تعاني ولاية أم البواقي من أزمة خانقة في مياه الشرب تفاقمت أوضاعها منذ أوائل جوان الماضي، حيث تعالت أصوات المواطنين في معظم بلديات وقرى ومداشر ومشاتي الولاية في الآونة الأخيرة، نتيجة انقطاع المياه، فسكان بلدية هنشير تومغني بدائرة عين كرشة نفد صبرهم نهاية الأسبوع الماضي، وخرج المئات منهم إلى شوارع المدينة في مسيرة حاشدة حاملين قنينات ماء فارغة لمطالبة المجلس الشعبي البلدي بتوفير مياه الشرب، التي يقولون بأنها لم تصل إلى منازلهم منذ أربعة أشهر كما قام المحتجون بقطع الطريق الرابط بين بلديتهم وبلدية عين كرشة لبضع ساعات، فيما سارعت مصالح الدرك الوطني إلى فتح الطريق واعتقال خمسة أشخاص من المعتصمين بينهم شيخ يبلغ من العمر 80 سنة، قال إنه لم يشرب ماء حنفيات مسكنه منذ أكثر من أربعة أشهر، وأنه متقاعد وأب لعدة أولاد جميعهم عاطلين عن العمل وأن منحة التقاعد الزهيدة أصلا يذهب ربعها لشراء المياه المعدنية. وقال “يوسف.ل” وهو أحد السكان المحتجين، بأن أبناء المنطقة لجأوا إلى الاحتجاج السلمي لمطالبة السلطة بتوفير مياه الشرب، التي تعد أبسط الخدمات الأساسية والضرورية، ونظرًا لتقاعسها عن تلبية مطالبهم اندفع المحتجون إلى قطع الطريق بعد أن ملّوا من وعود المجلس البلدي والمسؤولين عن قطاع المياه بالمدينة، غير أنه فوجئ باعتقاله من قبل أجهزة الأمن مع معتقلين آخرين. وأكد يوسف ل “الفجر” بأن الدرك الوطني بهنشير تومغني أفرج عنه في المساء، بعد أن أخذ منه تعهدًا بألاّ يقوم بأي احتجاج من هذا النوع، وهو ما اعتبره مصادرة وتقييدًا للحقوق المكفولة قانونًا، داعيًا السلطات المحلية والولائية إلى توفير مياه الشرب للمواطنين بدلا من اعتقالهم. وأوضح محدثنا بأن شركة الجزائرية للمياه توفر المياه للمشاريع الاستثمارية والمدن السكنية في كبريات مدن ولاية أم البواقي، فيما يظل سكان هنشير تومغني بحاجة إلى شربة ماء تروي عطشهم في هذا الحر الشديد. وفي أوائل شهر جويلية الماضي تظاهر المئات من سكان بلديات قصر الصبيحي، الجازية، الرحية، أولاد زواي، واد نيني وقاموا بقطع الطريق وإحراق إطارات السيارات التي استمر تصاعد دخانها لساعات وتسبب في إعاقة وشل حركة المرور، واكتفت السلطات الأمنية بفتح الطريق وإعادة الوضع إلى ما كان عليه بعد التفاوض مع المتظاهرين، فيما وعدتهم السلطات المحلية بإنهاء معاناتهم. وتتزامن أزمة المياه مع حرارة صيف خانق تشهده ولاية أم البواقي منذ شهر جويلية الفائت، الأمر الذي تسبب في معاناة كبيرة للمواطنين. وتحدث ل”الفجر” عدد من المواطنين، وقالوا بأنهم لجأوا ولأول مرة إلى شراء خزانات المياه، والتزام سهر متواصل حتى ساعات الصباح، في انتظار قدوم الماء، غير أنهم في الأيام الأخيرة لم يتمكّنوا من الحصول على أي كمية من المياه لعدة أيام تراوح ما بين أسبوع كامل وحتى خمسة أشهر كاملة. وفي مشهد غير مألوف بالنسبة لسكان بعض المدن الكبيرة كعين مليلة، أم البواقي وعين البيضاء شاركت ولأول مرة الحمير في البحث عن الماء في بعض المؤسسات العمومية والخاصة، وغدا منظر الحمير وهي تجوب شوارع هذه الحواضر الكبرى مشهدًا مألوفًا بالنسبة لسكان تلك المدن الكبيرة، لا سيما بعد تفاقم أزمة المياه، وتكرار الانقطاعات المتكررة عن المنازل، حيث يؤكد أحد مواطني عين مليلة بأن الماء لم يصل إلى منزله منذ أسبوعين بعد أن كان يتزوّد به في بعض الأيام خلال ساعة متأخرة من الليل، مشيرًا إلى أنه يعجز عن شراء المياه، الأمر الذي جعله يلجأ إلى بعض الجيران في انتظار أن يأتي الفرج. وتتواصل معاناة السكان مع الماء الشروب مع بداية شهر رمضان في المناطق المذكورة، خاصة وأن الجهات المعنية عجزت في إيجاد الحلول. وكان والي أم البواقي قد أكد خلال الدورة الأخيرة للمجلس الولائي على ضرورة تحسين توزيع المياه ودعم الشبكات وتسطير برنامج لتحسين الأوضاع عبر مختلف بلديات الولاية.