تعبيد الطريق وإنجاز جسر.. حلم متى يتحقق؟ رغم أن الدولة خصصت عدة برامج لتنمية المناطق الريفية لتمكين السكان من الإستقرار، إلا أن الزائر لقرية البويرة يكتشف للوهلة الأولى أن المنطقة محرومة من أبسط الضروريات التي تمكن سكانها من الإستقرار ومزاولة نشاطهم، خاصة أولئك الذين استثمروا أموالا طائلة في مشاريع ناجحة جعلتهم يفكرون في الإستقرار النهائي تعد قرية البويرة التابعة لبلدية الدهاهنة، بولاية المسيلة، واحدة من بين القرى التي هجرها السكان خلال العشرية السوداء، وكانت أراضيها بالأمس تجود بخيراتها على المنطقة، حيث يعتمد فلاحوها على زراعة الحبوب، خاصة القمح والشعير، وتربية المواشي. غير أن الإضطراب الأمني آنذاك عجل بنزوح عشرات العائلات نحو بلدية برهوم، في حين فضل آخرون الإستقرار بمركز البلدية الأم الدهاهنة، والبعض الآخر تشبث بالأرض لمزاولة نشاطهم الرعوي والفلاحي، وهو حال عدد من العائلات التي وقفنا على حالها في زيارة ميدانية قادتنا للمنطقة، نهاية الأسبوع، للوقوف على بعض الحقائق. قبل وصولنا قرية البويرة، توقفنا قليلا على مستوى الطريق الريفي الذي يربط القرية ببلدية برهوم على مسافة 7 كلم، حيث سلكنا مسافة 5 كلم معبدة بشكل جيد، وهي تابعة للبلدية المذكورة، فيما كان الجزء التابع لبلدية الدهاهنة غير صالح لسير المركبات، حيث كثرة الحفر وانتشار الحجارة والأتربة، وهي عوامل لم تساعدنا في الوصول إلى القرية على متن السيارة التي كانت تقلنا.. ووصلنا بصعوبة كبيرة.. وجدنا عددا من الفلاحين منهمكين في سقي أشجار الزيتون بواسطة الصهاريج، فيما كان آخرون يقومون بتفقد مستودعاتهم الخاصة بتربية الدواجن والأبقار. شريطة أن تتوفر بعض المرافق المهمة، والتي يأتي في مقدمتها تعبيد الطريق المهترئ الرابط بين برهوم والقرية، ومن القرية إلى بلدية الدهاهنة الأم على مسافة 7 كلم وإعادة تأهيله، حيث يقول مرافقونا أنه أنجز سنوات التسعينيات من طرف إحدى المقاولات غير أنه لم يصمد وأصبح غير صالح لسير المركبات. هذا المطلب الملح الذي يأمل سكان البويرة تحقيقه في أقرب الآجال لتمكينهم من خدمة أرضهم ومزاولة مهنتهم المفضلة، والمتمثلة في تربية الدواجن والمواشي، حيث تعد المنطقة حاليا الممول الأول لدائرة مقرة باللحوم البيضاء والحمراء والبيض.. إذ تنتشر عبر أطراف القرية عدة مستودعات تبين أن الفلاحين بها نجحوا في نشاطهم، وهو ما يعكس رغبة أغلبهم في بناء مستودعات أخرى، حيث وقفنا على عينات منها غير أن مرافقينا يؤكدون أنهم سئموا من الأعطاب التي أصبحت تصيب السيارات نتيجة للطريق المهترئ، كما أن ولوج الجهة الشمالية للقرية يتطلب العبور عبر الوادي الذي يخترق القرية ويقسمها إلى جزئين، حيث يعزل الفلاحين أثناء فيضان الوادي. وبات من الضروري إنجاز جسر عبره لتسهيل حرية تنقل الفلاحين والسكان على حد سواء، حيث يقول مرافقونا إن تعبيد الطريق وإنجاز جسر على مستوى الوادي بات حلم السكان الذين يرغبون في تحويل المنطقة إلى فلاحية بامتياز تختص في تربية المواشي والدواجن وتنتج أجود أنواع الخضر الفواكه. الفلاحون يسقون الأشجار المثمرة بماء الصهاريج يوجد، بقرية البويرة، عدد من الفلاحين الذين استثمروا أموالهم في غرس عشرات الهكتارات من أشجار الزيتون والمشمش والرمان، اعتمدوا في بداية نشاطهم على سقيها من الآبار التقليدية باستعمال المضخات، غير أن معظمها جفت وأخرى قل منسوب مياهها، وبمرور