كانت بالأمس قلعة من قلاع الثوار والملاذ الآمن للمجاهدين ونقطة عبور لتمرير الأسلحة والذخيرة لباقي المدن الجزائرية.. هي بلدية الدهاهنة التي تقع في الجهة الشرقية لولاية المسيلة على بعد 65 كلم، والتي انبثقت عن التقسيم الاداري لسنة 1984 وزراء مروا من هنا تناولوا المشوي ووعدوا السكان بتحويل الدوار إلى جنة..! وتتربع على مساحة تقدر ب 1228 كلم مربع، وتضم تعدادا سكانيا قارب 8 آلاف نسمة، يتوزعون على سبع قرى منها الدهاهنة مركز، القطاطشة، المنايفة، أولاد اسعيد، أولاد خليف، أولاد سيدي يحي وأولاد إبراهيم. وأنت تدخل بلدية الدهاهنة لأول مرة تشعر للوهلة الأولى أنك تلج دوارا كبيرا صنف كبلدية وهُمش لسنوات طويلة رغم زيارات المسؤولين السامين في الدولة للمنطقة، حيث يقول بعض السكان ممن رافقونا أثناء زيارتنا الميدانية إن هؤلاء ويقصد (الوزراء) مروا من هنا وتناولوا المشوي وما لذ وطاب رفقة السلطات المحلية آنذاك، ووعدونا بتحويل بلدية الدهاهنة إلى جنة فوق الأرض، غير أن الحال، يضيفون، ظل على ما هو عليه، لولا تخصيص الولاية لعدة برامج تنموية للدهاهنة أهمها على الاطلاق، كما قالوا، غاز المدينة الوافد الجديد على البلدية التي تعد من أصعب المناطق برودة في فصل الشتاء. كانت رغبتنا الأولى في العمل الميداني إحدى النقاط المهمة التي حدثنا عنها أحد الزملاء في وقت سابق، غير أن رغبة بعض معارفنا وإلحاحهم علينا بالتوجه إلى العاصمة (يضحكون) أي وسط المدينة التي هي عبارة عن شارع رئيسي يسمى بالطريق الولائي رقم 42 يربط الدهاهنة بالبلدية المجاورة ببرهوم من الجهة الشرقية على مسافة 11 كلم وتقلعيت غربا على مسافة 10 كلم، وهي بلدية تابعة لولاية برج بوعريريج. أما على حافة الطريق بجهته اليمنى واليسرى نجد عدة مقرات رسمية مثل البلدية، الحرس البلدي، ومقر البريد والمواصلات. وكم كنا محظوظين عندما وجدنا مركز المدينة يسبح في برك من المياه والأوحال التي تراكمت بفعل السيول الجارفة إثر تساقط كميات معتبرة من الأمطار، وكذا بقايا الأشغال التي تركتها المقاولة المكلفة بإنجاز شبكة الغاز الطبيعى لمساكن المواطنين، حيث وجدنا صعوبة كبيرة في التنقل من شارع لآخر بسبب الأوحال والطين. يقول السكان إن فرحتهم كانت كبيرة بالوافد الجديد (الغاز الطبيعي) غير أن سلوك الجهة التي أُسند لها المشروع غير مقبول نهائيا، لأن النتيجة.. يشيرون بأيديهم إلى حالة الشوارع، حيث البلاط المكسر وقنوات صرف مياه الأمطار القليلة والمسدودة بالأتربة ساهمت، حسبهم، في تشويه مركز البلدية التي استفاد فيها 170 مواطن من غاز المدينة في انتظار ربط باقي السكان عبر القرى والمداشر، التي يقول ساكنوها إنهم يحلمون دوما بالاستقرار وخدمة أرضهم بدلا البطالة القاتلة. كما يأمل السكان أن تنظر إليهم السلطات الولائية بعين الرضا وتدعم المساكن المتبقية بالغاز الذي يظل حلما بالنسبة إليهم. التكفل بالشباب والرياضة والتكوين المهني.. حلم متى يتحقق؟ لعل أبرز الأشياء التي وقفنا عليها هي حالة البطالة المتفشية بقوة وسط الشباب، حيث تنعدم فرص العمل بالبلدية، مما جعل أغلب الشباب يعتمد على التنقل اليومي باتجاه البلديات المجاورة بحثا عن فرصة عمل، وهو حال العشرات ممن التقيناهم وأبرزوا لنا هذه المعاناة متسائلين عن البديل أثناء عودتهم إلى مركز بلديتهم التي تفتقد لقطاعين هامين يتمثلان في الشباب والرياضة والتكوين المهني، حيث لا وجود لمؤسسات تمثلهما بالبلدية، حيث يقول مرافقونا إن الشباب ليس لديهم مكان لقضاء أوقات الفراغ، حيث يسود الروتين الممل والقاتل وسط سكون تام يبعث على القلق. وألح علينا الشباب لمرافقتهم باتجاه مساحة لعب من نوع “ماتيكو”.. وجدنا عددا من الأطفال الصغار