بظهور وسائل الترفيه والراحة ومع تقدم السكان باتت الكثير من مظاهر مجتمعاتنا سائرة في طريقها نحو الزوال والاندثار، ورغم أن الكثير يستحسنها إلا أن غالبية الناس يعتقدون أنها أثرت بشكل بارز على حياة السكان نتيجة زيادة التكاليف والأعباء المالية لتحقيق الراحة. ولعل الشاهد الأكبر في تغير نمط الحياة وزيادة تكاليفها تقاليد ومراسيم الزواج حاولنا في هذا الاستطلاع تسليط الضوء على بعض جوانب ومواطن التغيير، فكانت لنا جلسات مع شيوخ الأمس وشباب اليوم، كما أن المجتمعات الصحرواية أصبحت عاداتها وتقاليدها مهددة بالزوال نتيجة ولع الشباب بالحضارة الغربية ومظاهرها رغم ما فيها من ايجابيات، غير أن سلبياتها في ارتفاع تكاليف الزواج زاد في نسبة العنوسة وارتفاع سن الزواج ومن ثمّ تنامي ظاهرة التحرش الجنسي والاغتصاب. التضامن العائلي ميزة بارزة في أعراس زمان اتفقت الكثير من العجائز وشيوخ ولاية الوادي على أن الأعراس في الماضي أحسن بكثير من أعراس اليوم، إذ أصبحت تفتقر لعوامل التضامن العائلي، فبعدما كان الأهل يقدمون مختلف الهدايا المتمثلة في مجموعة كبيرة من الأغنام والكباش وحتى الماعز والسميد والزيت وأنواعا من المواد الغذائية ومساعدات مالية فتجد العائلة المقبلة على تزويج أحد أبنائها قد تحصلت على مساعدات تفوق في بعض الأحيان تكاليف الزواج، أما الآن فلا أحد يبالي بمساعدة العريس أو أهل العروسة. أعراس الماضي تمتد لسبعة أيام وليالي يذكر آباؤنا وأجدادنا أن أعراس زمان تمتد لغاية أسبوع كامل، أي سبع ليالي وسبعة أيام تقام فيها الأعراس والولائم ثلاثة أيام قبل موعد العرس وثلاثة أيام بعد العرس، أي أن العرس يبدأ يوم الثلاثاء ويمتد إلى الثلاثاء القادم. أسبوع كامل حافل بإقامة الولائم وتنظيم حفلات الزرنة ليلا، حيث إن الحي والقرية التي تشهد عرس أحد الجيران فإنها مجبرة على تناول وجبات الغذاء والعشاء في بيت العرس وهذا شريطة أن يقدم الجيران مساعداتهم سواء المادية أو المعنوية. الخطبة الرسمية تتم قبل أسبوع فقط بعد التعارف والتقارب تتم الخطوبة التي تحدد أسبوعا قبل الزفاف وفيها يقدم أهل العريس للعروس جهازها (ملابس، أقمشة، مصوغات تقليدية من فضة وذهب) علاوة على بعض المنتجات كالحنة، التمور والقمح الذي تقوم العروس بعد ذلك برحيه ثم عجن 20 خبزة منه وتوزع على الأهل والجيران. وبعد أسبوع تبدأ مراسيم الزفاف أثناء وقت العصر، حيث ينتقل أهل العريس إلى بيت العروس للحناء يحملون معهم قفة ”العطورية” وهناك تصب الحناء في قصعة كبيرة تعجنها نساء كبيرات في السن ويلبسن العروس ”البجماري” وتضفر شعرها بخيوط ملونة بالأحمر والأخضر وتحنى الفتيات ثم الأطفال فالعجائز، وأثناء ذلك تردد النساء المربوع ومنه ”سبقناك واحد ما سبقنا يا ربي عند الفتول تحضر الأنبياء والرسل”. .. ”الجحفة” أفضل مركبة لنقل العروس وفي الليل تنقل العروس إلى بيت العريس في الجحفة ”الهودج” ولا تنزل منه إلا محمولة من رجل يقرب لزوجها فلا يجوز أن تمشي على قدميها ويوضع معها في الخيمة طفل ذكر ولا يأتيها العريس إلا في ساعة متأخرة من الليل، كما أنه لا بد أن يخرج منها عند الفجر. تحمل العروس في اليوم السابع من الزفاف إلى البيت ولا تمشي. وعند عتبة البيت تضرب مسمارا في الأرض وتقول ”جايبة الأولاد وجايبة البنات” وهناك تقدم لها هدايا العريس المسماة ”المحشوش”، ويستمر ضرب البارود. وأثناء الليل تعطى قلة للعروس تجلب بها الماء والحشيش وفي الصباح تكلف بطحن القمح وبعدها يدخل العريس فيتسابقان في من يضرب الآخر دلالة على قياس الأقوى والأحسن منهما، وهي عادة يقول الآباء والأجداد تتخذ كوسيلة لنزع الحياء بين العريسين. المفارقة في ”أعراس اليوم”!؟ يقول من حضروا أعراس زمان إن أعراس هذه الأيام انعدمت فيها أدنى صور التضامن الأسري، ناهيك عن تضامن الجيران؛ فأهل العريس هذه الأيام لا يجدون مساعدة من طرف أهاليهم وأقاربهم وحتى جيرانهم، وانتشرت بكثرة الدعوات الفردية وهذا عكس الماضي، إذ كان كل من يسمع بإقامة عرس لفلان يأتي ومعه هديته، أو ما استطاع أن يقدمه حسب قدرته وبذلك تحضر البركة، كما يرى هؤلاء أن أعراس زمان موعد لتوحيد المتفرق وتصفية النفوس من الضغائن بين الجيران والأهل والأقارب فتجمعهم في العرس لمدة أسبوع كامل يأكلون ويشربون مع بعضهم البعض لتصفية الشجارات والضغائن. أما أعراس اليوم فإنها لا تكاد تخلو من المشاكل والشجارات بفعل انتشار شرب الخمور، فكثيرا ما تتحول إلى مأتم بسبب أم الخبائث التي لا تخلو أعراسنا منها ويشربها الجميع، إضافة إلى غلاء المهور والتباهي بارتفاعها مما جعل العديد من الشباب يعزفون عن الزواج بسبب عدم قدرتهم على تكاليفه، ناهيك عن أنه يجد نفسه يجابه تكاليف إعداد العرس وحيدا دون أية مساعدة.