تعد الشجارات الجماعية من القضايا الساخنة التي تشهدها العديد من الأحياء الشعبية، لاسيما على مستوى العاصمة، حيث تفتح آفة الإدمان على المخدرات الباب على مصراعيه أمام المعارك الجسدية، التي كثيرا ما تنتهي بإزهاق الأرواح، تبعا لما يؤكده بعض المختصين في علم القانون... مناوشات تفجرها الأسلحة البيضاء
كثيرا ما تتناقل وسائل الإعلام أخبارا متعلقة بالشجارات، وإذا كانت هذه الأخيرة ليست بالغربية ولا الجديدة، فإن عامل الإثارة الكامن فيها هو أنها لا تحدث بين شخصين فحسب، إنما بين عائلتين أو جماعتين، مما ينجم عنه أضرار وخيمة.. أما البداية فعادة ما يكون سببها تافها ويثير حفيظة شخصين، ليحوله تدخل أطراف أخرى بين الشخصين المتخاصمين إلى الشرارة القابلة للاشتعال.. وباختصار، هي ظاهرة يتحول معها سوء التفاهم البسيط إلى معركة تسيل الدماء في وجود الأسلحة البيضاء في متناول الجميع، فهذا الجرم الذي سعى القانون الجزائري إلى محاربته بصرامة من خلال إصدار نص قانوني يعاقب على مجرد حمل السلاح الأبيض منذ سنة 2004 لم يفلح بعد في استئصال هذه الآفة من جذورها، حسب تأكيدات بعض رجال القانون الذين استفسرتهم ''المساء". وفي هذا الصدد توضح خبيرة حقوقية، طلبت عدم ذكر اسمها، أن الشجارات الجماعية تحدث غالبا نتيجة مناوشات كلامية تتطور بسبب استخدام الأسلحة، لاسيما البيضاء منها التي لا يستغني عنها الكثير من الشباب، بحجة استخدامها في حالات الدفاع عن النفس، بل ويحتفظ البعض بناء على هذه الحجة حتى بالسلاح الأبيض من الصنف السادس (الساطور)، وهو ما ينطبق على بعض أصحاب السيارات وبعض التجار ورجال الأعمال ممن يخشون التعرض للاعتداء ونهب ممتلكاتهم، ونتيجة ذلك، اللجوء إلى استخدامها تحت طائلة الغضب التي قد يكون وراءه الضغط الذي قد يتعرضون له في الطرقات أو عند التشاجر مع الغير بسبب حادث مرور. وتتابع المحامية قائلة : ''عدة قضايا متعلقة بالشجارات الجماعية تصل أروقة العدالة بصفة دائمة بسبب كثرة المنازعات، التي تلهبها مسائل الميراث والاحتقان المجتمعي المرتبط بالظروف الاجتماعية وبعض التجاوزات التي تصدر من طرف بعض الشباب تحت تأثير المخدرات ومختلف أنواع المسكرات.. ورغم تفاهة الأسباب التي تقف غالبا وراء الشجارات الجماعية، إلا أن تأثيراتها لا يستهان بها، ذلك أنها تشعل الفتنة في الحي كله أو بين الأقارب، كما أنها تتخطى في معظم الحالات حدود الضرب والشتم إلى جناية إحداث عاهات مستديمة أو سفك الدماء."
