بمجرد الاقتراب من معتقل ”قصر الطير” الواقع ببلدية قصر الأبطال، التي تبعد حوالي 27 كلم جنوب ولاية سطيف، ترتسم في ذهنك صورة التعذيب التي تشاهدها في أفلام الرعب، والروايات التي نقلها إلينا أجدادنا عن مآسي الشعب الجزائري ومعاناته، من ظلم وبطش المستعمر في تلك الحقبة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا في القرن العشرين يعد ”معتقل قصر الطير”، واحدا من مراكز التعذيب التي تبقى شاهدا على همجية المستعمر الذي تفنن في تعذيب الجزائريين، حيث مورست فيها أكبر وأبشع ممارسات إلحاق الضرر بكل من وطأت قدماه المكان، حيث كان مصير الداخل إليه - حسب شهادة مجاهدي المنطقة - الموت أو فقدان العقل، إلى درجة أنه اشتهر بمعتقل الموت البطيء، للوحشية التي كان ينتهجها العدو في عملية الاستنطاق. المركز شيّد في مكان استراتيجي مكشوف يصعب على المجاهدين الإغارة عليه أو الفرار منه. وحسب مصادرنا التاريخية، فإن المعتقل شيّد في سنة 1957 على مساحة تقدر ب10 هكتارات جند لبنائه آنذاك أزيد من 30 سجينا جيء بهم من مختلف ولايات الوطن ويتكون المخطط الهندسي لهذا المعتقل من 30 بيتا مقسمة إلى تسعة أقسام تحتوي على مراقد وقاعات للتعذيب محاطة بثلاثة أنواع من الحواجز، الأول عبارة عن حاجز مكون من أسلاك شائكة مزروعة بالألغام، يبلغ عرضها 6 أمتار، والثاني خط مجهز بالأضواء الكاشفة والثالث عبارة عن حائطين كانت تجوب بينهما كلاب الحراسة. وقد وصل عدد السجناء بهذا المعتقل في أواخر 1959 إلى حوالي 300 معتقل نظرا لشهرة النظام المطبق وبشاعة التعذيب المنتهجة التي لا تضاهيها بشاعة. وحسب شهادة المجاهدين، فإن صور التعذيب كانت تختلف من يوم إلى آخر وتزداد شدتها من طريقة إلى طريقة أبشع، حيث يقوم المعتقلون تارة، بحفر التراب الذي يمزج بالزجاج المكسر ثم يؤمرون بعجنه بأقدام حافية ثم تحول العجينة إلى قوالب من طوب تحمل على الأكتاف داخل المعتقل قصد استعمالها للبناء، وليت الأمر ينتهي عند هذا الحد ففي الكثير من المرات يطلب من السجناء إعادة تهديمه وإعادة التراب إلى سيرته الأولى، وتكرار العملية مرة أخرى.. وتارة أخرى يقوم العدو بنقل المعتقلين ليلا إلى واد قريب من السجن عراة حفاة فيلقى بهم في مياهه القذرة فمنهم من يتعرض للجرح نتيجة الزجاج المكسر أو إلى لدغات الأفاعي والحشرات الضارة، فيعود أكثرهم محمولا على ألواح خشبية بعد أن أنهكه الإرهاق أو تمكّنت منه الأمراض المزمنة. ومن صور التعذيب أيضا وضع المعتقل في سجن انفرادي بدون سبب معين ثم تنصب مكبرات الصوت ليلا يسمع خلالها المجاهدين كل عبارات الشتم ومرادفاتها وذلك لإحباط معنوياتهم، كما تعتمد في كثير من الأحيان إلى نشر الرعب في نفوس المعتقلين وذلك بأخذ أحدهم أمام قرنائه، فيشبعونه ضربا حتى يفقد الوعي ثم يأخذونه إلى إحدى الحفر القريبة عن المعتقل وهناك يطمر على مرأى إخوانه الذين لا يملكون إلا تشجيع زميلهم بنظرات وعبرات. وبالرغم هذا ثبت الأبطال على عهدهم ومبادئهم حتى جاء اليوم الموعود وخرج من كان في المعتقل من السجناء تجاوز عددهم 3200 معتقل. هذه بعض المشاهد التي وصفها المجاهدون عن صور التعذيب التي مارسها العدو الفرنسي على آبائنا المجاهدين الذين منهم من خرج سالما من هذا المعتقل ومنهم من فقد عقله أو أصيب بمرض مزمن. ونظرا لقيمة معلم قصر الطير التاريخية فقد خصصت وزارة المجاهدين غلافا ماليا قدر بحوالي 2 مليارو نصف من أجل تدعيمه بمتحف يحفظ ذاكرة أبطال أدوا الأمانة وجاهدوا في الله حق جهاده. و يبقى هذا المعتقل شاهدا على وحشية الدولة الفرنسية التي تدعي اليوم أنها من الدول المدافعة عن حقوق الإنسان .