يعود الحديث كل سنة في اليوم العالمي عن واقع المرأة في الجزائر، حديث تختلط فيه النزعة النضالية بالتباهي بما يعتبره الكثيرون مكتسبات سمحت للجزائرية أن تكتسح فضاءات كانت بعيدة عنها، فهي اليوم حاضرة في كل المناصب الحساسة: قاضية، جنرال، وزيرة··· وبالرغم من ذلك يستمر التنديد بالمجتمع الذكوري الأبوي· وككل سنة سيحتفل الرئيس بالشخصيات النسوية ''الفاعلة''، تماما مثلما تجتهد قاعات التحرير في وسائل الإعلام لإيجاد أسماء للتكريم، وقد تذهب بعض الإدارات والمؤسسات الاقتصادية لحد منحها نصف يوم عطلة و وردة حمراء مثل تلك التي يؤديها الشاب يزيد في حفله النسوي، تعبيرا عن الحب والتقدير· في نهاية اليوم تعود الجزائرية لتجد نفسها في مواجهة واقعها مع الرجل، الأب، الأخ، الزوج وحتى الإبن·، كيف ينظر هذا الرجل، المتهم الأول، لواقع المرأة في 2010· حين تتحدث مع الجزائري عن المرأة سرعان ما تدرك أن النساء لديه إنما هن أنواع، فهناك اللواتي ينتمين إليه والأخريات، تقسيم نابع من موروث ديني يطبق يوميا عن غير وعي، يذكرنا بقصة خروج حواء من صلب آدم، ما يجعله الأسبق، الأقدم، الأقدر وغيرها من الصفات التي تأصلت بين الرجل والمرأة ليس في الجزائر فحسب، بل لدى المسلمين· والحال لا يختلف عندنا، حيث يتم التعامل مع المرأة من منطلق انتمائها لدائرة رجالية، فهي إبنة فلان، أخت فلان إلى أن تجد من يجعل منها زوجة فلان لتختتم نهاية دائرة الحياة بتحولها لأم فلان، والواقع يؤكد أنه لا يمكن للمرأة في الجزائر مهما بلغت مكانتها التخلص من هذا الالتصاق الأبدي بالرجل، قد يقول البعض أنه أمر تقتضيه الطبيعة البشرية، غير أن تبعات هذا الطرح تجعل من المرأة تجسيدا لمفهوم ''شرف العائلة أو القبيلة'' حامل لواء سمعة الكل وأي خطأ من طرفها يتحمل وزره الكل، مثل هذا الكلام ما يزال ساري المفعول في العرف الجزائري· شرف القبيلة والنفاق الاجتماعي ''محند''، شاب قارب عقده الثالث من الذين يمكن اعتبارهم نخبة الشباب، فبالإضافة لكونه جامعي يعمل في واحدة من أكبر شركات الهاتف المحمول، فإنه من المحظوظين اجتماعيا، ابن عائلة ثرية تسمح له إمكانيته من ارتياد أرقى المقاهي والصالونات العاصمية، تلك التي ترتشف فيها فنجان قهوة بأكثر من 300 دينار، إلا أنك تجده يبرر ذلك بلكنته الفرنسية الباريسية: أن الرفقة الجميلة لا تحسب بالأموال''، ولأن الرفقة الجميلة لا تكتمل إلا بحضور الحسنوات، فإنك غالبا ما تجد ''محند'' مع ثلة من الأصدقاء من ضمنهم فتيات تعتقد أنهن خارجات من أغلفة أرقى مجلات الموضة الغربية، جامعيات وموظفات في كبريات الشركات بالجزائر، قد تحسبهن أجنبيات وهن يتحدثن بالفرنسية مخلوطة بكلمات إنجليزية، طبيعة عملهن مع الشركات الأجنبية تحتم التفتح على كل اللغات· الحديث مع هذه الفئة من الشباب العاصمي عن واقع المرأة في الجزائر يبدو وكأنك تطرح موضوعا خارج نطاق الزمن، وهو ما يؤكده محند: ''أعتقد أننا تجاوزنا مثل هذا الحديث، المرأة اليوم تحتل المكانة التي تستحقها فقد دخلت كل ميادين العمل، أما إن كنت تقصدين الحديث عن المشكلات الاجتماعية، فذلك