صدقاً، ما كنت أعلم أن في بلدان الخليج العربية «ذكوراً» (بين قوسين طبعاً)، يؤدون دور الراقصة حتى شاهدت على التلفزيون جلسة من جلسات «الوناسة»، التي تدخل بيوتنا في عز الظهيرة بلا حياء أو خجل! في تلك الجلسات، رموز الطرب الخليجي، من محمد عبده إلى علي بن محمد وعبد المجيد عبد الله وحسين الجسمي وماجد المهندس وغيرهم، يؤدون ألحانا جميلة بإيقاعات خليجية وحضرمية فلكلورية رائعة. وفجأة تهب مجموعة من الراقصين «الرجال»، أحدهم قد بلغ من الكبر عِتيا، تتراقص بميوعة أكاد أجزم أن الراقصات المحترفات في ليالي القاهرة وبيروت لا يقدرن على مجاراتها! كثير من تلك الحركات أصابتني بالقرف والتقزز. وكيف لا، وتلك الجلسات تبث على فضائيات عربية لها حضورها القوي في البيوت العربية، وتعرض رقصات ميوعة لذكور يتبارون في «هز الوسط» ولبس الثياب الضيقة، وحركات أخرى هي أكثر قرباً لثقافة «الجنس الثالث» من عرضاتنا أو رقصاتنا الشعبية الرجولية؟! لا غرابة، إذن، أن تكون صورة الرجل الخليجي، في محيطه العربي وفي غيره، صورة مخجلة أو مزعجة، مرتبطة دائماً بالبحث عن «المحرم» ومهووسة بكل ما له علاقة بالجنس بأقبح صوره. تلك صورة ظالمة حينما تعمم على الجميع بفعل تصرفات قلة جاهلة شديدة الولع بالشكليات الباذخة، ومليئة بكل التناقضات في علاقاتها مع الجنس الآخر، وحتى مع ذواتها! لكنك أمام حالة يصعب فيها أن تدافع عن «الغالبية» من أهل الخليج، حينما تشاهد وفي عز الظهيرة فضائيات مهمة تعرض تلك الميوعة الذكورية، وكأنها نتاج ثقافي طبيعي لمجتمعات الخليج، أو هي جزء من تراث أهله وفنونهم!! أم أنني أجهل التراث الفلكلوري لأهل الخليج الذي يجيز لحفنة من ذوي الشوارب، أن تتراقص مثل النساء بإيحاءات جنسية تشمئز منها النفوس السوية؟! أرجوكم، أفهموني إن كانت هذه الرقصات وتلك الحركات المليئة بالشذوذ، هي جزء من ثقافة شعبية مقبولة ولا بأس من تعريف الناس بها، أم أن طفولتي التي تشكلت في مجتمع قبلي شديد المحافظة، هي السبب في موقفي «المنغلق» تجاه هذا المنتج الثقافي البديع؟! الذي أجزم به هو أن تلك الجلسات الغنائية، على جمالية كثير من ألحانها وكلماتها، لا تعكس سوى «الشاذ» من جلسات السمر الخاصة تلك، التي تقام في الاستراحات أو الحفلات الخاصة. وقد عشت في الغرب طويلاً وهو الذي ينظر إليه عندنا على أنه موطن الفساد والإنحلال ولم أشاهد مثل هذه المناظر المخجلة إلا عندنا. بل وأتحدى أن يسمح أي نظام إعلامي في الغرب «الفاسد» ببث مثل هذه الرقصات المخجلة، إلا بعد منتصف الليل، مع إشارة للآباء تحذرهم من السماح لمن هم أقل من 18 سنة بمشاهدة تلك الحركات الخارجة عن المألوف وعن الطبيعي. أم أن تلك الجلسات ليست سوى شاهد آخر على أننا فعلا نعيش عصر انحطاط عربي بامتياز على كل الأصعدة؟! هل تتذكرون رقصة «البرتقالة» التي هزت «الشارع الخليجي» قبل سنوات قليلة، حتى خشي البعض أن تصبح في عقول مراهقينا كما لو كانت نموذجاً للإبداع والتألق والنجاح؟ كيف نقبل كمجتمعات أن يكون «سقط الأمس» هم اليوم من أكبر الأخطار على ثقافة المجتمع وقيمه وذائقته وأخلاقه؟ وكيف تكون أدوات التأثير الضخمة في أيدي من ربما يمارس انتقاماً من «تهميش الأمس»، بتعميم ثقافة التسطيح و«قلة الأدب»، فتصبح هي السائد المقبول ومن يستنكرها يصبح المنغلق التقليدي، إن لم يتهم بالتطرف وكره الآخر؟ المضحك المبكي في «جلسات الوناسة» تلك، أن الراقصات «البنات» جلسن على الأرض بأدب وثقل بينما «الرجل الراقصة» يؤدي أدوارهن وسط الجلسة، وكأن هذا هو دوره الطبيعي في مثل هكذا مناسبة! أي ثقافة تلك التي تقيم الدنيا ولا تقعدها إن مس شرف المرأة ولو بكلمة، بينما ينتشي كثير من أهلها بميوعة بعض الذكور وشذوذهم؟! لعلي هنا لامست محرماً في «المسكوت عنه» في ثقافتنا، وربما أنني أسرفت في «تكبير السالفة» كما سيقول بعض الأصدقاء. ولكنني على يقين بخطر السكوت طويلاً عن مشاريع وأفكار تسعى، بقصد أو بجهل، لتعميم الميوعة وقلة الأدب في مجتمعاتنا، وتلك لا تنتج في النهاية غير «جيش» من أمثال «الراقصة» الخليجي في مناسبات «الفشيلة»، تلك التي تسمى اليوم ب«جلسات الوناسة»! بقلم: سليمان الهتلان