ملايين المصريين خرجوا في القاهرة والمدن المصرية الكبرى لتوديع الرئيس مبارك إلى مثواه السياسي الأخير! تماما مثلما خرج ملايين المصريين لتوديع جمال عبد الناصر إلى مثواه الأخير قبل 40 سنة! الفرق بين توديع الملايين من المصريين لناصر قبل 40 سنة وتوديعهم لمبارك اليوم، هو أن ناصر ودعوه بالدموع.. ومبارك ودعوه بالدماء! ناصر خذله الجيش في هزيمة نكراء لم يعرفها تاريخ مصر.. ومبارك خذله الشعب في مظاهرة لم تعرفها مصر طوال تاريخها القديم والحديث! ناصر سكت عن فساد في الجيش أدى إلى كارثة وطنية كبرى! هيكل قال: إن مبارك يحمل الدكتوراه في العناد.. ولذلك لم يفهم أن الشعب لا يريده ويرفض أن يرحل.. لكن مبارك يعرف أن الشعب الذي يطلب منه أن يرحل ليس هو الذي أتى به إلى الحكم حتى يطلب منه الرحيل.. وأن الذي يطلب منه الرحيل هو صاحب الحق الإلهي في تعيين الرؤساء لمصر! وعندما يطلب منه صاحب هذا الحق الرحيل سيرحل بعد أن يرتب رحيله مع من يخلفه! الملك فاروق لم يطلب منه الشعب المصري الرحيل، بل طلب منه من له الحق في توجيه الأوامر للحكام بالرحيل.. فوجه له الأمر بالرحيل فرحل! متى كان الشعب في مصر، وغير مصر، له قيمة سياسية في تعيين الرؤساء وترحيلهم من الحكم؟! لهذا فليتظاهر المصريون كما شاؤوا وليخرجوا بالملايين كما يريدون، فأمر ذهاب الرئيس أو بقائه لا يقرره الشعب في الشارع.. ألم يقل الرئيس المصري مبارك عند بداية الأحداث هو التغيير ”لعبة عيال” خليهم ”يتسلاو”! الشارع المصري يكون قد صدّق ما ورد في الدستور المصري من أن السيادة ملك للشعب! ويريد الشعب عن طريق الشارع عزل الرئيس! نعم كان بالإمكان أن يعزل الشعب المصري الرئيس عن طريق الشارع لو كانت فعلا السيادة ملك للشعب ويمارسها عن طريق الإنتخابات! الرئيس المصري تعرض لإهانات لا توصف من طرف المتظاهرين، ولو كان للشعب سلطة التولية والتنحية للرؤساء لغادر مبارك الحكم بمجرد سماع كلمة واحدة مما ذكر على لسان المتظاهرين في ميدان التحرير.. لكن الرئيس لا يرحل بسبب غضب الشعب لأنه لم يعين من طرف الشعب.. ومن له الحق في التعيين هو الذي له الحق في الإقالة.. وعلى أي حال ليس الشعب المصري هو الذي يقوم بهذا الأمر! جون كيري، السيناتور الأمريكي قال باسم منتخبي أمريكا: إن ”الجاموس كيري” في مصر قد انتهت صلاحيته السياسية وحان وقت رحيله.. ولكن على أمريكا وإسرائيل والعالم العربي أن يعمل على انتقال سلس للسلطة من ”الجاموس كيري” إلى ”لافاش كيري”.. ولكن حكام إسرائيل تشابه البقر عليهم في مصر.. ويريدون أن تحكم مصر بقرة ضاحكة فاقع لونها تسر الناظرين! ويتخوفون من بقرة ضاحكة خضراء اللون لها ميول إيرانية! جمال مبارك قال لأحد مقربيه: إن ”ماما” غاضبة على أوباما! لأنه لم يف بوعده في التوريث! والأمريكان ليس لهم أمان من زمان.. فقد لعبوها من قبل لشاه إيران! لكن مبارك يريد أن ينتقم من غدر الأمريكان خلال الأشهر الثمانية الباقية له في الحكم.. فيقوم بالبطش بمن جندهم الأمريكان للإطاحة به عبر الشوارع.. وفي نفس الوقت يقوم بإحداث التوريث السلس فيما يسمى الإنتقال السلس للسلطة.. فمبارك قال إنه لن يترشح لعهدة قادمة.. ولكنه لم يقل إنه لا يرشح مكانه ابنه جمال! والشارع المصري فهم الرسالة التي أرسلها مبارك في خطابه الأخير.. ومفادها: أنه لن يتنحى عن الحكم إلا إذا ضمن تعيين من يخلفه بطريقة لا يطالبه بالحساب! الإعلام المصري، وخاصة الفضائيات، كانت هي الخاسر الأكبر في معركة مبارك مع الشارع.. فلأول مرة نلاحظ نوعا من الضياع لا مثيل له في الفضائيات المصرية.. حيث يلاحظ المشاهد أن الفضائيات المصرية منحازة إلى الحكم ضد الشارع.. رغم أن القوات المسلحة يقال عنها إنها منحازة للشعب! الغريب في الأمر أن موقف البيت الأبيض وموقف الجيش المصري.. وموقف الإعلام المصري يكاد يتطابق تماما! فهؤلاء الثلاث ليسوا مع الشعب.. وليسوا مع الحكم! أجمل ما في القضية أن مبارك، عندما سقط صدام حسين في مشنقة الأمريكان، قال مبارك لقد نصحته أن يرحل هو وأهله ولم يسمع لنصيحتي.. فكان له المصير المهين هذا! واليوم كل مصر، ومعها العالم، تنصح مبارك بالرحيل.. فهل يكون مصيره يشبه مصير صدام حسين؟! خاصة أن المتظاهرين أصبحوا يطالبون برأسه! والفرق بين صدام ومبارك هو أن الأول عندما أُعدم بكاه بحرقة كل أحرار العالم.. أما مبارك فلن يبكيه أحد إذا شنقه المتظاهرون؟!