في هذا الحوار يقسم الدكتور عبد الحفيظ لحول بأغلظ الأيمان أن ثورة التحرير لم تنته بعد إذ قبل الحديث عن علاقات بين الجزائروفرنسا لابد من الحديث عن ضرورة استكمال الاستقلال الوطني الذي ظل منذ 1962 عرضة للمساومات لأن الثقافة الاستعمارية لا تزال قائمة في الضفة الأخرى في الوقت الذي لا يزال من يسميهم أصحاب الولاء والخيانة قابعين في مناطق النفوذ ولا يريدون لجزائر حرة مستقلة أن تنطلق بسلام إذ ما إن تحاول النهوض حتى يتربصوا بها. لكن بالمقابل لا يرفض محاورنا فتح صفحة جديدة بين الشعبين الجزائري والفرنسي إذ لا ينكر عاقل ما بينهما من روابط هي فوق إرادة الأفراد هنا أو هناك. أما بالنسبة لتجريم الاستعمار فقد دعا محدثنا الرئيس بوتفليقة للبدء في حراك دولي في هذا الشأن ثقتنا كبيرة في حنكة الرئيس بوتفليقة لإعادة القطار إلى السكة
حاوره أحسن خلاص بداية من هو عبد الحفيظ لحول العبد الضعيف ابن شهيد 1950 بقرية نقاوس من الأوراس الأشم من أسرة فقيرة متواضعة والدي كان من مجاهدي الثورة وكتبت له الشهادة في ميدان الشرف والتحقت به الوالدة في حادثة 19 جوان متزوج وأب لأربعة أبناء كلهم إطارات. متخرج من المدرسة الجزائرية العتيقة، من الزاوية الحملاوية إلى المدرسة الكتانية بقسنطينة إلى المعهد الإسلامي إلى الجامعة الجزائرية إلى جامعة بغداد بالعراق الشقيق، كانت تلك المرحلة محطة قوية جدا بالنسبة للوضع المادي الذي كنت أعيشه لكن في آخر المطاف انتصرت الإرادة وانتصر الطموح الشرعي فتقلدت عدة مناصب في الدولة الجزائرية وقدمت لبلدي كل ما أملك بكل صدق وأمانة وأملي أن أواصل في هذا الخط الغالي الذي ترعرعت عليه وليس أدل على ذلك أن المناضل رئيس اللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية حسين لحول هو عمي وهو من مؤسسي الحركة الوطنية ومن الأوائل الذين نادوا باستعمال السلاح لتحرير هذا الوطن واليوم ونحن على أبواب ذكرى عزيزة وهي عيد الاستقلال والشباب وفي هذا اليوم بالذات ( الحوار أجري يوم الثلاثاء 29 جوان) أقف وقفة ترحم على روح فقيد الجزائر الغالي المرحوم محمد بوضياف وسنكون حاضرين إن شاء الله بمقبرة العالية لنرسخ موقفنا من هذا الرجل والبطل الذي ضحى بكل ما يملك من أجل الجزائر والجزائر فقط. على ذكر الرئيس محمد بوضياف الذي كان أحد مفجري ثورة التحرير الوطني التي دامت 7 سنوات ونصف من التضحيات توجت باستقلال الجزائر الذي نعيش ذكراه ال 48 بعد أن حققت الجزائر أشواطا عديدة في طور البناء والتنمية وفي كل مرحلة نعيد النظر لمفهومنا للاستقلال. ما هو المفهوم الذي يمكن أن نقدمه في 2010 للاستقلال الوطني؟ الثورة الجزائرية كما أشرتم ثورة عظيمة وعملاقة. ما يؤسفني أن كل البلدان التي قامت بثورات أقل حجما وتضحية من ثورتنا كتبت تاريخها بصدق وصرفت أموالا طائلة من أجل ذلك إلا الجزائر بلدي، صرفنا الملايير لكي لا يكتب تاريخ هذا البلد وهذه الثورة العظيمة ودعني أنقل لك قناعة شخصية وهي أن هذا التاريخ لم يكتب ولن يكتب مادام أصحاب الولاء والخيانة موجودين على أرض هذا الوطن وأقصد بهم ما يسمى حزب فرنسا الذي لا يمكن أن نسميه كذلك لأنه غير معتمد ويعمل في الخفاء ولا يزال أصحابه ون متواجدين في دواليب السلطة وفي مراكز القرار ويقومون بما تمليه عليهم فرنسا من إملاءات فوقية لا تخدم مصلحة الجزائر والأجيال الصاعدة ولذا فنحن بتواجدهم لا نتفاءل خيرا ولا الازدهار لهذا البلد.
