القمة العربية الاستثنائية التي تنعقد في مدينة سرت الليبية اليوم وغداً، تطرح على الزعماء العرب ضرورة تبرير الطبيعة الاستثنائية، دوافعها، أسبابها، وأهدافها وإلا ما كان ينبغي الدعوة إليها في الأساس. بين القمة العربية الاعتيادية في مارس الماضي من هذا العام وفي المدينة ذاتها، وبين القمة الاستثنائية المزمع عقدها، لم تشهد الأوضاع العربية تبدلات، أو تحضيرات تستدعي هذه القمة. على صعيد العلاقات العربية العربية، لم يطرأ جديد يذكر لا على صعيد المصالحة العربية، ولا على صعيد تطوير خطط وآليات العمل العربي المشترك، وما كان من ملفات وأزمات مفتوحة قبل القمة الاعتيادية، ما يزال على حالها، بل ربما تفاقمت بعض تلك الأزمات، كما هو الحال في لبنان، والصومال واليمن والعراق. كما لم يطرأ جديد يستدعي انعقاد قمة استثنائية، فيما يتصل بالصراع الجاري حول الملف النووي الإيراني، وتداعياته إقليمياً ودولياً، اللهم إن كانت ثمة مؤشرات قوية، تذهب نحو تغيير آليات وطريقة التعاطي مع هذا الملف، من اتباع الأساليب السياسية والدبلوماسية، وفرض العقوبات، إلى المعالجات الحربية، الأمر الذي يتطلب مواقف وسياسات عربية مدروسة وموحدة، حتى لا يدفع العرب أثماناً باهظة لخدمة مصالح وسياسات الآخرين. يبقى على جدول الأعمال المتوقع للقمة، موضوع الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، وهو ملف دائم الحضور في كل القمم والاجتماعات العربية الاعتيادية والاستثنائية. في هذا الإطار، ثمة ما يستدعي اتخاذ قرار عربي على أعلى مستوى، ذلك أن الفلسطينيين والعرب قدموا خلال الفترة الماضية، كل ما يلزم من تسهيلات وتنازلات، لإنجاح المساعي الأمريكية والدولية الرامية لتأمين استئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، أملاً في تحقيق تسوية. لم يبق في جعبة الفلسطينيين والعرب، ما يمكن تقديمه لإنجاح مساعي الإدارة الأمريكية وتمديد الفرصة المتاحة أمام إمكانية تحقيق السلام، خصوصاً بعد أن اتضح بما لا يقبل الشك، أن إسرائيل لا تملك مشروع سلام، وليست مستعدة لدفع الحد الأدنى من الثمن المطلوب لتحقيقه، وبعد أن اتضح أيضاً أن تغيير الإدارات الأمريكية لا يحمل في طياته تغييراً في جوهر السياسات والمواقف. لم يعد محل جدل ليس في حواضر السياسة الإقليمية وحسب، بل أيضاً في حواضر السياسات الدولية، حقيقة أن إسرائيل هي وحدها المسؤولة عن تعطيل وإفشال الجهد الدولي الرامي لمعالجة ملف الصراع المزمن الذي يدور في هذه المنطقة، غير أن مسؤولية الولاياتالمتحدة خصوصاً، لا تقل عن مسؤولية إسرائيل في هذا المجال. إن الولاياتالمتحدة، ليست عاجزة عن إرغام إسرائيل على تغيير سياساتها وممارساتها ومواقفها بما ينسجم ومتطلبات استئناف المفاوضات، وتحقيق الحد الأدنى من متطلبات سلام منطقي، عادل، ومستقر، غير أن الإدارة الأمريكية لا ترغب في ممارسة أية ضغوط من أجل تحقيق تسوية تلبي عملياً مصالح الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي. لسنا ممن يرون أن إسرائيل هي الولاية الواحد والخمسون لأمريكا، ولا حتى نوافق على ادعاء بأن اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة هو من يقرر سياساتها ومواقفها وطبيعة كما كيفية التعاطي مع استراتيجياتها ومصالحها. أما وأن الأمر ليس على هذا النحو، فإن ما يفسر غياب الإرادة الأمريكية الكافية لتحقيق السلام، هو إما أن المصالح والرؤى الأمريكية متطابقة إلى حد بعيد مع المصالح والرؤى الإسرائيلية، وإما أن الولاياتالمتحدة، تستسهل ابتزاز الفلسطينيين والعرب طالما أنهم مستعدون للاستجابة. لقد بدا الأمر واضحاً إزاء كيفية تعامل الولاياتالمتحدة مع الطرفين الإسرائيلي من ناحية، والفلسطيني - العربي من ناحية أخرى، ففي حين يتم تقديم المزيد من الإغراءات والمكافآت والدعم لإسرائيل، تتم ممارسة ضغوط لا تتوقف على الطرف الفلسطيني والعربي، إلى أن يتكيف هذا الطرف مع متطلبات السياسة الأمريكية - الإسرائيلية، التي تلخصها بتكثيف واضح، رسالة الضمانات التي قدمها الرئيس السابق جورج بوش الابن لشارون في الرابع عشر من أبريل 2004، وجددت إدارة أوباما التزامها بمضامينها. ما الذي يمكن للعرب والفلسطينيين أن يفعلوه في ضوء هذه الحقائق التي لم يعد يرقى إليها الشك؟ يخطئ القادة الفلسطينيون والعرب إن هم اتخذوا قرارات تمدد الفرصة المتاحة أمام ولإنجاح المساعي الأمريكية. فإن حصل ذلك، فإن الفرصة ستكون متاحة لممارسة المزيد من الابتزاز للموقف العربي والمزيد من الضغوط لصالح إسرائيل، غير أن الامتناع عن تمديد الفرصة، لا يعني في ظل الظروف الراهنة، الانقلاب الجذري على الخيار الذي تبناه العرب خلال قمتهم في القاهرة عام 1996 وهو خيار السلام. إن مراجعة هذا الخيار مسألة مهمة جداً، ولكن من المهم أيضاً عند تحديد الخيارات، أن لا يتجاهل القادة العرب الوقائع الجذرية التي حصلت ابتداءً من توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، واتفاقية وادي عربة عام 1994، فضلاً عن جملة المتغيرات الكبرى التي أصابت العديد من الدول العربية، وأدت إلى تحييد واستنزاف الطاقة العربية الرسمية على خوض الصراع بكل الأشكال والأساليب، بما في ذلك الأعمال الحربية. إذاً فالمراجعة تتطلب صيغاً تعديلية يتيحها واقع الحال، فعلى سبيل المثال لا يجوز للعرب أن يظلوا متمسكين بخيار السلام كخيار استراتيجي وحيد، فالتمسك بالسلام كخيار إيجابي، يتطلب توفير مقومات وآليات ووسائل فاعلة لتحقيق سلام لا يجحف بالحقوق العربية والفلسطينية، وهذه لا تتوفر في ظل اعتبار السلام هو الخيار الاستراتيجي الوحيد. بقلم: طلال عوكل كاتب فلسطيني