تتعدد أسباب جرائم القتل في كل مرة، وبقدر ما تكون هذه الأسباب تافهة في بعض الأحيان، فإنها تكون في أحيان أخرى مرآة لواقع مرير يغرق فيه أفراد المجتمع، لاسيما منهم فئة الشباب، الذين يجدون أنفسهم في نهاية المطاف على عتبة السجن لسنوات طويلة جراء لهثهم وراء عالم من الملذات الكاذبة وفي القضية التي نظرت فيها محكمة الجنايات بمجلس قضاء البليدة، كان لأم الخبائث دور في صنع عالم مزيف من الملذات التي أدت بشاب لقتل قرينه بعد شجار نشب بينهما في ليلة سمر بإحدى الأماكن المخصصة لبيع المواد الكحولية بمدينة بوفاريك في البليدة. المتهم (م.تامي)، 32 سنة، في روايته للمحكمة، قال إنه قرر ليلة 14 أكتوبر 2009 العودة إلى إحدى المخمرات التي ألف السهر فيها لتعاطي المزيد من الخمر، وعند عودته التقى بالضحية بعين المكان جالسا في إحدى الطاولات مع اثنين من أصدقائه، وما كاد يتناقش معه في موضوع تافه حتى اختلط الحابل بالنابل من سباب وشتائم. ولم يكن لسيل الشتائم أن ينتهي دون أن يتعرض لحرمة والدة المسمى تامي، الذي فقد صوابه وهو يستمع إلى تلك الإهانات، فقرر الانتقام بطريقته ولو بعد حين. أراد النيل من غريمه في نفس الليلة، فعمد إلى تتبعه إلى غاية منزله في وقت متأخر من تلك السهرة، مستعملا دراجته الهوائية، ليتوجه نحوه بعد أن تأكد من جلوسه بالقرب من منزله ويفاجئه بعدة ضربات. وفي هذه النقطة بالذات، أكد المتهم أثناء جميع مراحل التحقيق أنه لم يكن يحمل أي آلة حادة ولكن الضحية كان يحمل سكينا، وهو نفسه الذي تمكن المسمى تامي من سحبه منه قبل أن يوجه له عدة طعنات قاتلة، حتى أنه قام بإعادة طعنه كل مرة كان يعاود فيها النهوض من الأرض، ما كان كافيا لإزهاق روحه قبل أن يصل إلى المستشفى.. ليقوم الجاني بعدها - حسبما جاء على لسانه - برمي تلك السكين في مكان غير محدد لم يستطع تذكره بالضبط، وعاد ليخلد إلى النوم في منزله دون إدراك لما اقترفه من جرم بشع.. إلى غاية إلقاء القبض عليه في صبيحة اليوم التالي من قبل مصالح الأمن التي لم تجد عائقا في تحديد هويته بناء على شهادة الشهود، الذين أكدوا الواقعة وتفاصيلها، حتى أن أحدهم أكد أن الضحية صرخ بأعلى صوته قائلا للمعتدي عليه.. “غدرتني يا تامي”، وهو ما لم يردع هذا الأخير عن فعلته وإنهاء مهمة الإنتقام. هذه الجريمة قادته في الأخير إلى أن ينال حكما بالسجن المؤبد، حسبما قضت به هيئة المحكمة، علما أن النائب العام كان قد التمس في حقه عقوبة الإعدام.