لكن اليوم، كتابة التاريخ أصبحت مرسخة في الدستور بمناسبة التعديل الأخير على الدستور الذي أدرج البعد التاريخي كأولوية وطنية ألا ترى أن هذا كفيل بتخطي الحواجز التي ذكرتموها؟ العبرة ليست في دسترة البعد التاريخي وصونه دستوريا أو بقوانين ومناشير رئاسية المشكلة في أن جيل الاستقلال لم يتبن لحظة واحدة البعد التاريخي والثوري. لماذا في نظرك هذا العزوف عن التاريخ بغض النظر عن أصحاب الولاء والخيانة كما سميتهم؟ التاريخ الحقيقي يكتبه من عايشه. يقدمونه لنا مادة خام وعلى المختصين أن يقوموا بالغربلة الأكاديمية العلمية. جيلنا تعلم في المدارس والجامعات أن مؤتمر الصومام هو المرجعية الحقيقية للثورة حيث انطلق منها بناء النواحي والتقسيم الإداري وتقليد الرتب وغير ذلك لكن بعد انتفاضة 5 أكتوبر 1988 والانفتاح الديمقراطي في عهد الشاذلي بن جديد خرج بعض قادة الثورة للحديث عن مؤتمر الصومام وكأنه خيانة ومن هؤلاء أذكر سي بن طوبال الذي كان كاتبا ومقررا في المؤتمر وبن بله الذي يصفه في مذكراته وكأنه خيانة أو كفر ثم يأتي سي عبد الرزاق بوحارة ثم يأتي سي خالد نزار ليكتب عن مؤتمر الصومام ألا ترى أن فرنسا لما خرجت من الجزائر لغمت الاستقلال سياسيا مثلما تركت ألغاما في حقول جزائرية لتواصل القتل؟ فرنسا لم تخرج من الجزائر تماما. أخرجت فرنسا من الجزائر جيشها بعساكرها ودباباتها وطائراتها المقنبلة وكل عتادها لكن فرنسا لم تخرج فكريا من الجزائر إلى حد الساعة إذن هو مجرد وقف للقتال. الألغام المزروعة في الإدارة لا تزال إلى يومنا هذا وخير دليل على ذلك، وسبق لي أن صرحت بهذا، أن فرنسا الاستعمار والجمهورية الخامسة الديغولية بالذات جاءت ب 10 آلاف عميل من المغرب وهؤلاء يسمون بأصحاب الجنسية المكتسبة وزرعتهم في عام 1958 وانتهت العملية في عام 1961. كان تواجد هؤلاء كما رتبهم الاستعمار الفرنسي بإشراف من الكولونيل إدموند في البلديات المختلطة كما تسمى آنذاك وفي الدوائر وفي الولايات ال 15 آنذاك وتواجدوا كذلك في قباضات الضرائب كنا وجدناهم كذلك في مصالح الغابات وفي شركة النقل بالسكك الحديدية الفرنسية آنذاك وفي البريد وهي الإدارات التي كانت موجودة. ومع بروز الصاص SAS قاموا بمهام الترجمة واستنطاق الثوار والفدائيين والمسجونين ومباشرة بعد الاستقلال أخذ هؤلاء الجنسية الجزائرية بقوة تواجدهم في الجزائر وبعد الاستقلال أظهروا الولاء للنظام الجزائري لكن في نيتهم كانت الخيانة هي سيدة الموقف وإذا ما لاحظنا نسبة من قال لا لاستقلال الجزائر في استفتاء تقرير المصير نجد أن هذه النسبة تنطبق على عددهم آنذاك وإلى غاية اليوم يقوم هؤلاء بتنفيذ خطة جهنمية داخل الإدارة الجزائرية وعلى كل المستويات ومن بين وقاحاتهم أنهم سنوا قوانين تمكن الإبن أو البنت من أخذ مكان أبيه عند تقاعده ولم يتم إلغاء هذا القانون إلا في العشرية الأخيرة فقط. العلاقات السياسية والديبلوماسية بين الجزائر اختلفت حسب المراحل وعرفت مدا وجزرا وصراعات ونقاط التقاء في بعض الأحيان. في رأيك ألا تؤثر شخصية الرئيس هنا أو هناك على مسار هذه العلاقات؟ الجزائر الفتية في سنواتها الأولى إلى غاية 1964 كان توجهها أكثر نحو القومية العربية التي كانت تقودها الزعامة المزيفة المصرية وكانت تفرض علينا توجهات ومخططات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر مما جعلها تبتعد ظاهريا عن فرنسا ولكنها وقعت في احتلال معنوي من قبل الأشقاء تحت شعار الجزائر تكفينا وتكفيكم أي نحن أصحاب الحق. وكانت هناك برودة في العلاقات الجزائرية الفرنسية خدمة للنظام المصري ورأينا ما جرى بين الجزائر والمغرب على الحدود ورأينا الصراع الداخلي الذي خلفته لنا فرنسا بين الولايات والتناحر بينها لاحتلال العاصمة وأخذ السلطة فوقعت الجزائر في حرب زعامات من تدبير فرنسي وتنفيذ محلي ومن هذه المرحلة بدأ قيام النظام الذي بني على الفساد. الرئيس أحمد بن بله تم فرضه على الجزائريين من قبل جمال عبد الناصر فكنا بين قطبين: قطب فرنسي وقطب عربي مما خلق الصراع بين أيت احمد وأحمد بن بله والجماعة الآتية من الشرق وجماعة وجدة وقاعدة غرديماو وغيرها كل هذا كان من تخطيط المخابرات الفرنسية وبمساعدة من المخابرات الأمريكية. لكن فرنسا لم يكن لها تأثير واضح على الاتجاه الإيديولوجي للجزائر بعد الاستقلال بدليل توجه الجزائر نحو الاشتراكية القريبة من النموذج الكوبي واليوغسلافي أو حتى السوفياتي يكفيني القول إن المساعدات الإنسانية للجزائر كبلد مستقل كانت تأتينا من أمريكا لكن رئيسنا آنذاك احمد بن بله يزور كوبا ويسب أمريكا من هناك. وفي عهد الرئيس بومدين بعد الانقلاب عام 1965 جاء النظام البومديني بنظرة متشبعة بالاشتراكية لكنها لم تكن الرؤية الاشتراكية الحقيقية بل كانت نظرة مزيفة. الكل يطبل ويرقص للسيد ويثني عليه ويظهر حبه وإخلاصه للوطن والكل يعارض السيد في أن يتجه الاتجاه الصحيح لأن أصحاب الولاء والخيانة كانوا العقل المدبر لهذه المفارقة لكن يمكن القول إن هذه المرحلة شهدت جمودا وتوترا لا سابق لهما. وأدى التوتر إلى اتخاذ قرار بإرجاع جميع مهاجري الجزائر في فرنسا إلى وطنهم وتم تحضير مجموعة من السكنات ومؤسسات لتشغيلهم وهنا أتى تخطيط جهنمي آخر حيث خلقوا بلبلة حيث اتخذ قرار في فرنسا بعدم استيراد الخمور الجزائرية فأعقبه قرار باقتلاع شجرة العنب من الجزائر وهي التي كانت تحتل مساحات واسعة في عدة مناطق من البلاد وخلقت مناخا رطبا وهذا الفعل المدبر هو ما أعطى مناخا جافا ساهم في وضع الجزائر في أزمة خانقة. المعروف أن الرئيس بومدين اتخذ قرارات ناصرية مثل قرار تأميم المحروقات أقوى ما كانت تكتسبه الجزائر هو المخابرات الجزائرية وهذا الشيء اعترف به حتى في مذكرات المدير العام للمخابرات الأمريكية الذي قال إنه لم يعرف في العالم العربي لديه إمكانيات قوية مثل الجزائر. قرار تأميم المحروقات في نظري وكاقتصادي له وجهان وجه سياسي بحكم تمكيننا من التخلص من التبعية ووجود بعض من رؤوس الأموال الفرنسية بالجزائر لكن الشركات الفرنسية التي أخرجها المرحوم بومدين من النافذة أدخلتها السياسات الأخرى من الباب والمتحكم في كل هذا كان اللوبي اليهودي الذي كان دائما هو المسيطر على الجانب المالي عالميا وكان له باع في تسيير بعض البلدان الأوروبية. ويمكنني أن أجزم أن اللوبي اليهودي في فرنسا أقوى اقتصاديا وماليا من اللوبي اليهودي في أمريكا. الرئيس بومدين كان صارما في علاقاته مع فرنسا ورفض زيارة فرنسا حتى للعلاج فيها لما اشتد به المرض. وأحسن فترة حظي فيها الشعب الجزائري باحترام الفرنسيين كانت الفترة البومدينية.
