وأخيرا، فإن سياسة العرض الشهيرة، كما يقول الاقتصاديون، أي تلك السياسة التي تجعل من المؤسسة محور اهتمامها الأساسي، بدأت تتشكّل عندنا. لقد تحدثنا مرات عديدة أن برامج الإنعاش المنتهجة من طرف الحكومة منذ بداية العقد الحالي (الاستثمارات العمومية في مجال البنية التحتية، تحسين الأجور، سياسة إعادة توزيع الثروة والتحويلات الاجتماعية...) مكّنت بالفعل من إعادة الحياة للآلة الاقتصادية الجزائرية. لكننا لا يجب أن ننكر من جانب آخر، أن الانتعاش الاقتصادي عند طريق الطلب الداخلي، والذي دافعنا عنه عند إقراره بداية العقد الجاري، قد أثبت محدوديته اليوم، وبلغ حدوده القصوى. لقد أشرنا عدة مرات إلى أن تحقيق نمو اقتصادي مستدام وقوي (بدون تضخم وبدون عجز عمومي) على الحكومة مرافقة برامج الإنعاش بسياسة عرض مواتية، أي بسياسة مواتية لدعم المؤسسة الاقتصادية التي تعتبر الخزان الرئيسي لإنتاج الثروة وهو ما قرّرته الحكومة وهذه نقطة جيدة. لقد وافق المجلس الأخير الذي عقد في 11 جويلية الماضي، على سلسلة من الإجراءات لصالح المؤسسة الاقتصادية، وهي إجراءات جاءت لتأكيد التوجيهات الجديدة للسياسة الاقتصادية التي أعطت أخيرا مكانة للمؤسسة. منذ بداية العام الجاري 2010، تمكّنا من الوقوف على 5 مجموعات من الإجراءات الموجهة للمؤسسة التي توضح أن الحكومة تحاول إكمال برامج الإنعاش عن طريق الطلب، بواسطة سياسة العرض، التي تستهدف تشجيع الاستثمار المنتج وتشجيع الإنتاج الوطني. ويمكن أن نشير إلى أول إجراء من بين سلسلة الإجراءات الخمسة، وهو: 1 مراجعة قانون الصفقات العمومية: من خلال هذا التعديل، فإن الحكومة تأمل في تعزيز مشاركة المؤسسات الوطنية في تلبية الطلب العمومي، بالإضافة إلى رغبتها في تمكين المؤسسات الوطنية من الاستفادة من إنجاز البرامج الضخمة للاستثمار العمومي. إن الهامش الأقصى للأفضلية الوطنية للمؤسسة المحلية التي تكون الأغلبية في رأسمالها جزائرية، بالإضافة إلى المنتجات والخدمات المحلية، تم رفعه من 15 إلى 25 بالمئة. بمعنى أن الصفقة تمنح للمؤسسة الجزائرية حتى وإن عرضها يفوق عرض المنافسين غير الجزائريين بنسبة 25 بالمئة. وهناك أيضا إلزامية الاحتكام للمناقصة الوطنية فقط، كلما كان الإنتاج الوطني أو أن قدرات الإنتاج الوطنية قادرة على الاستجابة للطلب المعبر عنه. وهي النقطة التي تهدف إلى تشجيع المزيد من المؤسسات والشركات الوطنية على المساهمة القوية في إنجاز برامج الاستثمار العمومية. 2 إعادة تأهيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة: لقد وافق مجلس الوزاري المشار على برنامج ضخم هادفا من خلاله لإعادة تأهيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (وهي العملية التي تعادل 5 مليار دولار، من الموارد العامة لتحضير المؤسسة الوطنية لمواجهة المنافسة الدولية والسماح بتنويع الصادرات). ويتكوّن برنامج التأهيل من خمس نقاط: أ تكلفة التشخيص الأولي والتشخيص النهائي للمؤسسة سيكون على عاتق الدولة بنسبة 80 بالمئة. ب الاستثمار غير المادي ستتحمّله الدولة في حدود 3 ملايين