لا تزال مفاهيم الدفاع عن الشرف المتمثلة في التخلص من العار الذي تجلبه الفتاة هي المسيطرة والبارزة، ولا تزال المفاهيم الذكورية ترى في الفتاة عاراً من السهل التخلص منه وكأن به زائدة دودية لا يشكل التخلص منها أي خطر على جسد العائلة الجزائرية إن الذي ينظر في جرائم الشرف يتخذ دوماً الفتاة موضوعا للجريمة، بينما يكون الذكر هو الموضوع، فالشرف يرتبط بنقاط عديدة، تبدأ بارتباطه الوثيق بشرعية العلاقة الجنسية التي تحكمها قوانين عائلية وقبلية أكثر مما هي دينية أو قانونية، وأن الخروج عن طاعة الأهل أو الزوج يرتبط أيضاً بمفهوم الشرف. في الجرائم المرتكبة تحت عنوان الشرف، كشفت الإحصاءات أن الكثير من الفتيات ذُبحن في العديد من مناطق أم البواقي، لاسيما في تلك المناطق النائية التي تحتكم إلى القبلية والعروشية، لمجرد الشك والظن. قصص مؤلمة تحبس الأنفاس في بداية العام الحالي، أقدم أب بإحدى مداشر أم البواقي على قتل فلذة كبده بعد تورطها في علاقة غير شرعية مع شاب ينتمي إلى عرش آخر. الشاب كان قد تقدم إلى خِطبة تلك الفتاة لكن أهلها رفضوا ارتباطها به بسبب عداوة قديمة بين عرشهم والعرش الذي ينتمي إليه. الشاب الذي قرر الاعتداء جنسيًا على فتاته وسلبها شرفها حتى يضع أهلها أمام الأمر الواقع فيضطروا بذلك إلى تزويجها إياه درءًا للعار و سترًا للفضيحة.. لكن جرت الرياح بما لم تشتهيه سفينة الشاب المسكين، عندما أقدم والد الفتاة، وهو شيخ مسن، على قتل ابنته غسلًا للعار برميها في البئر عندما كانت المسكينة ترعى الأغنام، ليبلغ بعد ذلك عن جريمته الشنعاء التي اهتز لها سكان القرية، وليسلم نفسه لمصالح الدرك الوطني التي قدمته أمام وكيل الجمهورية الذي أمر بإيداعه الحبس الاحتياطي في انتظار مثوله للمحاكمة، لكن الأقدار شاءت أن يسلم روحه إلى بارئها حزنًا عن فلذة كبده وندمًا على فعلته تلك. وفي فصل آخر من مآسي جرائم الشرف بأم البواقي، أقدم شاب بإحدى القرى النائية بمسكيانة، ليلة دخلته، على قتل زوجته بعد أن اكتشف أنها ليست عذراء معتقدًا أنه تعرض إلى خيانة وخدعة عظمى، لتتحول لحظات زغاريد الفرح إلى نواح وعويل و بكاء؟!. أما بعين البيضاء، كبرى حواضر ولاية أم البواقي، فقد أقدمت أم- بكل ما تعنيه الكلمة من عطف وحنان - بكل برودة دم على قتل ابنتها البكر خنقًا بعد اكتشافها أنها حامل جرّاء علاقة جنسية غير شرعية. الأم أرادت إخفاء جريمة بجرم أخطر، حيث أزهقت نفسين بريئتين -البنت وجنينها - في لحظة طيش عابرة تكريسًا لقاعدة غسل العار والدفاع عن الشرف. شاهيناز، فتاة في العشرين من عمرها، رائعة الجمال، دخلت الجامعة لمواصلة دراستها العليا وهي التي كانت تتمنى أن تكون في المستقبل طبيبة، لكن الأقدار شاءت لها مستقبلًا آخر، فجمالها الأخاذ كان بمثابة تأشيرة لها لعبور القارات، فقد زارت في وقت وجيز أكثر من 20 دولة عربية وغربية، وتمكنت من جمع ثروة طائلة. وبسبب رحلاتها الكثيرة كانت تنسى وفي غفلة منها زيارة، أو على الأقل