وماذا عن مرحلة الشاذلي بن جديد؟ الكل يعلم أن فرنسا مرت بعد رحيل بومبيدو ومجيئ جيسكار ديستانغ بفترة عصيبة وكانت على شفا حفرة من النار واستمرت الأزمة إلى أن جاء الرئيس ميتران الذي وجد الوضعية على وشك الانهيار ولم تجد فرنسا من يمد لها اليد إلا الجزائر فعادت إلى مستعمرتها القديمة بأساليبها الجهنمية وهنا لا يمكن أن نحمل المسؤولية للرئيس الشاذلي وحده بل لكل الفريق الذي كان يعمل معه لأن من أدخل الجزائر في دوامة المديونية هو السياسة الفرنسية وتأثيرها على الحكومة الجزائرية آنذاك فكان التخطيط يتضمن توفير الظروف للتدخل تحت ذريعة حماية الأقليات أو حماية مستعمرتها وفق ما جاء في اتفاقيات إيفيان.
لكن النظام البومديني كان أكثر صلابة وثباتا في المواقف تجاه فرنسا ترجمته القرارات المتعلقة بالهجرة الجزائريةلفرنسا عام 1968 والثورات الثلاث التي كانت بمثابة آليات للتخلص من التبعية ناهيكم عن العلاقات المتوترة بين الراحل بومدين والقادة الفرنسيين في عهده عكس المرحلة الشاذلية التي امتازت بتحول كبير نحو المرونة وكانت هناك علاقات متينة بين الرئيس الشاذلي والرئيس ميتران في ثمانينيات القرن الماضي النظام البومديني كان قويا بقوة الجيل. تلك الطاقة الشبانية التي كانت موجودة في الثانويات والجامعات التي كانت تؤمن إيمانا راسخا بسياسة البلد والتوجه السياسي للرئيس بومدين فأعطى قوة للنظام القائم. فكان ذلك الجيل مواليد الخمسينات هو القوة الضاربة للرئيس بومدين زيادة على أن الظروف الدولية آنذاك كانت مؤاتية حيث أن العلاقات الجزائرية بالمعسكر الاشتراكي آنذاك أدت إلى إحداث التوازن. ألا ترى معي أن الرئيس الشاذلي أراد أن يخلص العلاقات الجزائرية الفرنسية من الطابع المتشنج المشحون بالخلفيات التاريخية ليجعل منها علاقات عادية تنبني على مصالح مثلها مثل أي علاقة بين بلدين مستقلين؟ لا بل أقول إن الذين مازالوا يحملون في أذهانهم الجزائر الفرنسية هم الذين أثروا على الرئيس الشاذلي بن جديد حتى ينفتح على الجزائر دون البلدان الأخرى والابتعاد شيئا فشيئا عن الاتحاد السوفياتي والمنطقة العربية والتوجه نحو فرنسا وأمريكا لأن الرئيس الشاذلي قام أيضا بجولة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية. لكن دعني أقول إن الديبلوماسية الجزائرية التي كان يقودها عبد العزيز بوتفليقة بحنكته السياسية والديبلوماسية، القوية قوة ذلك الجيل في عهد الرئيس بومدين، تلك الديبوماسية كانت قوية جدا وكانت تفرض كلمتها وتوجهها في المحافل الدولية إضافة إلى تناغم هذه الديبوماسية مع التعبئة الداخلية بحيث لما يكون هناك حراك ديبلوماسي خارج البلد يعقبه تحرك الطلبة بتظاهرات ومسيرات في الشوارع تأييدا