لا علاقة له بكونها امرأة بقدر ما هو مرتبط بالواقع الاقتصادي الذي نعيشه''· كلام ''محند'' عن واقع المرأة بدا سلسا جعلنا نشكك في الواقع السوداوي الذي يرسمه البعض عن وضعية المرأة ببلادنا، كيف يمكن الحديث عن انتهاك القوانين لحقوق المرأة في الوقت الذي يوجد فيه فتيات في مقتبل العمر يتقلدن مناصب عليا في شركات مهمة، مثلما هو الحال مع ''سارة''، قد تعتقد حين تراها أنها لا تزال في طور الدراسة، غير أنها تفاجأك بقولها أنها مديرة العلاقات العامة والخارجية في شركة دولية، تترأس فريق عمل مكون من 12 رجلا· تؤكد ''سارة'' وهي تشعل سيجارتها الفاخرة أنها لا تجد أي صعوبة في إثبات مكانتها في المؤسسة، بل لا تفكر في كونها إمرأة مضطرة أن تثبت أي شيء عدا الكفاءة· مثل هذا الحديث يجعلك تعتقد أنك في واحد من مقاهي سان جيرمان الباريسي، حيث لا مكان للحديث عن قانون الأسرة ولا المجتمع الذكوري ولا غيره، وكأن الأمر يتعلق بلقطة سينمائية وليس بالواقع الجزائري، كان لابد من الخروج من هذا الديكور، الذي بدا بالرغم من جماله لا يعبر عن الواقع الجزائري، فما كان منا إلا أن نتجاوز الخطوط الحمراء في الحديث لمعرفة كيفية تنظيم العلاقات الحميمة بين الرجل والمرأة عندنا، هذا الحديث كان بمثابة الانطلاقة الفعلية للتقرب ولو بقليل من نظرة الرجل للمرأة في جزائر ,2010 أول ما تبادر لذهننا في محاولة عكس وتيرة النقاش كان سؤالنا عن مدى تقبل ''محند'' رؤية شقيقته في جلسة من هذا النوع مع أصدقاء لها ذكور أو صديق حميم· الجواب كان سريعا، حيث أكد: ''لا يمكنني منع شقيقتي من التعرف على صديق، الكل يعلم أن كل الفتيات في الجزائر دون استثناء لهن علاقات سواء في العمل، الحي، حتى في الشارع والأمر لا يستثني الماكثات بالبيت، الفرق أن هناك من العائلات من يتقبلن هذه العلاقة، في حين أن البعض ينظر لها على أنها من المحرمات· فيما يخصني تعودنا في العائلة على الصراحة ولا مانع لدي حيال علاقات أختي سواء كانت صداقة أو أكثر، أنا أؤمن بالأخلاق والتربية التي تلقيناها في البيت وأثق في أخلاق المحيطين بي، الأهم من وجهة نظري الابتعاد عن الاستهتار، عدا ذلك لا يمكنني منع غيري القيام بما أقوم به''، مثل هذا الكلام المبهر له حدوده، لكن حين تجرأنا للإشارة للعلاقات الحميمة التي يبيحها ''محند'' لنفسه، سارع للتأكيد أن الأمر يختلف: ''لا يمكن استغلال مثل هذا الانفتاح لبلوغ هذه الدرجة، لا يمكن بأي حال من الأحوال التغاضي عن التقاليد الدينية للعائلة الجزائرية، حتى بالنسبة لتلك غير المطبقة لتعاليم الدين بحذافيره، لا يمكن تصور شقيقتي في علاقة من هذا النوع مع عشيق، أمر غير مقبول تماما، صحيح أنه لابد من تجاوز الكثير من العقد، غير أن هذا لا يعني التخلي عن الأساس المتمثل في الحفاظ على الشرف''· ماذا لو حدث ووجد ''محند'' شقيقته بالجرم المشهود مع عشيق لها: ''لا أجرؤ على تصور ولا أتمنى حدوث مثل هذا الأمر، قد أتحول إلى مجرم في رمشة عين''، أمر مفهوم تقول صديقته ''نسرين'' التي تؤكد على أنه بالرغم من إقبال العديد من الفتيات على تخطي الخطوط الحمراء في العلاقة مع أصدقائهم، إلا أن الأمر يبقى ضمن إطار السرية مهما بلغت مكانة المرأة ومهما كان مستوى العائلة وتفتحها: ''مثل هذه العلاقات لا بد أن تكون سريا، فالعلاقة بين الرجل والمرأة ببلادنا لابد أن تمر عبر الزواج، لا مفر من هذا الرابط، أي علاقة من أي نوع آخر ستكون بالضرورة سرية، خاصة بالنسبة للمرأة التي تتأثر سمعتها عكس الرجل''، هل هي العودة للحديث عن المجتمع الذكوري؟ مثل هذا السيناريو المخيف على حد قول ''محند'' لو صادف وحدث في حي شعبي مع شاب لم يلق من التعليم سوى القسط الذي يسمح له بفك طلاسم حروف إسمه، تراه كيف يكون مصير شقيقة شاب مثل ''سيدعلي العشريني'' بائع ملابس نسائية بسوق شارع موريتانيا بقلب العاصمة: ''لا يتطلب مثل هذا السيناريو الكثير من التفكير، شخصيا لدي ثلاث أخوات في مختلف أطوار التعليم، لا يسمح لهن حتى التفكير في التكلم مع زملاء الدراسة في الشارع، يمكنها أن تتحدث معهم داخل القسم أما خارجه فسيكون مصيرها تكسير عنقها، إذا عاملت الفتاة منذ الصغر بمثل هذه الصرامة يغرس لديها الشعور والإيمان ببعض المفاهيم التي لا يمكن تجاوزها مع الوقت، الشخص الوحيد الذي يسمح لها بالحديث معه هو ذاك الذي يأتي لخطبتها، البنات مسؤولية لابد من تحملها لغاية زواجهن، نحن لسنا في شيكاغو حتى تفعل ما تشاء، في الشارع والحي، الناس تقول أخت فلان وبنت فلان، سلوكها دليل سمعة العائلة وأخلاقها العالية''، يضيف ''سيدعلي'' التاجر بسوق شارع موريتانيا: ''يا أختي ما يغركش كلام تلفزيون احنا مسلمين وما زال عندنا تقاليد تحسب حساب الحلال والحرام''، أما إن سألته عن تجربته الخاصة مع الفتيات وعلاقته يقول لك أنه واثق في أخلاقه، لكن لا يمكن الوثوق في أخلاق باقي الشباب الذين يتلاعبون ببنات الفاميليا، مشيرا إلى أن كل علاقته كانت بغرض البحث عن بنت الحلال التي تصلح لتكون زوجة المستقبل· الجزائرية بنت حلال وبنت فاميليا ما لم تتطاول على الرجل هو إذن الزواج الوحيد القادر على ضبط عقارب ساعة العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع الجزائري، حيث أن الأمور تبدو مضبوطة لغاية بداية الحديث عن الزواج، فزوجة اليوم لا علاقة لها بزوجة الماضي، اليوم المرأة تخرج للعمل وتعود للبيت لتجد ذات الواجبات النسوية منذ الأزل في انتظارها· في هذا الخصوص يقول ''سيدعلي'': ''صحيح أنني أفضل أن تهتم الزوجة بشؤون البيت، لكن الظروف الصعبة باتت تحتم على الشباب البحث عن زوجة تعمل لتقاسم مصاريف الحياة، غير أن هذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يغير الأدوار فيما بينهما، لا يمكن مطالبة الرجل بالوقوف في المطبخ حتى يتحول لرجل عصري، يمكن المساعدة لكن لا يمكن قلب الأدوار، هي أدوار كرسها الله في الطبيعة الإنسانية، أرادت المرأة الخروج للعمل إلى جانب الرجل فكان لها ذلك، هذا لا يعني أن يبقى الرجل في البيت ولا أن يجبر على تقاسم شغل البيت''· إذا تماديت في الحديث مع ''سيدعلي'' عن وضعية المرأة في الجزائر، لن يتردد في التأكيد أنها أحسن حالا من الرجل على كل الأصعدة ولا يغلب في إيجاد الحجج لإقناعك