شاهدت، ليلة أمس، في الطريق السريع الرابط بين حيدرة وبوشاوي، لقطة مرورية غاية في الطرافة..! فقد شاهدت سيارة رسمية سوداء مسبوقة بسيارة حراسة خاصة، ومتبوعة بأخرى لم أتبين أمرها.. وكانت السيارة الرسمية تستعمل الأضواء الزرقاء لفسح الطريق أمامها.. ودخلت السيارة الرسمية في عراك مروري مع شاحنة زبالة تسير في نفس الإتجاه..! الشاحنة تنقل الزبالة إلى مفرغة أولاد فايت.. أما السيارة الرسمية فتنقل مسؤولا كبيرا على ما يبدو إلى إقامة الدولة في نادي الصنوبر..! أو لنقل إلى مفرغة إطارات الدولة في نادي الصنبوبر..! والعراك المروري جرى على من له حق السير في الشريط الأصفر؟ كان المشهد مضحكا..! "صاشيات" الزبالة تتطاير في السماء على السيارة الرسمية، والمياه النتنة تسيل من شاحنة الزبالة وتعطر الطريق بروائح هائلة من عطور كريتسيان ديور الباريسية المنتجة في أحياء العاصمة الأشد فقرا..! ركنت سيارتي جانبا، ورحت أضحك حتى سالت دموعي على عبقرية هذه السلطة التي جاورت بين إقامة الدولة في نادي الصنوبر وبين مفرغة الزبالة العاصمية في أولاد فايت..! ونِعم الجوار بين الإطارات في إقامة الدولة وقمامة الشعب العاصمي في أولاد فايت..! وما أروع سلطة الجزائر حين تسير في نفس اتجاه قمامة الشعب!! وتشم روائحه العطرة؟! فمن قال إن سلطة الجزائر لا تحب الشعب الجزائري؟ فها هي لا تتخلى حتى عن قمامته فتسير معها في الطريق وتجاورها في الإقامة أيضا..! فالسلطة الجزائرية تعشق عطور زبالة الشعب لأنها سلطة شعبية..! أليست الثورة من الشعب وإلى الشعب تماما مثل السلطة الزبالة؟! حتى إن وجدت نفسي أتوسط الإقامة بين مفرغة نفايات السلطة في قصر الأمم وبين مفرغة نفايات الشعب في أولاد فايت، وأسير أنا أيضا في اتجاه زبالة الشعب وسلطة هذا الشعب..! فمن قال: إن الصحافة ليست منسجمة مع السلطة ومع الشعب.. أليست الصحافة واسطة؟ وما أروع أن يسير الصحفي في اتجاه النفايتين.. نفاية الشعب ونفاية السلطة! مسحت دموعي وهتفت لزميل أخبره بالذي حصل.. وأقول له الآن عرفت لماذا اختارت السلطة أن تشيد أعظم مسجد في الجزائر على ضفاف أنتن نهر في إفريقيا والشرق الأوسط، وهو نهر الحراش..! وعرفت لماذا اختارت السلطة في الجزائر مكانا يتوسط مفرغة الزبالة في أولاد فايت وإقامة الدولة في نادي الصنوبر لإقامة دار الأوبرا وأعظم مكتبة لإفريقيا وأمريكا اللاتينية؟! لاشك أن الأديب الصديق، أمين الزاوي، المفتون بعبقرية المكان سيكتب رواية حول الموضوع يسميها "بين المفرغتين" على طريقة رواية نجيب محفوظ بين القصرين! وسيأخذ الزاوي جائزة نوبل في قلة الأدب كما أخذ محفوظ جائزة نوبل في الأدب! لأن العيش بين القصرين ينتج الأدب أما العيش بين المفرغتين فينتج قلة الأدب.. ولكن في هذه الأوضاع تصبح قلة الأدب هي أيضا أدبا..!