للموقف الجزائري خارج الوطن فكان صوتنا يصل، لكن بعد رحيل بوتفليقة عن الديبلوماسية الجزائرية آنذاك وافتقاد الجزائر لحنكته وخبرته بدأت الديبلوماسية تضعف حتى انهارت تماما في وقت من الأوقات. وما زادنا قوة هو الحركات التحررية التي كانت موجودة في البلد والتي كانت تحرج فرنسا كثيرا كانت هناك 26 حركة تحررية مستقرة في الجزائر وكانت الجزائر تدعم هذه الحركات سياسيا ولكنها كانت تستفيد منها اقتصاديا بقوة. إذن في الثمانينيات كانت للنظرة الاقتصادية البراغماتية الغلبة على النظرة الإيديولوجية والسياسية المرتكزة على التحرر من الهيمنة والاستعمار وهنا كان المنعرج. المخطط الثلاثي الفرنسي الأمريكي الإسرائيلي ضد الجزائر بالتحديد بدأ يتجسد بعد رحيل الرئيس هواري بومدين. هذا المخطط بدأ بإضعاف الديبلوماسية الجزائرية وبداية انهيار الإيديولوجية التي تربى عليها الجيل لعدم استمرار الاعتناء بالفرد وتم القضاء على روح المقاومة والوطنية لدى الجيل الجديد وكان كلما يقوم به وزير الخارجية على الصعيد الدولي كان يعتبر لا حدث ولا معنى له لأنه لم يكن يجد السند الضروري في الداخل. في عهد الشاذلي حدث الانفتاح ورفعنا شعار تنويع الاستثمارات والتجهيز. لما قدم الشاذلي بن جديد استقالته في 11 جانفي 1992 كان أول رد فعل للرئيس ميتران أن ما حدث في الجزائر غير عادي على الأقل وهو تعبير ضمني عن الطابع المفاجئ للحدث ومن ثم دخلت الجزائر، التي كانت في صراع مع الإرهاب، في عهد من التشنج من الحكومة الاشتراكية التي كانت قائمة في التسعينيات في فرنسا بعد القضاء النهائي على الديبلوماسية الجزائرية والقضاء على النسيج الاقتصادي الجزائري وتفكيك الكتلة العمالية وإدخالنا في دوامة المديونية بدأ التخطيط لزعزعة استقرار البلاد داخليا من طرف اللوبي اليهودي في فرنسا وأمريكا حيث جاءت المخابرات الأمريكية في بداية الثمانينيات بزعيم الاقتصاد الجزائري المسمى عبد الحميد ابراهيمي بغرض تفكيك القوة العمالية والقوة الضاربة الموحدة وهذا الاقتصاد المبني على أساس النظرة الاشتراكية برؤية جزائرية وبأيادي جزائرية مؤمنة بجزائر موحدة لغة وترابا ودينا. العيب في هذا النظام البومديني أنه لم يطلب أبدا النجاعة المالية من المؤسسات الاقتصادية كانت الخزينة العمومية هي الضامن للتوجه الاقتصادي. بدأ تفكيك هذه الشبكة بما يسمى إعادة الهيكلة والبداية من البنية التحتية بدئا من المؤسسات البلدية فالولائية ثم المؤسسات الوطنية على مراحل لخلق البطالة على جميع المستويات ولما تم تفكيك المؤسسات اتخذ القرار لإعطائها الاستقلالية مما أدى إلى الزج بإطاراتها في السجون أو الهجرة. هناك حوالي782 إطارا دخلوا السجون وبعد خروجهم من السجون اضطروا للهجرة في ذلك الوقت ثم جاءت إملاءات أخرى بترقية عبد الحميد إبراهيمي من وزير التخطيط إلى الوزير الأول وأصدر قرار الخوصصة التي جعلت الذين باعوا باليد اليمنى يشترون باليد اليسرى من الولاة ورؤساء الدوائر ورؤساء البلديات. لكن كيف لهذا التخطيط الثلاثي كما ذكرت أن ينجح بعد أكثر من 20 سنة من الاستقلال في العودة بهذه القوة بالرغم من المقاومة الشرسة في عهد بومدين؟ هذا ليس بسر لأن مجموعة الولاء والخيانة كانت موجودة داخل المؤسسات النافذة في الحكم وهي التي أتت بعيد الحميد الإبراهيمي وعينته بإملاءات من اللوبيات التي ذكرتها من أجل الوصول بالبلد إلى أزمة اقتصادية ومجاعة ثم الوصول إلى المطالبة بالديمقراطية وتغيير نظام الحكم فجاءت انتفاضة 5 أكتوبر 1988 التي توجت هذه المسيرة من إعادة الهيكلة وغلق المؤسسات وخوصصتها لنصل إلى التعددية الحزبية بما فيها خلق حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحل. وهنا أتذكر أن نائب وزير الخارجية الفرنسي آنذاك التقى سي مولود حمروش وقال له إذا لم تخرجوا الدبابات فإن الفيس سيأتي على الأخضر واليابس ثم ذهب إلى عباسي مدني وقال له إذا لم تحتلوا الشوارع فسوف يخرجون الدبابات ويحتلها الجيش قبل أن يمتطي طيارته ويذهب إلى باريس. لكن التعددية الحزبية كانت قائمة قبل ذلك وكان أغلب المعارضين للنظام آنذاك موجودين بفرنسا ومن كان خرجها كان يحظى بدعمها. طبعا كان كل من كان معارضا إلا ونال عطف أو دعم فرنسا بما فيهم المرحوم سي محمد بوضياف والمرحوم كريم بلقاسم ومحمد بوضياف لما كان في المغرب كانت فرنسا تعطف عليه بالرغم من وطنيته وتاريخه وإخلاصه وعداوته لفرنسا ولما وصل محمد بوضياف إلى أعلى هرم السلطة كان لابد أن يغتال بتدبير فرنسي وما جرى في البلاد فيما بعد اغتياله معروف حيث دخلت البلاد في دوامة العنف والإرهاب التي خلفت الآلاف من الضحايا ولولا مجيئ الرئيس زروال إلى السلطة وهو الذي وضع الفرنسيين عند حدهم وكان مستعدا لقطع العلاقات مع فرنسا التي أغلقت على الجزائر كل الأبواب خاصة بالنسبة لدعم مكافحة الإرهاب. فرنسا كانت هي القاعدة الخلفية للإرهاب. كانت تمرر الأسلحة للجماعات المسلحة عن طريق غينيا التي كانت السند القوي للثورة الجزائرية ثم أصبحت موالية للمغرب وعن طريق مالي. عدة مسائل اعتبرت ظرفية لكنها كانت بمثابة آليات ضغط فرنسية على الجزائر منها قضية رهبان تبحرين، قضية زيان حسني، مسألة نية الأقدام السوداء استعادة أملاكهم الفردية وآخرها ما أثاره فيلم بوشوارب من ضجة في فرنسا. العلاقات الجزائرية الفرنسية منذ 1962 إلى اليوم مرت بأربع مراحل تاريخية هامة جدا أولها مرحلة فرنسا المذلة (بفتح الذال) من قبل النظام البومديني حيث انزوت في زاوية لا حدود لها. المرحلة الثانية هي عودة فرنسا بقوة إلى تسيير دواليب الحكم بعد القضاء على قوة جيل السبعينيات. المرحلة الثالثة محاولة عودة فرنسا أثناء العشرية السوداء لكن أبناء الجزائر وقفوا وقفة رجل واحد ضد عودة فرنسا أما المحطة الرابعة فهي المحطة التي نعيشها الآن لكن غضب الثلاثي الفرنسي الإسرائيلي الأمريكي أشد لأن الجزائر استطاعت أن تتخلص من المديونية القاتلة وتخرج من أزمتها الاقتصادية وهذا الانتصار لا يغتفر للجزائر وفرنسا اليوم تتخبط في أزمة اقتصادية خانقة والجزائر في صحة مالية. المعروف عن جاك شيراك أنه الوحيد من بين رؤساء فرنسا الذي مد يده للجزائر واقترح معاهدة صداقة معها وهو الاقتراح الذي قوبل بالرفض من الأسرة الثورية التي اشترطت تقديم فرنسا الاعتذار للجزائر.