الوقت وجد الفلاحون أنفسهم مجبرين على سقي أشجارهم بشراء صهاريج المياه بسعر وصل إلى 600 دينار للصهريج الواحد. وقد وقفنا على عينة، عندما وجدنا كمال يسقي أشجار الزيتون، قال لنا إنه ينوي استصلاح هكتارات أخرى من أرضه غير أن مشكل الماء حال دون تجسيد طموحه، رفقة الكثير من الفلاحين الذين تجولنا رفقتهم عبر عدد من المستثمرات الفلاحية التي تنتظر تدخل المديرية المعنية لمساعدتهم، حيث أكدوا لنا أن مصالح السهوب زارت المنطقة خلال السنوات الأخيرة وقامت بانجاز بعض المشاريع المتعلقة بحماية التربة من الانجراف، حيث استفاد البعض من السكان فقط فيما حرم الأغلبية بسبب ما وصفوه بالمحاباة والعشائرية. كما طرح محدثونا مشكلا آخر لا يقل أهمية عن الأول، والمتمثل في ضعف التيار الكهربائي، حيث يطالبون بضرورة تدعيم القرية بمحول كهربائي للقضاء على المشكل المطروح وبتعميمها لتشمل كل السكان، إذ يبقى جزء منهم محروما منها، كما يأملون في قيام السلطات المحلية بالبلدية بإنجاز الإنارة العمومية، خاصة إذا علمنا أن المنطقة محاذية لسلسلة جبلية ومعروفة بانتشار الخنازير والحشرات السامة. ويرى محدثونا أن توفير المطالب المذكورة سيساهم كثيرا في بعث النشاط الفلاحي والنهوض به في المستقبل القريب. ولم يخف السكان رغبتهم في دعوة وزير الفلاحة للقيام بزيارة ميدانية للمنطقة لاكتشاف إمكانياتها الكبيرة التي تتطلب، حسبهم، تقديم يد المساعدة للفلاحين وتخصيص برامج تنموية تعود بالمنفعة على الجميع. مدرسة تتحول إلى سكن خاص.. والتلاميذ يعانون تتواجد بالقرية مدرسة ابتدائية بها قسمان دراسيان ومسكن وظيفي، كانت في سنوات السبعينيات مركز إشعاع علمي تستقبل التلاميذ القادمين من مناطق البعاطيش التابعة لبلدية أولاد تبان بولاية سطيف، وقرية حاسي عون التابعة لبلدية مقرة، إضافة لتلاميذ القرية، حيث تخرج منها عدد من الإطارات التي تعمل حاليا في مختلف المؤسسات الجزائرية، غير أن سنوات الدم والدموع التي مرت بها بلادنا حولتها إلى مكان مهجور بعد مغادرة أغلب السكان المنطقة، في حين كان مصير من بقوا مزاولة نشاط الرعي والفلاحة رفقة آبائهم. حال المدرسة اليوم يحكي، على لسان مرافقينا، تلك السنوات الحلوة التي تبقى من ذكريات الماضي التي جعلتنا نقرر ولوج المدرسة التي وجدنا بها المواطن، سعدون، يقيم بها رفقة أفراد أسرته في المسكن الوظيفي، حيث كان له الفضل في المحافظة عليها وحمايتها من المنحرفين الذين حاولوا في وقت ما تحويلها إلى مكان لممارسة المحرمات، إذ لا تزال الأقسام على حالتها الطبيعية ما عدا تحطم زجاج بعض النوافذ التي تآكلت بفعل القدم، حيث يأمل السكان أن تفكر السلطات المعنية في إعادة تأهيلها لتمكين تلاميذها من سكانها الحاليين وكذا الراغبين في العودة، وهم كثيرون، من مزاولة دراستهم الابتدائية بدل التنقل اليومي إلى بلدية برهوم المجاورة، مثلما هو عليه حال الطفل سيف، 11 سنة، الذي يدرس في السنة الخامسة بالمدرسة المركزية ببرهوم، حيث يتنقل يوميا رفقة شقيقته ماجدة التي تدرس في قسم السنة الثانية، إذ يقول سيف.. نحن نتنقل يوميا رفقة والدنا الذي يجد نفسه مجبرا على ترك عمله بالمزرعة ومرافقتنا ذهابا وإيابا، ويضيف.. نحن ننتظر عودة باقي السكان لإعادة فتح المدرسة. ورغم صغر سنه إلا أنه أضاف قائلا: “كل من أعرفهم يريدون العودة إلى القرية، غير أن عدم توفر الطريق والماء والكهرباء كانوا سببا في عدم عودتهم”.