بين ضغوطات الحياة وتأثير المخدرات
وشرحت المحامية لدى تحليلها للظاهرة، أن الأحياء الشعبية كثيرا ما تشكل الحيز المكاني لهذه الظاهرة المروعة، نظرا للطابع العمراني السائد فيها والذي يتميز بتجمع عدد كبير من العائلات في فضاء جغرافي صغير ممثلا في العمارات، حيث تكثر المناوشات بسبب نشر الغسيل أو الإزعاج الذي يسببه صراخ الأطفال، فهذا الأخير كان كافيا ليحدث مؤخرا شجارا بين مجموعة من الجيران في أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة، وانتهت الواقعة التي أدت إلى استخدام الأسلحة البيضاء بموت أحد الجيران جراء طعنة قاتلة. وترى الحقوقية أن ظاهرة هروب العديد من الشباب من الواقع باللجوء إلى المخدرات وباقي أنواع المسكرات، تؤثر سلبا عليهم وتولد لديهم ضغوطات نفسية تفتح المجال لتشاجر المدمنين فيما بينهم تحت تأثير حالة اللاوعي، خاصة عندما يتعذر التفاهم حول سعر المخدرات والأقراص المهلوسة أو عندما تكون الكمية المعروضة للبيع غير كافية لسد احتياجات المجموعة، مما ينتج عنه في بعض الأحيان وفاة أحدهم إثر شجار عنيف أو تعرضه للسرقة. كما أن هذه الآفة التي تسمح للمدمنين بالجلوس أمام المنازل وإزعاج سكانها بالضجيج والكلمات النابية أو بالسخرية من المارة، كثيرا ما تدفعهم إلى التشاجر مع من يتجرأ على استنكار أفعالهم. وبرأي المتحدثة، فإن الظاهرة ترتبط بغياب الوعي الثقافي وتدني المستوى التعليمي الناجم عن التسرب المدرسي، ما يسمح لأتفه الأسباب بزرع فتنة الاختلافات التي تتناطح فيها الأجساد، خاصة في غياب أسلوب التحاور والافتقار إلى ثقافة التسامح، ولهذا السبب نجد في الكثير من الأحيان أن الطرف الثالث لا يصفي الخلافات، إنما ينحاز إلى أحد الأطراف المتخاصمة لإشعال فتيل الخلاف. على صعيد آخر، يكشف المصدر أن الميراث يعتبر أيضا من الأسباب الرئيسية لقيام الشجارات الجماعية، ومن الأمثلة على ذلك قضية جرت وقائعها منذ فترة في تيزي وزو، وتتعلق بنزاع نشب بين شقيقين بسبب قطعة أرض أدى إلى تدخل الأبناء والأعمام مما زاد من حدة الشقاق الواقع بين طرفي النزاع، وإثر ذلك قام أحدهما بضرب الآخر بواسطة حجر على مستوى الرأس فارداه قتيلا. شجار آخر بسبب الإرث وقع بين مجموعة من النساء ومجموعة من الرجال لتصل وقائعه إلى أروقة العدالة التي نظرت في القضية، والتي جاء في حيثياتها أن رجلا من منطقة دلس كتب وصية قبل وفاته تنص على تقسيم ممتلكاته على زوجته وشقيقاته وبناته، الأمر الذي أثار غضب أبنائه الذكور فقاموا بالتشاجر مع الوارثات، فضلا عن الطعن في الوصية على أساس أنها مزورة. وتكشف الملفات الخاصة بقضايا الشجارات الجماعية، أن الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم ككل والتي ليست الجزائر بمنأى عنها، تسفر في بعض الأحيان عن شجارات جماعية بين بعض أرباب العمل والعمال بسبب التسريح. كما أن طبيعة النظام اللبيرالي المنتهج، والذي يمنح الحرية للأفراد، يدفع ببعض الأشخاص في ظل غياب الرقابة إلى ممارسة الديمقراطية بصفة خاطئة تنجم عنها تجاوزات تؤدي إلى الشجارات.. وتشكل الأسواق الموازية مجالا خصبا لنشوبها، فتحت تأثير هاجس البطالة يحاول كل واحد من الباعة الفوضويين الحفاظ على مكانه ومنع أي شخص آخر من مزاحمته في الرقعة الجغرافية التي يحتلها، وهذا يعود بنا إلى وقائع جريمة وقعت في أحد الأسواق العاصمية منذ أكثر من سنتين.. البداية جرت عندما حاول أحد الشبان نصب طاولة في السوق فتدخل أحد الباعة ليمنعه من ذلك ثم سرعان ما تدخل باقي التجار الفوضويين وطعنوه بسكين فأضحى جثة هامدة. صحيح أن هذه المعطيات في مجملها تبرز أن الظاهرة محكومة بعوامل عدة، اجتماعية، ثقافية واقتصادية، لكن هذه العوامل باختلافها ليست في الواقع سوى أسباب غير مباشرة تخفي وراءها حقيقة غياب تنشئة سليمة تغرس في نفوس الأجيال قيم التريث والتحكم في الأعصاب ونبذ فكرة العنف الذي يفسد للود قضية.