استعاد شاطئ "عروس البحر2" بحي المرسى ببلدية برج الكيفان (غرب العاصمة) ثقة عائلات المنطقة والولايات المجاورة، بعد قطيعة دامت سنوات عدة بسبب تفشي ظاهرة السّرقة التي استطاع رجال الأمن بالتعاون مع أبناء سكان الحي القضاء عليها نهائيا وحرصهم على فرض الاحترام والتنظيم المحكم، ليستعيد بذلك نشاطه السياحي بقوّة، حيث يسجّل استقبال أكثر من 06 آلاف عائلة أسبوعيا، من بينهم سيّاح أجانب أبهرهم سحر المكان بجوه الساحر نهارا حيث يمكنك الهرب إليه من صخب المدينة وحر الصيف يتحول شاطئ برج الكيفان في الليل - حسب ما جاء في موقع الإذاعة الوطنية - إلى فضاء هادئ تلجأ إليه العائلات للاسترخاء، خاصة بعد مدّه بالإنارة من طرف مصالح البلدية، واستتباب الأمن بفضل دوريات رجال الأمن المستمرة على مدار ال24 ساعة، فلا يشغلك بعد ذلك شيء عن التمتع بنشوة فريدة يصنعها طعم المثلجات الرفيعة المعروفة بها "برج الكيفان" على وقع صوت الأمواج. عندما يتوفر الأمن وتغيب النظافة وباقترابنا من بعض العائلات التي جاءت لقضاء عطلتها، لمسنا ارتياحا كبيرا لديهم من الناحية الأمنية والجوّ العائلي المحترم الذي يأتي في مقدمة أسباب اختيارهم لشاطئ "عروس البحر2"، ارتياح قابله عتب واستياء من قذارة مياه البحر بسبب تسرب مياه الصرف الصحي من القنوات المتصدّعة، الأمر الذي بات يهدد صحة المصطافين ويشوه منظر الشاطئ، بالإضافة إلى انعدام أكشاك بيع المرطبات والمأكولات الخفيفة مما يضطر المصطاف للتنقل إلى قلب المدينة لشراء مستلزماته بدل التمتع بكامل وقته. كما عبّر البعض عن استيائهم من تغاضي البلدية عن التكفل بنزع كوابل الهاتف الدولية الممتدة تحت البحر والتي لم تعد تستخدم مع ثورة الأقمار الصناعية، حيث إنها تتسبب في جرح السباحين وكثيرا ما تؤدي إلى حوادث خطيرة خاصة لدى فئة الصغار. انشغالات باتت تقلق أبناء الحي الذين اقتربوا منّا ليوصلوا أصواتهم إلى السلطات على مستوى بلدية برج الكيفان طلبا للحصول على تصريح لفتح الأكشاك على الشاطئ خدمة للمصطاف، علّهم يتخلصون من شبح البطالة ولو في فترة الاصطياف، كما ناشدوا المسؤولين للاهتمام بإصلاح قنوات الصرف الصحي التي تكاد بقذارة مياها ورائحتها الكريهة المنفّرة أن تهدم كل ما بنوه لاستعادة زوار الشاطئ وإعادة سمعته الطيبة إلى أدنى مستوياته، حيث قال أحدهم: "أخاف إذا استمر الوضع على ما هو عليه أن تهجر العروس بحرها، ويتحول اسم الشاطئ إلى غول البحر". كما عبّر شباب الحي، الذين رفضوا استغلال الشاطئ من طرف الخواص، عن استيائهم مما تداولته بعض وسائل الإعلام عن إرغامهم للمصطافين على دفع المال قبل الدخول إلى الشاطئ، مكذبين ذلك الادعاء بشهادة بعض العائلات التي أكدت لنا أن ما يدفعونه لا يزيد عن أجرة كراء "الشمسيات" أو الكراسي والتي حددت البلدية أسعارها بمبالغ رمزية. ولدى تنقّلنا بين العائلات للاستفسار أكثر حول الوضع، اقترب منا أحد الصيادين المدعو "رابح"، صاحب الخمسين سنة، رجل مجنون بعشق ذلك الشاطئ، اصطاد أول سمكة فيه وهو في سنّ السابعة، يعرف كل كبيرة وصغيرة عن تفاصيل المدينة وشاطئها وأحوال شباب بلدية برج الكيفان، اقترح علينا الخروج معه في رحلة صيد ليطلعنا على سحر البحر الذي تكاد تهجره عروسه.. وحين أوقف محرك قاربه اكتشفت لأول مرة كيف يكون للصمت صوت يذوب فيه صخب المدينة وزحمتها، كيف يتقزّم حجم الغضب كلما عانقت البحر، كيف يسحرك هذا الوطن حين تتأمله من الزاوية الأفضل، أدركت من حديث ذلك الرجل لماذا لا يركب الصيادون أبدا على ظهر قوارب "الحراڤة"، لأنهم ببساطة أول شاهد على جثث أولئك الشباب وأحيانا على بقايا جثثهم، لأنّهم تعلموا كيف يعشقوا هذا الوطن كما تعشق الأسماك ماءها، ويصبروا على هموم الحياة كصبرهم على الرزق في شباك الصّيد. لا أحد يزور قصرك إذا لم تنظف مدخله كان رابح يحكي، وهو يجمع غلة يومه من شباك الصيد، عن مشاكل أبناء حيّه وعن صعوبة الصيد وحال الشاطئ المتردي. وأنا أراقب حركته العفوية حين يطعم عشرات النّوارس من السمك الذي اصطاده، وحين سألته قال إنها صدقة يبتغي بها البركة في رزقه، وأنّه ربّما سبب رزقها في هذا العرض، سخّره الله لها حتى لا تموت جوعا. وفي كل مرة يتلقف فيها الطير السمكة تتبعه البقية في معركة للظفر بها من فمه تماما كالبشر، وأيضا كمدينتنا التي بالكاد كنت أرى أشباح بناياتها من بعيد. انتهت رحلة الصيد وكما انطلقنا عدنا، تاركين كل ذلك الجمال خلفنا لندنو من شاطئ تتعالى منه أصوات الصغار وهم يسبحون في مياه تتسرب من قنوات الصرف الصحي. ساعتها أدركت أن "رابح" لم يأخذنا معه إلى عرض البحر ليخبرنا عن سر البحر الذي هجرته عروسه وإنما ليخبرنا أن لا أحد يتنبأ بجمال قصرك من الداخل إذا كانت واجهته قذرة، تماما مثلنا كنا سنعود أدراجنا من ذلك الشاطئ دون أن ندرك روعة المكان خلفه.