يجب الاعتراف أن جاك شيراك كان سياسيا محنكا وذا رؤية بعيدة أدرك أنه لا سبيل لفرنسا للخروج من أزمتها الاقتصادية إلى بدفع ديناميكية جديدة للعلاقات مع الجزائر طمعا في ثرواتها فحاول قدر الإمكان وخاصة مع فبركة السنة الثقافية للجزائر بفرنسا ولكن اللوبي الفرنسي المتطرف والحاقد وقف في طريقه ومن وقاحاته قانون تمجيد الاستعمار. لكن شيراك استقبل استقبالا حارا في العاصمة بصيحات طلبا للفيزا الضغط الفرنسي الذي كان موجودا بعد فيضانات باب الواد أدى إلى انسداد ونقمة على النظام. الصيحات كانت صيحات غضب على النظام أكثر منها ترحيبا بالضيف فكانت وسيلة للتعبير. بعد كل ما قيل هل يمكن أن نقول في 2010 وفي عهد ساركوزي المقاول من الجيل الجديد والذي تكاد تكون علاقته بفرنسا علاقة موضوعية والذي قال لها صراحة إنه جاء ليبحث عن أسواق جديدة لفرنسا ويقابله هنا في الجزائر رجل اسمه عبد العزيز بوتفليقة متشبع بروح الثورة والتحرر. في رأيك في جدلية الثورة والثروة لمن الغلبة آنيا ومستقبلا هل للتاريخ المشترك أم للمصالح الاقتصادية؟ فرنسا أصدرت قانونا لتمجيد الاستعمار وجاء تصريح وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الذي قال إن العلاقات مع الجزائر لن تعرف الاستقرار إلا بذهاب جيل الثورة لكن نقول لكوشنير ومن يذهب مذهبه أنه بعد رحيل الرعيل الأول من آبائنا المجاهدين هناك جيل آخر يحمل المشعل وأفكار الثورة التحريرية وأفكار الوطنية الحقيقية صحيح أن في الجزائر من يتصارع من أجل الثروة ولكن هناك بقية قوية لا تزال تؤمن بالثورة وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله. ولكن نحن لسنا مع تمزيق الصفحة ولكننا مع طيها وفتح صفحة التعامل الند للند ومن مصلحة الجزائر أن تقيم علاقات قائمة على المصلحة المتبادلة مع فرنسا خاصة وأن هناك عامل اللغة وهو مهم لكن هناك فرنسيون لا يزالون ينظرون إلى الجزائر باحتقار وهذا مرفوض جملة وتفصيلا. في الماضي كنا نتحدث عن اللغة الفرنسية على أنها غنيمة حرب واليوم نتحدث عن الفريق الوطني على أنه غنيمة حرب للجزائر على فرنسا حق الثروات الباطنية التي نهبتها وعليها حق اليد العاملة التي بنت الاقتصاد الفرنسي من المهاجرين الجزائريين ولا تزال إلى اليوم اليد العاملة الجزائرية هي المنتجة في فرنسا وليس اليد العاملة الفرنسية اليد العاملة الجزائرية تقوم بكل ما هو عمل شاق في فرنسا للجزائر على فرنسا حق لأن الاقتصاد الفرنسي وقطاع الخدمات خاصة يستفيد بقوة من الأدمغة الجزائرية ورأسمال الجزائريين المقيمين يعادل 42 بالمائة من محيط الأعمال في فرنسا بصفة عامة. والآن جاليتنا تفوق مليون ونصف مليون نسمة، إضافة إلى أصحاب الجنسية المزدوجة والذي يقارب عددهم 800 ألف. فمحكوم على الشعبين أن يترفعا عن المستوى السياسي وأن يتعايشا بغض النظر عن المواقف السياسية وإذا استطاع الشعبان تحقيق هذا التعايش فإن السياسة سوف تتطور في هذا الاتجاه ورياح التغيير آتية لا محالة. والعلاقات الجزائرية الفرنسية لن تعرف النور إلا باعتذار فرنسا عن جرائمها بالجزائر وتجريم الاستعمار لابد أن يكون بقانون دولي وهذا من اختصاص الديبلوماسية الجزائرية التي يديرها الرئيس المحنك عبد العزيز بوتفليقة ونطلب منه التدخل والفصل في الموضوع.