لم تستخلص فرنسا الدرس بعد، فمنذ حادث اختطاف طائرتها بالجزائر في ديسمبر 1994، الحادثة التي استغلتها لتشديد الخناق على الجزائر، وباريس تعدد الأخطاء تلو الأخرى في تعاملها مع الإرهاب. فبعد أن لام رئيسها آنذاك الجزائر على وقفها المسار الانتخابي بحجة الانحراف عن مبادئ الديمقراطية، وفرنسا تعمل في اتجاه متعاكس مع الموقف الجزائر تجاه هذه الآفة العابرة للقارات! فمنذ بضعة أشهر استجابت إدارة ساركوزي لشروط ما يسمى بتنظيم القاعدة، باتفاق مع دولة مالي، ودفعت الفدية لتحرير الرهينة، بيار كامات، الذي ظل محتجزا لثلاثة أشهر لدى ما بات يعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ولم تفرج عنه إلا بكفالة وبإطلاق مالي لأربعة إرهابيين كان التنظيم يطالب بتحريرهم في إطار الصفقة مع فرنسا، وهو الأمر الذي لم يرق للجزائر، التي ترفض الخضوع لمطالب الإرهابيين، وترفض خاصة منحهم الفدية التي تستعمل في شراء السلاح، الذي سيستعمل في اختطاف مزيد من الرهائن وفي تمديد عمر الأزمة الأمنية بمنطقة الساحل، التي تقف الآن على برميل بارود بسبب التساهل الذي يجده عناصر التنظيم الإسلامي في المنطقة من طرف حكومة مالي، وبسبب قبول بعض الحكومات، مثل ألمانيا، دفع الفدية مقابل تحرير مواطنيها. صحيح أن فرنسا، وبعد الانتقادات التي وجهتها لها الجزائر بعد عملية تحرير كامات، لم تخضع لشروط الإرهابيين ولم تدفع الفدية، واختارت استعمال القوة، لكنها لم تختر الشريك الذي يجب في هذه العملية، الشريك ذي الخبرة في ملاحقة العناصر الإرهابية والتي اكتسبها من سنوات الحرب التي خاضها مع الجماعات المسلحة في الجزائر وعلى الحدود الجنوبية، فرنسا اختارت التعاون مع موريتانيا، وقادت عملية هجوم فاشلة، خلفت أخطاء فادحة بقتلها لستة مدنيين لا يمتون بصلة للتنظيم، فكانت النتيجة تصفية تنظيم دروكدال للرهينة الفرنسي، وخرجت فرنسا بخسارتين في العملية، خسارة الرهينة وفشل الهجوم الذي قادته في منطقة ليست لها دراية بها، لأن الجيش الموريتاني لم يسبق له القيام بعمليات مطاردة للقاعدة بهذا الحجم. كان الأحرى بالفرنسيين التعامل والاعتماد على الجزائريين في هذه القضية، لأن الجزائر لا تمانع في استعمال القوة، لكن أن تكون هذه القوة مدروسة ومضمونة النتائج. لكن فرنسا ما زالت لم تتحرر من عقدة اسمها الجيش الجزائري، وفضلت المغامرة على حساب سلامة رهينتها، فكانت النتيجة التي نعرفها.