عاشت العاصمة تونس، أمس، أحلك أيامها، بعد انتشار خبر مغادرة الرئيس زين الدين العابدين للبلاد، وتولي الغنوشي للرئاسة، ولم تشفع حالة الطوارئ القصوى في منع خروج الآلاف من العصابات الملثمة لتنفيذ اعتداءات وسرقات، فما لبث أن خرج الآلاف من المواطنين يحتفلون بسقوط النظام، واعتقال أفراد من عائلة الطرابلسي "الفجر" في قلب الحدث وشهدت العاصمة، محاولة فرار المساجين، وتزامن هذا الوضع مع الخروج في مظاهرات سلمية أمس، تنديدا بخرق الدستور، فيما هم غالبية الدبلوماسيين بمغادرة العاصمة تونس. لم يستطع قانون حالة الطوارئ القصوى الذي أعلنته تونس بداية من الساعة ال5 مساء، منع تجمع أكثر من 3 أشخاص، وإعطاء أوامر بإطلاق النار لكل من يرفض التوقف من كبح الشعب التونسي في الخروج مباشرة في مظاهرات بعد تفشي أنباء عن توقيف أفراد من عائلة طرابلسي، أشقاء السيدة ليلى بن علي، حرم الرئيس الفار، وزاد الوضع تدهورا، حسب ما عاشته "الفجر" في ليلة مرعبة بالعاصمة تونس، مباشرة بعد انتشار خبر فرار زين العابدين إلى خارج الوطن، وفي الأثناء التي رفعت فيها طلقات نارية لمنع توجه آلاف التونسيين نحو مطار قرطاج، الذي كان تحت حراسة عسكرية مشددة جوا وبرا، ولم تمنع طلقات الرصاص المواطنين للوصول إلى بهو المطار وعرفت العاصمة تونس، أعمال تخريب وتحريق عارمة، دمرت كبريات المتاجر والبنوك والمقرات الرسمية، وفي حدود التاسعة ليلا، من يوم الجمعة، كانت تونس تحت رحمة عصابات ملثمة نفذت اعتداءات ظاهرة للعيان طالت المواطنين ومنازلهم، بالعديد من الأحياء، منها حي باشا الذي نقيم به، وسط غياب كلي لعناصر الأمن والشرطة، ما زاد الوضع انفلاتا في صور جحيمية واستمرت إلى غاية السادسة صباحا، ووجه المواطنون أصابع الاتهام في شهادات ل"الفجر" أن الملثمين وعصابات الأشرار، ما هي إلا جماعات موالية للرئيس الفار بن علي، ومن حزب التجمع الدستوري الحاكم. وقد عرف هذا الوضع تسجيل مئات الجرحى، وسط حديث عن سقوط قتلى بالأحياء الشعبية التي كانت مسرحا لهذه الاعتداءات. محاولات مساجين الفرار وكاد الوضع أن ينفلت في الساعات المتأخرة من يوم أمس، بسبب محاولات تهريب المساجين بوسط العاصمة تونس، قبل أن يتدخل الجيش وكان أصحاب هذه المحاولات، حسب شهادات ل"الفجر"، عائلات مساجين ما قبل الأحداث، ومساجين أحداث تونس طيلة 4 أسابيع. مظاهرات سلمية تنديدا بخرق الدستور واستيقظت العاصمة تونس في حدود 9.30 صباحا، بمظاهرة سلمية قادها حقوقيون وأكاديميون تنديدا بما وصفوه بالخرق الدستوري من طرف الرئيس بن علي، الذي خول صلاحياته للوزير الأول، أحمد الغنوشي، وهو في طريقه إلى المطار، بدلا من رئيس البرلمان، فؤاد المبزع، الذي عرفت شوارع تونس وسط آثار الدمار والخراب وبقايا الحريق، حملة نزع صور الرئيس المخلوع بن علي، وهو الأمر نفسه بمداخل بعض المرافق، منها دور الثقافة والمسارح والإدارات الرسمية، وموازاة مع ذلك، تعرف تونس غيابا كليا للحياة الاجتماعية والاقتصادية، فلا متاجر ولا بنوك ولا وسائل نقل ولا اتصالات وسط حديث عن مستقبل المجهول والانتخابات المقبلة. الدبلوماسيون يغادرون تونس من جهة أخرى، عرفت معظم مقرات السفارات والقنصليات تعزيزات أمنية مشددة، من قبل وحدات الجيش، لا سيما بقنصلية فرنسا وإيطاليا، بشارع الحبيب بورڤيبة خوفا من اعتداءات تطالها، لاسيما وأن أخبار الشارع تفيد بفرار بن علي إلى مالطا أو فرنسا، وكان المركز الثقافي الفرنسي بوسط العاصمة يعرف عملية ترحيب واسعة لموظفيه تحت حراسة مشددة، وهو نفس الأمر بسفارة بريطانيا، ويحدث هذا رغم أن الأجواء تبقى مغلقة وسط حيرة العديد من الجاليات، في العودة إلى أوطانها، في مقدمتها الجالية الجزائرية، التي لم يجد أفرادها من حيلة لمغادرة تونس إلا التجمع في شارع عنابة وسط العاصمة تونس. تدهور التكفل الصحي وتسمم مياه الحنفيات يعرف المستشفى المركزي بوسط العاصمة تونس حالة استنفار قصوى، حيث امتلأ عن آخره بالجرحى، حسب الصور التي رصدتها "الفجر" بعين المكان. وما زاد الوضع تدهورا وصول عشرات المواطنين يعانون من آلام حادة في المعدة والبطن بسبب تناولهم أغذية فاسدة ومياه قيل إنها مسمومة، ويبقى الفاعل مجهولا، وإن كانت الشكوك تحوم حول من يسمون برجال الرئيس الفار. وحسب تصريح الأخصائي خالد من نقابة الأطباء التونسيين ل"الفجر"، فإن إمكانيات المستشفى وباقي المؤسسات الصحية، لا تكفي للتكفل بكل الجرحى، وإن استمر عددهم في الارتفاع بسبب موجة العنف، سيشهد الوضع الصحي كارثة، وقال نفس المتحدث إن على السلطات الجديدة معاقبة المتسببين في الأحداث باسم الشعب التونسي ويعرف المستشفى أزمة حادة في الدم والأدوية، في الوقت الذي تتجه فيه تونس إلى المجهول.