جسد المسلسل المصري ”عايزة اتجوز” الذي عرض في شهر رمضان الرؤية العربية الساذجة لمسألة تأخر الفتاة في الزواج، دون اعتبار للمتغيرات الاقتصادية والثقافية والتعليمية التي تعيشها المرأة المعاصرة، وأنها لم تعد تقدم على الزواج مدفوعة بالمثل العربي الشهير ”ظل راجل ولا ظل حيطة”، فعمل المرأة وتعليمها وقدرتها على الاستقلالية جعلت معاييرها في الزواج أكثر عقلانية مما كانت عليه في السابق، ولا ينبغي أن نكون سذجا لنصدق شائعات بلهاء كالتي تطلق هنا وهناك، مثل أن حارس مدرسة بنات يجمع على ذمته ثلاث معلمات، وأكمل النصاب بالمديرة كرابعة، وأن الطبيبات يصرخن بملء أفواههن: ”أنقذونا من العنوسة”، فتلك هلوسات نسج شائعاتها رجال حالمون بأربع زوجات في العش. وأكثر الناس اهتماما بمشكلة العنوسة في عالمنا العربي هم الرجال، على طريقة ”حج وبيع مسابح”، فهم يطرحون بشدة موضوع التعدد كحل لمشكلة العنوسة، حتى إن بعض الشباب أطلقوا حملة على ”فيس بوك” يريدونها أربع زوجات في الوقت الذي يعاني فيه الكثير من الشباب العربي من البطالة، كما ترتفع نسب الطلاق بينهم إلى مستويات مفجعة، ويتعذر القول إن النسبة التي سلمت من الطلاق ”تعيش في التبات والنبات”، فالتعاسة تضرب أطنابها - للأسف - على كثير من البيوت. ويطلق عالم دين شهير، هو الدكتور سلمان العودة دعوة إلى نبذ مفردة ”عانس” التي توصف بها المرأة التي تتأخر في الزواج لما تحمله هذه المفردة من إيحاءات سلبية، وهي دعوة واعية، ومدركة لمتغيرات العصر، فلكل امرأة ظروفها الخاصة التي قد تدفعها إلى تأجيل ارتباطها بإرادتها، وبالتالي فهي ترفض نظرات الإشفاق التي يحيطها بها البعض تطفلا على حياتها. وأذكر حينما دب شجار بين السيناتورة الأميركية باربرا بوكسر ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس لم تجد الأولى ما تعاير به الثانية سوى تذكيرها بعنوستها، وكانت على وشك أن تعزف لها سيمفونية الردح الشرقية الشهيرة: ”ياااالهوتي.. العايرة البايرة اللي فاتها قطار الشباب ونسيوها الخطاب”، واكتفت حينها رايس بابتسامة، وهي تستغرب أن ثمة عقولا في العالم المتقدم لم تزل تنظر إلى العنوسة بهذا المنظور الذي تنظر به باربرا بوكسر. وخلاصة القول: دعوا المرأة وشأنها، فهي أدرى بمصلحتها وشؤونها. محمد صادق دياب