تبدو بلدية عين افقه بولاية الجلفة لزوّارها وكأنها عنوان للبؤس والعزلة القاتلة، فرغم واجهتها التي قد تلهي عن إدراك الحقيقة، بتواجد عمارات جديدة بالمدخل الغربي، وتهيئة وسط المدينة بعد أن أتت عليه الفيضانات على مدار موسمين متتاليين، إلا أن المتمعن في آهات سكانها يكتشف حدة البؤس والشقاء الذي عشش بالبلدية يحن سكان عين افقه إلى الحديث عن مدينتهم يوم كانت قبلة للزوار وممرا إلزاميا لكل من يحل بالجهة، أما اليوم فكل تلك الذكريات الجميلة قد ولّى عهدها، ولم يتبقى من المدينة الجبلية إلا الذكريات، بعد أن أضحت تشبه المداشر المعزولة. وتعد عين افقه من أقدم المدن الجزائرية، حيث كانت تحمل اسم العقلة، ونظرا لأهمية موقعها الجغرافي وتوسطها مدن ولايتي الجلفة والمسيلة، كانت بحق قبلة لسكان القرى والمدن المجاورة وللمارة المتوجهين لولايات الغرب والشرق، وكان الطريق الذي يمر في قلب المدينة ممرا إلزاميا. غير أن مأساتها ترتبط بآثار الهمجية الإرهابية التي أسكنت الرعب بالمدينة وقراها وبالطرق المؤدية إليها، كما أن الفيضانات دمرت البنية التحتية وخلّفت خسائر كبيرة على مدار موسمين كاملين بسبب الوادي الكبير الذي يتوسط المدينة، ويضاف إلى ذلك العزلة التامة التي فرضت عليها بعدما تناستها السلطات الولائية. وبالنسبة لسكان عين افقه، فإن التنمية مصطلح غريب، كونهم هجروا بلديتهم منذ بداية التسعينيات عندما بدأ تجّار الموت يجوبون المدينة ليلا ونهارا، فيقتلون إخوانهم وأهاليهم وأصدقاء ويفرقون بين الأخ، الوالد والعم، وما ساعد على ذلك موقعها بالقرب من جبل القعدة الذي يعد أحد أهم معاقل الجماعات الإرهابية. وتبعد بلدية عين افقه عن عاصمة الولاية الجلفة، بأزيد من 160 كلم إلى الشمال الشرقي، ووجودها على حافة الطريق الرابط بين شرق البلاد وغربها، لم يشفع لها في شيء، فمواردها محدودة فلا هي فلاحية لقلة ما تحتويه من أراضي خصبة ولا هي صناعية لافتقارها إلى مصانع، فأغلبية سكانها أي حوالي 80 ٪ يعيشون بالمدينة والباقي متواجدون بالمداشر، وأغلبيتهم يعملون بمناطق أخرى داخل مدن الولاية، كما أن نسبة كبيرة من الشباب تعاني البطالة التي تصنع أتعس أيامهم، فأكثر من نصف شبابها دون عمل، رغم أن أغلبيتهم حائز على شهادات تحصلوا عليها من معاهد التكوين المهني ومن الجامعات. ويلاحظ المتجول في شوارع عين افقه، التي تآكلت جدران بيوتها وهوت بعض جنباتها، أناسا من مختلف الأعمار متجمعين على الأرصفة أو جالسين بداخل المقاهي الشعبية القليلة، ولا حديث لهم إلا عن أحلام شبابية يزاحمهم فيها حتى أولئك الذين علا الشيب رؤوسهم، والدليل على فقر البلدية أنها تفتقر إلى مؤسسات صناعية عامة وخاصة. سكانها يطالبون بمضاعفة حصة السكن الريفي واستفادت عين افقه في السنوات الست الأخيرة من أزيد من 75 سكن اجتماعي، غير أن بعضها ظل مغلقا منذ تسليمها لأصحابها، لأن هذا النوع من السكن غير مرغوب فيه، بالرغم من تواجد عائلات تقطن في أكواخ تناثرت على مداخل ومخارج المدينة وعلى حافتي الوديان، كما أن هناك عائلات أخرى تقطن مساكن قديمة متصدعة مهددة بالسقوط ولا تتوفر على أدنى الشروط. غير أن جل طلبات السكن تتجه نحو السكن التساهمي وبدرجة أكثر السكن الريفي، ما جعل مسؤولي البلدية في حيرة من أمرهم كون عدد الطلبات على السكن الريفي فاق بكثير الحصة القليلة. من جانب آخر، فإن وضعية الطرقات جعلها تشبه المداشر، حيث يعاني وسط المدينة وشوارعها من وضع مزري كون 90٪ من الطرقات مهترئة، كما أن أشغال إعادة مد قنوات تصريف المياه القذرة زادت الوضع سوءا. نقص المرافق زاد من العزلة وتعاني عين افقه من نقص كبير في المرافق الحيوية، وحتى وإن وجدت فهي في حالة يرثى لها، لا تقدر على تلبية حاجيات المواطنين، ما يعكر صفو حياتهم. فعلى مستوى القطاع الصحي، تتوفر البلدية على قطاع صحي يغطي احتياجات أزيد من 18 ألف نسمة، ويشهد يوميا توافد عدد كبير من المواطنين غير أن الخدمات الصحية المقدمة لم ترق إلى المستوى المطلوب، بسبب النقص في الوسائل والتخصصات. وهو نفس الأمر بالنسبة لمجمل القطاعات كقطاع الشباب والثقافة الذي يعكس بدوره حالة العزلة والبؤس التي يعاني منها المواطنون، في ظل عدم وجود قاعات ثقافية ولا رياضية باستثناء ملعب بلدي صغير وضعيته لا تشجع على تطوير الرياضة وبالأخص كرة القدم الأكثر شعبية.