عبّرت شريحة كبيرة من سكان ولاية الوادي عن تخوفها من إخفاق مشروع صعود المياه الذي كلف خزينة الدولة 3200 مليار سنتيم، وهو مبلغ خيالي لم تستفد منه الولاية من قبل في مجال الري إذ جاء بغرض إنقاذ ولاية الوادي من غرق محقق بحلول سنة 2015 حسب الدراسات التي أجريت حول ظاهرة صعود المياه الباطنية التي كانت تهدد المنطقة. غير أن تأخر تسليم مشروع التطهير الذي كان من المفترض تسليمه سنة 2009، رغم تشغيله الجزئي بداية 2010، أثار حالة من الغليان داخل الأوساط المحلية حول الجدوى منه. يعد مشروع صعود المياه من أضخم المشاريع التنموية التي وضعتها الدولة لإنقاذ ولاية الوادي من خطر صعود المياه الذي لطالما هدد وجود الولاية في حد ذاتها، حيث توقع البعض أنه بحلول سنة 2015 سيصل منسوب الماء إلى 6 أمتار فوق سطح الأرض بحي سيدي مستور الذي يعد منطقة منخفضة في الولاية، وأن هذا المشروع نال كلفة مالية بلغت 2700 مليار سنتيم في بدايته سنة 2005، غير أن إعادة تقييمه في كل مرة أدت إلى وصول المبلغ إلى 3200 مليار سنتيم، وهو مبلغ ضخم لم تستفد من مثله أي ولاية في مجال الري، مشروع مركزي وزاري كلف الديوان الوطني للتطهير بمتابعة إنجازه بولاية الوادي، وتم تسليمه إلى ثلاث مجموعات من الشركات المتخصصة، وهي المجموعة الجزائرية الصينية “صينو هيدرو كوسيدار” والمجموعة الجزائرية البرتغالية “تكسيرا كاناغاز”، إضافة إلى شركة الهندسة المدنية والبناء “GCB” إحدى فروع شركة سوناطراك، وأوكلت دراسة المشروع إلى مكتب دراسات سويسري. ورغم الطموحات التي كانت مرتقبة من هذا المشروع، فإن هناك تساؤلات عديدة حول الجدوى منه ومدى معالجته للمشكل المطروح، فالمشكل ليس فقط صعود المياه، بل ما ينجر عنه من كوارث بيئية من انتشار للقوارض والخنازير والناموس ومخلوقات أخرى غريبة عن المنطقة، ومشاكل صحية، كمرض التيفوئيد المنتشر بولاية الوادي والذي سببه الرئيس تلوث مياه الشرب الناتج عن اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الشرب. إنجاز 64 محطة ضخ و4 محطات لتصفية المياه وصرفها إلى منطقة بعيدة وفي هذا السياق أكد مدير التطهير بالوادي، السيد رشيد شاوش، أن مبلغ المشروع تم تسخيره لإنجاز شبكة تصريف مياه الصرف الصحي بإنجاز 04 محطات للتصفية بكل من بلديات كوينين، حساني عبد الكريم، سيدي عون، الرقيبة. هذه المحطات التي تستقبل المياه القذرة التي تأتيها من شبكة الصرف الصحي المتواجدة عبر الأحياء، عن طريق 64 محطة ضخ على مستوى 12 بلدية، ويتم توجيه المياه بعد تصفيتها في محطات التصفية إلى شط حلوفة الذي يبعد عن ولاية الوادي بأكثر من 50 كلم. وقد شرع في تشغيل المشروع مع بداية هذه السنة ، في حين كانت مدينة الوادي سابقا تضخ مياه الصرف الصحي إلى حي 8 ماي بوسط المدينة، وكثيرا ما كانت محطة الضخ تتعرض لعدة أعطال تسبب تسربا مائيا يمكن أن يغرق حي سيدي مستور المنخفض خلال 3 أيام فقط، وكثيرا ما تعطلت هذه المضخات فيتم بعدها تشكيل خلية أزمة على مستوى الولاية وتدخل شاحنات ضخمة لامتصاص المياه وذلك قبل تشغيل هذا المشروع الضخم. كما أكد المتحدث ذاته أن المشروع لا يقتصر فقط على التخلص من مياه الصرف الصحي، بل تم حفر آبار في مناطق متفرقة لامتصاص المياه الزائدة، التي تتميز بشبكة مستقلة عن الشبكة السابقة، وتلتقي الشبكتان في محطات التصفية ليتم تصريفها فيما بعد إلى مكان شط حلوفة البعيد عن الولاية. كما أردف ذات المسؤول قائلا “إن المشروع جاء وفقا لمقاييس المنظمة العالمية للصحة ومياهه غير صالحة للشرب ولكن صالحة لسقي الأشجار فقط دون المواد الفلاحية الموجهة للاستهلاك”. تشبع الطبقة الأرضية السطحية وهشاشة قنوات