دج، في شكل دعم عمومي مباشر وقرض ميسر. ج الاستثمار المادي تتحمّله الدولة في حدود 15 مليون دج. د إنجاز الاستثمار الضرورية والاستثمارات التكنولوجية والعلمية وتنمية الإطار البشري، يستفيد من دعم وتيسير جزئي لفوائد القروض المحصلة. في الفترة بين 2010 و2014 حددت الدولة هدفا وهو إعادة تأهيل 20 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة، بغلاف مالي يصل إلى 380 مليار دج من الخزينة العمومية. 3 تطوير أنظمة التمويل، والاستغلال والاستثمار والتجهيز: أخذت الحكومة أيضا إجراءات تسمح بتطوير تمويل أنشطة المؤسسات، كما تم الشروع في وضع نظام للإجارة المالية (الليزينغ) لصالح المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بدأ يرى النور مرحليا، وخاصة مع إطلاق البنك الوطني الجزائري وبنك التنمية المحلية، لمؤسسة مختلطة للإجارة المالية، بالإضافة إلى اتفاق الشراكة الذي وقعه بنك الجزائر الخارجي مع المجموعة البنكية "أي.أ. أس"، ومع مؤسسة الاستثمار "سويكورب". كما قامت البنوك العمومية برصد مبالغ هامة لإقراض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حيث رصد البنك الخارجي من هنا إلى غاية 2014، مبلغ 5 مليار دج، مقابل 80 مليار دج للبنك الوطني الجزائري لتمويل الاستثمارات. يشار إلى أن البنوك يرافقها في هذه العملية صندوق ضمان القروض، الذي سبق له وأن قدّم ضمانات ل470 عملية بقيمة تفوق 30 مليار دج. 4 في إطار تشجيع خلق المزيد من مناصب الشغل قررت الحكومة تمويل عمليات توظيف الشباب حملة الشهادات من طرف المؤسسات: يتم إعفاء المؤسسات لمدة ثلاث سنوات من دفع مساهمة المؤسسات في الاشتراك في صندوق الضمان الاجتماعي. كما تقوم الدولة بالمساهمة في تغطية جزء من الأجر الذي تدفعه المؤسسات للموظفين بعقود غير محددة. كما تستفيد المؤسسة من تخفيض الضغط الذي تتحمّله المؤسسة في مجال الأجور كلما قامت المؤسسة بتوظيف شبان خريجين جدد. 5 الإجراء الخامس الذي يستحق التذكير به، يتمثل في عصرنة المناطق الصناعية، وخلق فضاءات جديدة لاستقبال الاستثمارات: كما يعرف الجميع، فإن محددات سياسة العرض التي تضع المؤسسة في قلب اهتمامات وعلى رأس أولويات السياسة الاقتصادية، بدأت تتبلور بالفعل. ولكن قد نستطيع وضع ملاحظة: 1 لا تزال هناك بعض المعوقات الحقيقية وهي: أ مسألة تكوين الإطارات المسيرة في مجال المناجمانت التي يمكن التكفل بها بطريفة فعالة من طرف المدارس العليا المتخصصة على غرار معهد الدراسات التجارية العليا والمدرسة العليا للتجارة وغيرها من المعاهد العليا المتخصصة. على الدولة تشجيع رؤساء الشركات بالاندماج والمساهمة في تمويل إنشاء المزيد من هذه المدارس العليا التي تعمل أولا وقبل كل شيء لصالح المؤسسة. ب إنه من الضروري التكفل الجيد بالبرنامج الضخم الموكل للمؤسسة وخلق هيئة مهمتها التكفل بمتابعة هذا البرنامج ومتابعة مدى انسجامه، بشكل لا يتعارض مع مرصد المؤسسات أو دار المؤسسات أو وكالة متابعة...إلخ. إن إشارة من هذا القبيل من الحكومة، ستكون قادرة على تحفيز وإنعاش "قطاع الأعمال".