يمارسون رياضة كرة القدم، ويحيط بالملعب مشروع إنجاز عيادة متعددة الخدمات وأكوام من الأتربة، ومن هناك بالقرب من مقر البلدية بيت متواضع قيل لنا إنه المركز الثقافي سابقا، أغلق نهائيا فيما بعد ثم أعيد فتحه كفرع للتكوين المهني وتم تخصيصه للخياطة، غير أن حلم المرأة تلاشى وزال بعد أن أغلق نهائيا، فلا الشباب استغله لممارسة هواياته ولا المرأة استفادت منه في إطار برامج التكفل بالمرأة الريفية. كما توجد بالبلدية مكتبة جاهزة منذ ستة أشهر، غير أنها لم تستغل بعد بسبب عدم وجود التجهيزات.. هي حالة استثنائية في بلدية ينتظر شبابها ونساؤها من يأخذ بأيديهم فقط، خاصة في ظل وجود عشرات الإطارات من خريجي الجامعات والمعاهد ومراكز التكوين المهني. ولم يخف محدثونا توجيه ندائهم العاجل إلى المعنيين لتخصيص برامج تنموية للقطاعين المذكورين وإعطاء الفرصة لهم من أجل إبراز مواهبهم الثقافية والحرفية. النقل، فك العزلة والتهيئة الحضرية مشاكل تتطلب حلولا عاجلة عندما تفكر في الذهاب نحو بلدية الدهاهنة، عليك الإنتظار طويلا لقدوم أصحاب سيارات النقل الجماعي، حيث يفرضون أنفسهم بقوة بسبب انعدام وسائل النقل التابعة للبلدية، وهو ما جعلنا نسأل أحد المواطنين عن حافلات البلدية التي تعمل على خط برهوم - الدهاهنة، فضحك وقال لنا.. إذا كان أبناؤنا المتمدرسون يتذوقون مرارة هذه المشاكل، فكيف لنا نحن أن نطالب البلدية بتوفير النقل لنا.. وقد صدقنا كلام محدثنا عندما زرنا حظيرة البلدية التي وجدنا بها ثلاث حافلات صغيرة من بينها واحدة من نوع “طاطا” عاطلة، وهو ما يعني أن سكان الدهاهنة في حاجة ماسة إلى حافلات جديدة لتدعيم حظيرة البلدية التي لم تعد تستطيع تلبية الطلب المتزايد، خاصة أن حافلتين تعملان يوميا على نقل أزيد من 300 تلميذ باتجاه ثانوية برهوم المجاورة على مسافة 11 كلم، إضافة إلى نقل التلاميذ نحو القري والمداشر المترامية الأطراف. كما أشار السكان إلى وضعية الطرقات والمسالك الفلاحية منوهين بجهود الوالي، حيث اعترفوا أن بلديتهم استفادت من مشاريع مهمة تدخل في إطار فك العزلة، وهو ما وصفوه بالثورة التي لم تشهدها طرقات البلدية منذ سنوات طويلة، غير أن حلمهم يبقى في مواصلة الدعم بإنجاز بعض المسالك الفلاحية والطرقات التي ذكروا منها الشوابك، الدهاهنة على مسافة 2 كلم، والڤواو باتجاه البويرة، وأولاد إبراهيم على مسافة 8 كلم، وعدد آخر من الطرقات التي حددها أحد المنتخبين ب 20 كلم للقضاء على كل النقائص. كما يطالب السكان بتخصيص برامج فورية للإهتمام بالتهيئة الحضرية التي تعد، حسبهم، وجه المدينة التي لا يزال جزؤها الأكبر في حاجة ماسة إلى تعبيد وتبليط للشوارع. تجدر الإشارة إلى أن البلدية استفادت من مبلغ 2 مليار سنتيم، غير أنها شهدت خلال السنوات الأخيرة توسعا عمرانيا معتبرا، وهو ما يجعل السكان يأملون في برامج إضافية خلال الخماسي الجديد من السنة الجارية 2010. السكن الريفي والشغل حلم الشباب استفادت بلدية الدهاهنة، خلال الخماسي الماضي، من حوالي 300 وحدة سكنية، منها 46 وحدة سكنية من نمط السكن الإجتماعي. غير أن السكن الريفي يبقى المحبب الأول للسكان باعتبار المنطقة فلاحية وجميع سكانها يحبذون الإستقرار ومزاولة نشاطهم الفلاحي، حيث لا يزال أكثر من 400 طلب تنتظر نصيبها من الإستفادة خلال البرامج القادمة، مقارنة بالسكن الاجتماعي الذي وصلت الطلبات عليه إلى حوالي 200 طلب. ويقول أغلب من تحدثنا إليهم إن السكن له دور كبير في بعث الإستقرار النفسي لدى المواطنين من أجل الاسترزاق والبحث عن العمل الموسمي لدى الخواص في الحقول والبساتين، ويشير أغلب الشباب إلى أن المحلات المهنية البالغ عددها 20 محلا لم توزع عليهم لمزاولة مختلف الأنشطة الحرفية، وفتح محلات تجارية كمقاهي الأنترنت والمطاعم وغيرها.