قرار مجلس الوزراء الأخير، المتعلق بإنشاء ديوان لمحاربة الفساد في قانون المالية التكميلي، ذكرني بالقرار المتخذ سنوات التسعينيات، عندما قررت الحكومة إنشاء مرصد لمحاربة الرشوة والفساد، المرصد الذي اختفى في صمت دون أن نعرف النتائج التي حققها وما رصده من فساد ومن فاسدين. واليوم، صار الفساد يستحق حقا مرصدا لرصده مثل المراصد الفلكية، لأن أرقام الفساد صارت فلكية، ويصعب على اللسان النطق بها دون التلعثم، لكن لا بأس أن يكون هناك ديوان لمحاربة الفساد، على ألا يكون الديوان مطابقا للمعنى اللغوي للكلمة، وهو تدوين الظاهرة دون التصدي لها، وألا يكون ديوانا مثل دواوين العهد الاشتراكي، كديوان الخضر والفواكه “أوفلا” التي تنسق بين المزارع والتجار، وألا يكون ديوان مكافحة الفساد ديوانا للتنسيق بين الخزينة والسراق. لكن، لماذا ديوان لمكافحة الفساد ؟ لماذا تركنا الظاهرة تتفاقم الى هذا الحد، مع أن الدولة تتوفر على إمكانيات وأجهزة رقابة ضخمة لمنع الفساد، لو أن هذه الإمكانيات وهذه الأجهزة كانت تعمل بطرقة طبيعية وقانونية، فإلى جانب أجهزة أمنية، من شرطة ودرك متطورة وتتوفر على إمكانيات بشرية ومادية كبيرة ومؤهلة، هناك مجلس المحاسبة، الذي كان من المفروض أن يكون أهم أداة للتصدي للفساد وسوء التسيير، لكنه كان مهمشا في فترة حرجة من تاريخ الجزائر، مثلما همش البرلمان الذي لم يقم بدوره هو الآخر تجاه الظاهرة، التي بلغت مستوى لم تعرفه البلاد من قبل، ولا أتحدث هنا عن أجهزة الرقابة المالية الأخرى، ووسائل الرقابة على مستوى كل مؤسسة، وحدها الصحافة المستقلة حاولت التصدي للظاهرة وكشف الفساد، لكن دون جدوى. فلو أن الدولة أجبرت كل هذه الأجهزة على القيام بدورها في أوانها، ووفق ما يقتضيه القانون، ما كنا بحاجة إلى مرصد للفساد أو لديوان لمكافحته. لكن، ماذا عساه يفعل الديوان عندما يكون الفساد على مستوى وزارة مثل وزارة الطاقة والمناجم، ومثل مؤسسة سوناطراك، وهل سيتطرق الديوان إلى ملف شكيب خليل وغيره من الرؤوس الكبيرة أم سيكتفي فقط بالتنسيق بين أجهزة مكافحة الفساد؟ الخوف أن يكون مجرد “خيال السانية” لتخويف اللصوص ليس إلا.