تتساءل جمعيات أولياء ونقابات قطاع التربية حول مدى التزام وزارة التربية بتطبيق التعليمات والمشاريع التي تعلنها من حين لآخر دون سابق إنذار، ودون استشارة أهل الاختصاص، مشككة في مصداقية مسؤولي القطاع بعد أن بقيت أغلبها حبرا على ورق، وظلت حبيسة أدراج مكاتب الوزير أبو بكر بن بوزيد، لاستحالة تطبيقها على أرض الواقع باعتبارها افتراضية ولا ترتقي لمستوى التجسيد، والكارثة أن بعضها أثار اضطرابات أدت إلى التراجع في تطبيقها، على غرار مشروع المآزر، وتلقيص حجم الحصص إلى 45 دقيقة، والمتابعة القضائية للأولياء الرافضين تدريس أبنائهم وكذا المدارس المتنقلة. توالت تعليمات وزارة التربية الوطنية، وكثرت المشاريع التي كان يكشف عنها الوزير في كل لقاء يجمعه بمدراء التربية لمختلف الولايات، دون أن يجد لها الرأي العام أثرا على أرض الواقع، وبقيت مجرد تصريحات، لتقصى مع مرور الزمن من خريطة انشغالاتها، وهو ما أكده المكلف بالإعلام بالمجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي والتقني، بوديبة مسعود، الذي قال في تصريح ل”الفجر” إن “قرارات عدة ومراسيم متتالية لم نجد لها أثرا على الميدان، ما جعلها تمس بمصداقية الوصاية ومسؤوليها”. وأوضح بوديبة أن غياب التجسيد دليل على أنها قرارات فردية، وفوقية، تجاوزت الشركاء الاجتماعيين، ولم تخضع لاستشارة المختصين بالقطاع، ما يجعلها افتراضية يصعب تحقيقها، والغريب في القضية أن طرح أغلبيتها على الرأي العام أثار جدلا واضطرابات قوية، على غرار مشروع توحيد لون المآزر، وتقليص حجم الحصص إلى 45 دقيقة، ما جعل ثقتهم في مسؤولي القطاع تهتز، حسب المتحدث. من جهته، قال رئيس اتحادية جمعيات أولياء التلاميذ، أحمد خالد، إنها مشاريع ماتت قبل أن تولد، في إشارة في المرتبة الأولى إلى التعليمة التي شدد الوزير على تطبيقها بداية من الدخول المدرسي المنصرم، والمتعلقة بمقاضاة الأولياء الرافضين تدريس أبنائهم البالغين ست سنوات من العمر. وانتقد أحمد خالد صمت الوصاية تجاه التعليمة، واعتبر تغاضيها عن مراقبة دفاتير الولادات لإرغام الأسر على تدريس أبنائها، محاولة لإخفاء حقيقة فشل المشروع منذ بدايته، بالرغم من تداول اعتماده بداية من الدخول المدرسي المقبل، موضحا أن الوزارة عاجزة على تطبيقه لما تحتاجه العملية من وقت ومجهود، حيث يتطلب التنسيق مع البلديات، وهو مستحيل حسبه بسبب انشغال هذه الأخيرة باستخراج الوثائق الإدارية خصوصا لحاملي شهادة البكالوريا، في الوقت الذي يبقى مشروع إنشاء مدارس متنقلة خاصة بأبناء عائلات البدو الرحل مجرد تصريح، يبقى بدوره حبرا على ورق، باعتبارها تتناقض وسياسة البلاد على حد قول المتحدث، لما تتطلبه من إمكانيات يصعب توفيرها للأولياء. وفصل في الموضوع المكلف بالإعلام على مستوى الاتحاد الوطني لعمال التربية، عمراوي مسعود، منتقدا بالدرجة الأولى مشروع مقاضاة الأولياء، الذي وصفه بالإشهاري أكثر منه تطبيقي، في ظل تقاعس رؤساء البلديات ومديريات التربية، عن جرد الأطفال غير المتمدرسين. وتبقى المدرسة المتنقلة بعيدة المنال، يضيف عمرواي، وهو المشروع الذي كان سيلي مباشرة تعليمة المقاضاة، لمنع الأولياء التذرع بحجج غياب المدارس وعدم إرسال أبنائهم للدراسة، حسب ما كان قد صرح به وزير التربية سابقا، حيث قال عمراوي “إن المؤسسات الثابتة عاجزة عن توفير الإطار التربوي في العديد من المناطق بالبلاد، فما بالك بالمدارس المتنقلة التي ترافق البدو الرحل، ويجبر فيها الأساتذة على التنقل في ظروف معيشية صعبة، تفتقر إلى كل الوسائل الضرورية من عيش كريم”. هذا بالإضافة إلى مشروع آخر يعود إلى أزيد من ثلاث سنوات، يتمثل في “مشروع الخزائن في الأقسام، للتخفيف من ثقل المحافظ، على الأطفال”، ولم يغادر أدراج مكتب الوزير أبو بكر بن بوزيد، حيث ثمنه عمراوي، لقابلية تطبيقه، غير أنه أكد أنه يحتاج إلى إمكانيات ضخمة، ناهيك أن العديد من الأقسام لا تستوعب إضافة أدراج لحفظ كتب التلاميذ، في ظل الاكتظاظ الذي تعرفه الأقسام بالمؤسسات واقترح بالمناسبة تجزئة الكتب إلى عدة أجزاء، حسب الفصول، للتقليل من ثقل المحافظ، وحفاظا على صحة الأطفال. فيما وجد مصدرنا مشروع تخفيض حجم الحصص إلى 45 دقيقة غير منطقي، ويؤرق تلاميذ وأساتذة مرحلة الابتدائي أكثر، لما سيرافق ذلك من رفع عدد الحصص بحيث تصل إلى حد عشر حصص يوميا، داعيا الوزارة إلى إعادة النظر في المناهج التي أضحت غير مستوعبة لكثافتها، وتشكيل خلية تفكير مع الشركاء الاجتماعيين لإيجاد الحلول الناجعة لضمان السير الحسن للقطاع. وفي الأخير يأتي المشروع الذي هز الدخول الاجتماعي المنصرم، وهو مشروع المآزر الملونة بالأزرق والوردي، حيث قال عنه الجميع إنه فاشل، والدليل حسب عمراوي تراجع الوزير عن إلزامية تطبيقه، خلال السنة الدراسية 2009 / 2010، ونفس الشيء بالنسبة للدخول المقبل، حيث ألح بن بوزيد على مدراء التربية بعدم فرضه. وتساءل ذات المصدر عن جدوى إصدار التعليمة ثم التراجع عنها بعد ذلك، مؤكدا أنه كان من المفروض على وزارة التربية وبالتعاون مع وزارة التضامن منح المشروع لمؤسسات النسيج، والعمل على الإشهار عبر وسائل الإعلام الثقيلة لشرح العملية للأولياء، خصوصا وأنها عملية تساهم في تجنب الفوارق الاجتماعية.