الصرف أهم أسباب صعود المياه تتميز ولاية الوادي بأنها منطقة منخفضة إذ يوجد الماء على عمق نصف متر أو أقل في بعض الأحياء. ورغم أن صعود الماء كان ظاهرة طبيعية قديما، حيث كانت المياه الصاعدة تمتصها واحات النخيل آليا من الأرض دون سقيها إذ كان أمرا إيجابيا في ذلك الوقت، إلا أن صعود المياه أصبح يشكل خطرا بمرور الزمن وهدد عديد المنازل بالسقوط وأدى إلى انتشار القوارض والخنازير والناموس. وعند سؤالنا بعض المختصين عن سبب هذه الظاهرة، أكدوا لنا أن الطبقة السطحية للأرض تشبعت بالماء نظرا للنشاط الفلاحي بالمنطقة وخصوصيتها المنخفضة، وكذا استخراج المياه الجوفية من الطبقة الوسطى بعد إنشاء مضخات مياه الشرب وانتشار خزانات مياه الشرب عبر البلديات، وكل هذه العوامل أدت إلى تشبع الطبقة السطحية بالماء والتسبب في ظاهرة صعود المياه. ولذلك تم تشجيع مشاريع السقي الفلاحي، من خلال استخدام آبار سطحية لتوجيه المياه السطحية للسقي لتصب في الأخير في نفس الطبقة. سرقة 250 غطاء حديديا وانسداد 15 حوضا لصرف الماء تعرقل نجاح المشروع أشار المسؤول الأول عن المشروع إلى الاعتداءات المتكررة على منشآت المشروع، بعد تعرض 250 غطاء حديديا للأحواض المربوطة بقنوات الصرف الصحي عبر الأحياء للسرقة، ما سبب خسارة قدرت ب 300 مليون سنتيم، وذلك قصد بيعها لمصانع إعادة تصنيع الحديد، مقترحا ضرورة وجود ضوابط لشراء هذه المصانع للحديد، من خلال منع شراء أي عتاد حديدي موجه للصالح العام. كما ندد بإقدام العديد من السكان على رمي الحجارة والأخشاب وفضلات البناء في قنوات الصرف الصحي بقصد سدها أو بغير قصد، حيث مس الضرر 15 حوضا لتجميع الماء القذرة في الأحياء، واحتاج كل حوض إلى 05 أيام لتنظيفه، مؤكدا أن هذه التصرفات من شأنها وضع مشروع 3200 مليار سنتيم على المحك والتهدد بفشله القريب في معالجة مشكلة صعود المياه، خاصة أن هذه التصرفات معظمها في حيي النزلة وسيدي مستور اللذين يعانيان من المشكل المذكور. من جانب آخر، أرجع البعض تصرفات السكان إلى منع مديرية التطهير ربط بيوتهم بهذه القنوات، ما أدى إلى تكديس الحجارة بالقنوات كنوع من الاحتجاج على مديرية التطهير، حيث يقول بعض السكان متسائلبن “كيف نترك بيوتنا تغرق وبجانبنا قناة تصريف ولا نستخدمها؟”. وتفاديا لهذا المشكل مستقبلا، أكد ذات المسؤول أنه اقترح على الوزارة الوصية توصيل القنوات المارة عبر الأحياء بالبيوت ضمن ذات المشروع، لكي يتم متابعة عملية الربط وتفادي الفوضى في ذلك قصد حماية قنوات الصرف الصحي. المشروع سينقذ الولاية من كارثة بيئية مستقبلية وعن الآفاق المستقبلية للمشروع ومدى نجاعته في خفض منسوب الماء، أكد مسؤول التطهير بالوادي أن المشروع يهدف إلى تحقيق توازن بيئي، من خلال عدم خفض الماء بصفة كلية لكي لا تحدث أضرار بيئية تهدد الطبقة الأرضية السطحية والنشاط الفلاحي بالمنطقة، ولكن خفض الماء سيكون بنسبة معينة وفي مناطق معينة، حسب الحاجة. ففي حي سيدي مستور، مثلا، يمكن للمشروع خلال خمس سنوات أن يخفض منسوب الماء إلى متر، بمعدل 20 سنتم كل سنة، وبالمحافظة على ذلك المستوى من الانخفاض أو الصعود، سينقذ الحي المذكور من غرق محقق في 6 أمتار من الماء سنة 2015. مضيفا أن المشروع في حال تسليمه من طرف الشركات المنجزة له ستتكفل مديرية التطهير بتسييره وصيانته، بعد انقضاء فترة التجريب والمتابعة والضمان من طرف هذه الشركات، مؤكدا أن مسؤولية صيانة القنوات عبر الأحياء تقع على عاتق البلديات، وتتحمل مديرية التطهير صيانة المشروع فقط، مبديا طموحه في تشكيل لجنة ولائية مشتركة لحماية المشروع تضم معظم الجهات الوصية، على رأسها البلديات ومديرية الري.