وهنا نشير إلى أننا عند منتصف النهار لم نعثر على مطعم لتناول وجبة الغذاء، حيث أكد كل من تحدثنا إليهم أنه لابد علينا من العودة إلى البلدية المجاورة لتناول الغذاء، وهو ما جعلنا نتأكد أن كل شيء بهذه البلدية مرتبط بالبلدية المجاورة. أما نحن فقد كنا محظوظين عندما دعتنا عائلة رحموني التي أقامت في ذلك اليوم حفل خطوبة على شرف أحد أبنائها.. فألف مبروك للعائلة. سد بونصرون حلم الفلاحين الضائع تعد بلدية الدهاهنة من المناطق الفلاحية بالدرجة الأولى، حيث يعتمد سكانها على زراعة الحبوب وغرس الأشجار المثمرة كالمشمش والزيتون، وهو ما جعلها تحظى بالإستفادة من مشروع سُمي بسد بونصرون بقدرة استيعاب تقدر ب 2 مليون متر مكعب سنة 2004، غير أن ذلك الحلم تبخر بعدها بمجرد تخزينه لكميات من مياه الأمطار المتساقطة على المنطقة خاصة في فصل الشتاء، حيث طالب السكان في ذلك الوقت المسؤولين بإيفاد لجنة للتحقيق في كيفية إنجازه التي وصفوها بالمغشوشة، إذ يقول أحد الفلاحين “إننا راسلنا جميع السلطات وتحدثت الوسائل الإعلامية عن الموضوع بشكل ملفت، غير أنه لا شيء تحقق على أرض الواقع”. ويضيف محدثنا أن القائمين على المشروع أنجزوا لنا حاجزا مائيا بطريقة مريبة وقالوا لنا بأنه سد.. هذا التصريح جعلنا نتصل بأحد المسؤولين المطلعين على هذا الملف، والذي رفض الخوض فيه، مؤكدا أن جميع السلطات على دراية بالموضوع. غير أن السكان وعلى رأسهم الفلاحين ناشدوا من خلال جريدة “الفجر” الوالي ووزير الموارد المائية فتح تحقيق في كيفية إنجاز ما يسمى سد بونصرون، مطالبين بإعادة تأهيله حتى يتمكن سكان المنطقة من مزاولة نشاطهم المعتاد. كما أن المشروع سيمكن سكان بلديتي برهوم وعين الخضراء من الإستفادة منه لأحياء الفلاحة بالمنطقة ككل، وهي معروفة بخصوبتها خاصة في إنتاج الحبوب والأشجار المثمرة. “أنقذوا أولادنا من مشقة التنقل اليومي” يحظى قطاع التربية والتعليم بعناية كبيرة من السلطات المحلية التي تحاول جاهدة لخدمة جيل المستقبل، غير أن تلاميذ الطور الثانوي، البالغ عددهم أزيد من 300 تلميذ، لا زالوا يتنقلون في ساعات الصباح الباكر باتجاه ثانوية هواري بومدين المتواجدة بالبلدية المجاورة برهوم، حيث يقول الأولياء إن الدهاهنة بحاجة ماسة إلى مشروع إنجاز ثانوية للقضاء على معاناة التلاميذ اليومية التي ذكروا منها الإكتظاظ وقلة وسائل النقل، وهو ما جعل أغلب الأولياء يمنعون بناتهم من الإلتحاق بمقاعد الدراسة، باعتبار المنطقة محافظة على عاداتها وتقاليدها، حيث لا يسمح للفتاة بالإختلاط بالذكور. ويقول محدثونا إنهم راسلوا جميع الجهات التي بإمكانها مساعدة أبنائهم، غير أن كل النداءات لم تلق صداها، وهو ما جعلهم يناشدون رئيس الجمهورية النظر إلى حالة أبنائهم وتخصيص مشروع إنجاز ثانوية لتمكين الإناث، خاصة، من متابعة دراستهم دون مشاكل. وهنا تحدث أحد السكان عن المعاكسات التي تتعرض لها البنات في الطرقات والحافلات خاصة في ساعات المساء عند عودتهن. المواد الحمراء والجبس.. المستقبل الواعد لشباب المنطقة تتوفر بلدية الدهاهنة على المواد الحمراء والجبس باعتبارها، كما قيل لنا، من المناطق الغنية بها.. حيث تفيد الدراسات التي أجريت خلال السنوات الماضية أن العشرات من المواقع تتوفر على تلك المواد، وهو ما يؤهلها لأن تكون قطبا صناعيا في المستقبل القريب، إذا ما أتيحت الفرص للمستثمرين الخواص ولوج المنطقة وبالتالي خلق مناصب شغل للشباب البطال والمساهمة في تنمية المنطقة الشبه معزولة. وهنا وجه السكان والمنتخبون نداءهم إلى كل الراغبين في الإستثمار لدخول المنطقة.. حيث سيتلقون كل المساعدة والدعم.