شيء ما يحدث في الجزائر هذه الأيام، ولا يريد أن يعلن عن نفسه صراحة.. هل هو إرهاصات أو مخاض ما قبل الانتخابات؟! أم هو انذار بتحول ما على المستوى السياسي والاقتصادي والإداري للبلاد؟! أم الأمر يتعلق بالوصول بالسلطة إلى طريق مسدود؟! وبات الواصلون بها إلى هذا الوضع يبحثون عن منافذ آمنة؟! ربما هذا هو الحال وربما هذا هو الحاصل أو غيره!؟ ربما الأمر يتعلق ”بهوشة” بين السراق حول توزيع المال المسروق بعدالة تحدد بدقة حصة كل سارق وفق الدور الذي لعبه في عملية السطو هذه!؟ قد يكون الدخول الاجتماعي وما يحمله من توترات تعود للواجهة كل عام هي السبب في تلبد سماء الجزائر بغيوم داكنة!؟ ودخان أسود!؟ ربما ما يحدث حول بلدنا من ضغط أمني في الجنوب وضغط سياسي في الشمال.. وضغط إعلامي في الغرب وبلبلة إعلامية في الشرق هو الذي يجعل البلاد تحت هذه الدرجة العالية من الضغط العالي الذي ينذر البلاد بعاصفة حقيقية! قد يكون الصراع الصامت القائم بيننا والقائم حولنا سببه كعكة البترول التي تعلن الدولة أو بقايا الدولة أنها بصدد تقسيمها على السنوات الخمس القادمة ووضع الترتيبات المناسبة لتحويلها إلى الخارج تحت مسميات مختلفة بعد أن تسحبها الدولة من الخارج كرصيد احتياطي! قد يكون التكالب الخارجي على الجزائر والجزائريين هذه الأيام سببه كثرة نباح كلاب الداخل على جماعة علي بابا الرابضة أمام خزائن الدولة! انتظارا لساعة الهجوم الموعودة! الوهن الذي أصاب الأحزاب ومؤسسات الدولة أنتج وضعية حرجة للسلطة وهي أن هذه المؤسسات الشكلية لم تعد تقنع أحدا بأنها الغطاء المقبول سياسيا واجتماعيا لتنظيم عمليات الفساد الحاصل في البلاد! كل الناس تعرف أن شراء السلم الاجتماعي بعاذدات البترول لم تعد سياسة يقبلها أحد.. حتى السراق الذين سرقوا المال العام وحولوه إلى مؤسسات اقتصادية! قد تكون الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة والرامية إلى تشديد الرقابة على تحويل المال العام إلى الخارج بشتى الطرق هي السبب في تحرك الفئران في كل الاتجاهات بما يشير إلى وجود أزمة.. تماما مثلما يقوم صاحب الدار المليئة بالفئران بإشعال الضوء في غسق الليل! الواضح أن السراق الجزائريين الذين سرقوا بالأجانب تحت شعار الاستثمار الأجنبي.. بالأموال الجزائرية في الجزائر.. هم الآن يبحثون عن مكان آمن لتحويل ما سرقوا إلى الخارج! وهذا هو بالضبط سر الصراع المحتدم بين الزمر السياسية المافيوية الاقتصادية المالية التي تتعارك حول قانوني المالية الحالي والقادم! الترتيبات الاقتصادية الجارية حاليا ليست بالأساس تصفية حسابات مع سوء التسيير وهدر المال العام والتضييق على السراق.. بل هي ترتيبات مؤكدة لما بعد الفشل السياسي الذي تعيشه البلاد الآن وفي العمق! لهذا فإن ساحات الصراع ليست البرلمان ولا حتى الأحزاب السياسية المنهكة بالفساد الداخلي والفساد الخارجي (الوزارات وأجهزة الدولة).. بل إن ساحات الصراع هي أجهزة الرقابة على المال العام.. والمحاكم ومساحات الصفحات في الصحف! والجهة التي تسيطر على هذه المجالات الحيوية هي التي تكون مؤهلة موضوعيا لإعادة صياغة السلطة القادمة وفق مصالحها وتقوم باستنساخ تجربة أخرى فاشلة من السرقة والفساد! وما لم تكن للسلطة الفعلية الشجاعة الكافية للإقدام على حل المعضلة السياسية التي تأجل حلها 50 سنة، بتمكين الشعب من بسط سلطته في انتخاب من يحكمه ومحاسبته على التسيير عندما تنتهي عهدته.. مادام هذا لم يحصل فلن يستقر الوضع في البلاد.. ولن يطمع الشعب في تحقيق التقدم المطلوب.. ولن تطمع السلطة أيضا في كسب ود الشعب! وستبقى البلاد تنجز الأزمات بواسطة الأزمات إلى حين نفاد صبر الشعب كما حدث ذات يوم من عام 1954 مع الاستعمار. ومن يعتقد أن الشعب الجزائري قد مات ولم تعد فيه خصلة الانتفاضة فقد كذب.. فهل حان وقت نفاد صبر الشعب؟! لا أحد يعرف بالتدقيق هذا الأمر.. لكن الواقع يقول: إن الشعب الآن مثل الهشيم ينتظر عود الثقاب فقط!