مراسلة أو مهاتفة عائلتها الفقيرة التي تقطن في إحدى المناطق المعزولة بعين كرشة، لذلك قرر شقيقها الأكبر زيارتها في جامعة قسنطينة أين تزاول دراستها، وكم كانت صدمته كبيرة وعنيفة عندما علم بحقيقة ما تفعله شقيقته التي كانت مثالا للأخلاق الرفيعة.. بعد أن أصبحت أشهر عاهرة. شقيقها المصدوم، وفي لحظة غضب جارف التقط قضيبا حديديا وانهال على شقيقته ضربًا في كل مناطق جسدها المكشوف، ولم يتوقف إلا بعد أن فاضت روحها بين يديه، وأثناء محاكمته قال إنه قتل شقيقته انتقامًا لشرف العائلة وأنه مستعد لقتلها ألف مرة ومرة، وأنه غير نادم على فعلته تلك!. 10 نساء تعرضن للقتل منذ بداية 2010 تواجه السلطات الولائية بأم البواقي ملفًا شائكًا من قضايا جرائم الشرف التي تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في معدلاتها، خاصة خلال الشهور الأخيرة، بدعوى ضلوع الفتيات في علاقات جنسية غير شرعية، حيث كشف مصدر أمني محلي مطلع ل”الفجر” أن 10 نساء على الأقل تعرضن للقتل خلال العام الجاري بولاية أم البواقي، بتهم الضلوع في علاقات جنسية غير شرعية. والغريب أن جل جرائم الشرف تُعلن أنها عمليات انتحار تجنبًا لأي متابعات قضائية لمرتكبيها، الذين هم في الغالب من أهل الفتيات، خوفًا من العار والفضيحة. فيما بلغ عدد الفتيات اللواتي قُتلن على أيدي أهاليهن خلال العام الماضي 30 ضحية على بولاية أم البواقي. الرقم مخيف جدًا، ويستدعي تدخلاً فوريًا وعاجلاً قصد حد لظاهرة قتل النساء بتهمة الدفاع عن الشرف.. فأي شرف هذا الذي يريق دماء الفتيات و النساء بمجرد وقوعهن في الخطيئة، سواء عند لحظة ضعف بشرية أوهن ضحايا لعمليات اغتصاب.. انتشار كبير للدعارة بمختلف ولايات الوطن نعترف أن هذا الموضوع الشفاف، طالما لفه النسيان أوالتناسي وعدم الاكتراث بسبب الواقع الاجتماعي الجزائري العام، وما يسمى بالأعراف والتقاليد، مع أنه لا يعدو أن يكون قضية اجتماعية مأساوية، ليس من المفيد ولا من اللائق أن تبقى أسيرة الأمزجة المتقلبة والعادات البالية. إن الحديث عن جرائم الشرف يقودنا مضطرين إلى الحديث عن ظاهرة البغاء والدعارة في الجزائر ككل، وليس في منطقة، وعلى وجه التحديد تصدير الفتيات الجزائريات إلى بعض الدول العربية والأوروبية لبيع أجسادهن مقابل أثمان بخسة. فالشرف الجزائري أضحى يُباع ويُشترى ويُعبث به في العالم، فهناك تقارير إعلامية أجنبية تشير إلى فتيات جزائريات يتسكعن في شوارع دمشق وبيروت وتونس والقاهرة ودبي وبعض العواصم الأوروبية في منتصف الليل بحثًا عن الزبائن..! مفهوم الشرف عند الجزائريين محصور في المرأة كل ذلك لا يعني إطلاقًا تبرير جرائم الشرف التي بدأت في الآونة الأخيرة تجد لها موطئ قدم في المجتمع الجزائري، رغم أن هذه الجرائم ليست جديدة، وإن كانت دخيلة على الجزائر، فالجزائري رأس ماله الشرف وشرفه المرأة.. رغم أن الكثير من الفتيات اللواتي ذهبن ضحية جرائم الشرف، هن ضحايا اعتداءات وتحرشات جنسية من طرف الذكور، وبالتالي