف خطى النشر الورقي. محبتي أيها المبدع".. بهذه العبارات المكتوبة بقلم أزرق، أهدى إلي الشاعر الصديق خالد بن صالح نسخة ورقية من ديوانه "سعال ملائكة متعبين" التي صدرت مؤخرا عن منشورات الإختلاف، والدار العربية للعلوم.. وقد كان لي شرف أن أكون شاهدا على مخاض ومكابدات ملائكة خالد، بحكم الصداقة والجغرافيا التي جمعتنا، لا أقل ولا أكثر.. لم يختلف المتابعون للشأن الأدبي في أن تجربة خالد بن صالح في ديوانه الأول "سعال ملائكة متعبين" تجربة غنية تحيل على تجربة ترعرعت في الهامش بعيدا عن صخب الكتابة، وكانت تؤسس لنفسها خارج المفهومات السائدة للكتابة في الجزائر.. لا يمكننا أن نحدد بدقة العناصر التي ترتكز عليها شاعرية خالد بن صالح.. هل هي اللغة المشحونة بمفردات الراهن؟ أم هي المقولات الإنسانية التي يفيض بها النص؟ أم هي التشكيل الشعري وشعرية التفاصيل الملتقطة من مشهديات الحياة بحس التشكيلي الذي يظل لصيقا بهذا الشاعر؟.. ومن خلاله يسرد الحياة بنثر قريب من الغنائية الباذخة.. وهي بعد ذلك كل مركب من هذا وذاك، ولا يمكن الفصل بين عناصرها إلا بالقدر اليسير جدا.. كشهادة على هذه التجربة يمكنني القول إن تجربة خالد بن صالح لمستُ ملامحها الأولى في النصوص التي نشرها في موقع "أوكسجين". في هذا المرحلة كان الشاعر مصرا على البقاء خارج تجاذبات الواقع الثقافي الجزائري لسبب أو لآخر، بنوع من الزهد في النشر أو محاولة الحضور داخل هذا المشهد وتناقضاته.. أما المرحلة الثانية فهي "امتحان الأثر" .. فبعد أن كتبت إلى الروائي الكبير بشير مفتي بخصوص تجربته الاستثنائية، وأرفقتها ببعض نصوصه، أبدى اهتماما خاصا بنصوصه التي كانت تستحق كل التثمين. وهنا كان علي أن أتوقف عن دور الوسيط، ليواصل خالد تجربته مع الأثر بالكثير من المساهمات والنصوص الملفتة.. لتأتي بعدها مرحلة ترشيح مجموعته للنشر ضمن إصدارات الاختلاف، في وقت كان يتم الحديث عن كساد سوق الشعر وعزوف دور النشر والقراء على الإقبال عليه.. هذا الترشيح الجريء من الإختلاف كان ينم عن نظرة ثاقبة وبصيرة وفراسة ثاقبة تراهن على كل ما هو جيد. ولم يكن الأمر ليتم لو استسلم القائمون عليها لمنطق السوق.. أواستسلموا لثقافة الإقصاء والوأد في المهد لتجربة خالد بن صالح، الذي قد يكون عينة عن نماذج كثيرة تستحق الاكتشاف والتشجيع.. بهذه الشهادة أردت أن أقول إن ميلاد تجربة خالد بن صالح يجب أن تعلمنا النظر إلى النصف الممتلئة من الكأس، والتعاطي مع بعضنا البعض بثقة ومحبة أكبر، بلا تراشق أو تباغض أو غيرة أو تحاسد، كما هو واقع في حياتنا الثقافية. وإذا كان الشاعر الصديق خالد بن صالح يلمح من خلال إهدائه لي إلى أنني كنت السبب الغير مباشر في صدور ديوانه "سعال ملائكة متعبين"، فذلك شرف لا أدعيه، وهو أقل ما يمكن أن يقوم به شخص تجاه شاعر موهوب بحجمه. أحمد عبدالكريم