بموقفه المتمثل في كون المرأة منذ ولادتها وهي قابعة تحت مسؤولية الرجل سيما في المصاريف، حتى حين حققت استقلالية مادية من خلال العمل تستغل راتبها لأغراضها الشخصية في المقام الأول، ثم من ماذا تشتكي المرأة: ''كل الإحصاءات الرسمية تشير إلى ارتفاع نسبة تمدرس الفتيات عكس الذكور، وقد نجحت في التواجد في كل المناصب والميادين، اليوم حين تخرج إلى الشارع لا تكاد ترى إلا النساء في كل مكان، بصراحة شديدة من خلال عملي في بيع ملابس النساء أتأكد كل يوم أن المرأة داخل المنزل تصرف كما تحب''· بالرغم من اختلاف المستويات، إلا أن الحديث مع ''محند'' و''سيدعلي'' يشعرك بأن حال المرأة في الجزائر لا تشوبه شائبة، كما أن الحديث عن تعسف قانون الأسرة وتسلط الرجل لا يكاد يستمد شرعيته من الواقع بقدر ما هو خطابات تتلقفها ألسنة الناشطات في حقوق الإنسان· فبخصوص قانون الأسرة يقول ''مراد'' بائع في ذات السوق وصديق ''سيدعلي'' أنه سعى للتشبه بالغرب، حيث تعمل بعض النسوة على فرض هذا الخطاب الذي لا يكاد يعني أغلب الجزائريات، وحين تسأله عن مصير المرأة المطلقة واضطرارها للخروج من منزل الزوجية رفقة أطفالها، يسارع لجوابك بأن الرجل يفني حياته لتوفير بيت عائلي، ومع أول مشكلة تواجه الزواج، تطالب المرأة بالطلاق، أليس من التعسف أن يجد الرجل نفسه في الشارع بالرغم من كدحه المستميت لتوفير بيت· ولأن ''مراد'' من الشباب الملتحي المتدين ممن يطلق عليهم صفة الأخ، فإن كل مواقفه جاءت مستمدة من الدين بقوله: ''لا أعتقد أن قانون الأسرة الجزائري يحتوي على مواد تتعارض مع الشريعة، فالطلاق أبغض الحلال في الدين، وفي اعتقادي أن القانون في صيغته الحالية يجعل المرأة تفكر قبل اتخاذ مثل هذا القرار''· بمثل هذا الحديث تأتي حجج ''مراد'' مرتكزة على الشرائع الدينية، حين تسأله عن حق الرجل في الزواج بأربع زوجات، تجد الجواب الجاهز أن ذلك من تعاليم الله التي لا يمكن نكرانها بنص قانوني، مشيرا إلى أن المطالبين بالتخلي عن هذه التوصيات المنصوص عليها في قانون الأسرة إنما يأتي من طرف ثلة ممن يعملن لمصلحتهن أكثر مما يعملن لمصلحة المرأة: ''المرأة اليوم ليست في حاجة لمن يدافع عن حقوقها، فلقد حققت ما يجب في إطار احترام الهوية الإسلامية، أما إن أردن الحديث عن الانفتاح الذي يقودنا للانحلال الخلقي، فلا أعتقد أن الجزائرية تطالب بذلك''· الدين، المجتمع والقانون هي المعايير التي تتحكم في مكانة المرأة في الجزائر، وبين هذه المعايير تتسع الهوة التي تفصل في المفاهيم والمعتقدات السائدة بين ما تقر به قوانين الجمهورية والمكتسبات التي تسعى لفسح مكان للمرأة في مختلف مجالات الحياة الإجتماعية، السياسية، الاقتصادية وغيرها، نجد المخيال الجماعي الجزائري غير قادر على التلاءم مع كل هذه التغييرات، حيث تتكرس يوما بعد يوم النظرة الخاصة للمرأة، نظرة نعتقد أن المرأة تشارك بشكل ما في ترسيخها، فهي التي تربي ابنها على أنه رجل المنزل الذي لابد له أن يحمي ويعتني بأخته، وإن اختلفت طريقة الاعتناء، هي طريقة في منحه حق التدخل في شؤون الشقيقة وبعد ذلك الزوجة·