بعد مجموعتها الأولى ”نسيت حقيبتي ككل مرة” الصادرة عام 2007 عن دار النهضة بلبنان، تطلع علينا الشاعرة الجزائرية لميس سعيدي بمجموعتها الشعرية الجديدة ”إلى السينما”، الصادرة عن دار الغاوون عام 2010، التي تشكّل لبنة أخرى في مشروع لميس، التي يبدو أنها اختارت هذه المرة العزف على وتر واحد، أو موضوعة وحيدة على مدار المجموعة هي السينما بعوالمها وهواجسها ومشاغلها ولغتها التي تستعيرها للحديث عن حالات وجودية وإنسانية بالغة التعبير عن العزلة والخيبة والملل، بمفردات لا نجدها إلا في قاموس السينما. المجموعة دعوة مفتوحة للدخول إلى السينما، بوصفها عالما رمزيا وتكثيفا للحياة، تنم عن ولع كبير بهذا الفن وهذا الشكل التعبيري الذي يبدو أنه قادر على رفد النّص الشعري بلغة جديدة، ومنحه أبعاد سمعية بصرية مستقاة من حقل بدا للوهلة الأولى بعيدا عن التناول الشعري، أو دخيلا على الشعر كما استقر في الذائقة التقليدية. لكن لميس قدمت لنا تجليا مشرقا للزواج الممكن بين الشعر والسينما على أكثر من صعيد .. ولئن كان الشعر هو الرسم بالكلمات بحسب نزار قباني، فهو أيضا الكتابة بالضوء خارج كل الكوادر والكليشيهات المستهلكة .. نحن أمام إخراج شعري بالغ الدقة والتعقيد مشتبك العناصر لغة وتشكيلا ورؤيا، ولسنا نستطيع أن نحدد بدقة إن كنا أمام شعر سينمائي النزعة أو سينما شعرية المنحى بمعني آخر، أيهما كان الأقوى حضورا في وعي الشاعرة، ولاوعيها، وأيهما كان الأحب إلى نفسها بنظرة التفضيل التبسيطي وأيهما كان ذريعة للآخر ومسوغا له، وهل كتبت ما كتبت حبا في السينما أم العكس هو الصحيح أي أنها كتبت ما كتبت حبا في الشعر ونكاية في السينما. ومهما يكن الأمر فإن المستفيد من كل هذا هو لحظة الجمال والمعنى التي تجلّت كأشرق ما يكون بلغة هي مزيج مركب من لغة الحياة اليومية العابرة والسينما على حد سواء.. الأكيد أن المجموعة تعبّر عن عشق مزدوج للشعر والسينما كلاهما، وبقدر ما هي تعبيرات قصوى عنه بشكل مدهش، فهي أيضا دعوة للقارئ لمشاركتها إيّاه وجدانيا. إلا أن المفارقة الشعرية البريئة تجعل من شخوص لميس يبدون عدميين وغير مبالين بدعوتها لحب السينما بالصدق المفترض والشكل المنشود، فالمشاهد هنا ”لم يحبّ السينما يوماً/ لكنه المكان الوحيد الذي وجد فيه كرسياً شاغراً / في صفّ شاغر/وسط صفَّين شاغرَين/ ليوشوش كما يشاء /ما نقص من الحوار”. أما الممثل فليس بالمحترف الموهوب بل هو مجرد هاو ”مبتدئ /غير موهوب / لم يمثّل في أي فيلم من قبل /لم يمرّ من بلاتوه أي فيلم من قبل /لم يشاهد أي فيلم من قبل /لا يحبّ الكاميرا / ولا هي تحبّه / بالكاد يحفظ اسمه خلال التصوير / وغير مستعد لاتباع تعليمات المخرج / يبحث عن الدور /الذي من أجله عَلِق في هذا الفيلم” منذ أن تعب من الدوران ”في حين أن الشاعرة لميس سعيدي كعادتها، نسيت حقيبتها ككل مرة، بل واكتشفت أن ”أشرطتها الفارغة نُسيتْ خارج الكاميرا”، وأنها هي نفسها كحالة شعرية نسيت خارج الكادر، فلم تحظ مجموعتها ”إلى السينما” إلى حد الآن، على أهميتها، بالقراءة التي تليق باستثنائتها وفرادتها من حيث كونها أبدعت توليفة شعرية رائعة محمّضة بنكهة السينما .. أحمد عبدالكريم