فالذي يُعاقب ويقام عليه الحد هو ذلك الشاب الذي سلب الفتاة عنوة شرفها. لقد تصاعدت ظاهرة قتل النساء في الفترة الأخيرة بأم البواقي بداعي الدفاع عن الشرف وغسل العار، وبشكل متزايد لافت للنظر، حيث تجاوزت الأرقام حدًا يدعو للقلق، الأمر الذي ينذر بنتائج كارثية جراء السكوت والتعتيم أوإيجاد تبريرات غير مقنعة. من يربط شرف العائلة بعذرية المرأة فهو مخطئ يقول محمود بوسلوقية - أستاذ جامعي -أن جرائم كثيرة في حق فتيات كان ذنبهن العظيم هو اختيار طريقة حياتهن بمعزل عن أهاليهن، وهنا كانت الطامة الكبرى حيث حصلت جرائم يسمونها بجرائم شرف.. من أعطى الحق للأب أو الأخ بإنهاء حياة فتاة قررت أن تتزوج بمن تحب أو قررت أن لا تتزوج وتكمل تعليمها، أو فتاة انتشر عليها صيت سيء، أو فتاة اختارت زوجًا من غير دينها؟!.. ما زلنا ونحن في القرن الواحد والعشرين ننظر إلى المرأة أنها عورة وأنها تجلب العار لأهلها، والذين يربطون شرفهم وشرف عائلتهم بعذرية المرأة هم ناس مخطؤون، ولكن لا يعني في المقابل إطلاق يد المرأة لتفعل ما تريد، ولتكن هناك ضوابط شرعية صارمة. حقوقيّون..”المرأة لا تزال معنفة بالجزائر” أما ساعد بومزو، ناشط حقوقي، فيؤكد أن العقاب مفقود، فقد استغل الذين يرتكبون ما يسمى بجرائم الشرف الفرصة لتنفيذ جرائمهم الشنعاء في حق أقرب الناس إليهم، سواء الأخت، الابنة أو الزوجة بكل سهولة.. فالمرأة أضحت من السهل التخلص منها عند أول خطأ أو خطيئة ترتكبها هي، أو تُرتكب في حقها من طرف بعض الوحوش الآدمية. ويردف قائلا: “المرأة لا تزال تعاني المخاطر في الجزائر رغم كل ما أعطته لهذا الوطن، وهو ما يستدعي تدخل عاجل لإعطائها حقوقها والمكانة التي تستحقها”. ويضيف ذات المتحدث أن إقامة الحد شرعًا في حالة الزنا يكون على الزاني والزانية على حد سواء.. لكن في تقاليدنا المرأة دائمًا هي التي تدفع الثمن، رغم أنها كائن رقيق لا حول ولا قوة له أمام جبروت الرجل.. والذين يقدمون على جرائم الشرف هم جهلة لا تمت أعمالهم بأي صلة للإسلام ولا تخضع للعقل والمنطق.. وأنا ضد مثل هذه الجرائم البشعة، فهناك حلول أكثر نجاعة من القتل، لأن الذي يرتكب جريمة قتل المرأة التي راحت ضحية اعتداء جنسي هو في واقع الأمر ارتكب ذنبًا عظيمًا، وعوض أن يقتص من الجلاد اقتص من الضحية”. مختصون : “جرائم الشرف هي طريقة عصرية لوأد الفتيات” من جهة أخرى ترى سعاد تاغريبت -أخصائية اجتماعية - أن جرائم الشرف هي طريقة عصرية لوأد الفتيات التي كانت منتشرة في العصر الجاهلي، “وأنا لا أرى أي فرق بين الذي يقتل فلذة كبده لأنها تورطت في علاقة غير شرعية مع شاب وعدها بالزواج وبين أب يئد ابنته لا لشيء إلا لأنها أنثى، فكلاهما جريمتان تستوجبان العقاب، مع التماس بعض الأعذار للذي يئد ابنته نظرًا لظروف تلك الفترة الزمنية. أما في العصر الحديث، فمخطئ ذلك الذي يقدم على جريمة قتل ابنته بداعي غسل العار والانتقام للشرف والكرامة، وبئس الذين يربطون شرفهم العام بالعذارى..”.