دون سابق إنذار، دخلت حالة الغليان في مصر في منعرج خطير جدا على حد وصف عدد من المراقبين في تصريحات خاصة ل"الفجر"، مشيرين إلى أن هذا المنعرج سيحسم الموضوع لصالح المتظاهرين إن لم تسارع السلطات المصرية لإدارة دفة القيادة في اتجاه آخر بعيدا عن ساحة الصعايدة، الذين يقول عنهم التاريخ بأنهم قوة لا ترحم وأكد عدد من المثقفين والباحثين الذين ينحدرون من أصول صعيدية، أن الدولة ستجد صعوبة كبيرة في التحايل على الصعايدة، لما يتصف به الشخص الصعيدي من عصبية وإصرار على أخذ حقه بيده خصوصا أن له الآلية لتحقيق ذلك، لما للصعايدة من قوة في العدة والعتاد الحربي. في هذا الصدد يقول الباحث والصحفي، الصعيدي الأصل محمود الدسوقي ل"الفجر": "في قراءة لخريطة الاحتجاجات في مصر نلحظ أن محافظات الصعيد لم تتفاعل مع ثورة 25 يناير رغم محاولات الإخوان للعب دور في تأجيجها في محافظات المنيا وأسيوط ومدينة قوص بقنا وهي مناطق الصعيد الجواني". ويضيف الدسوقي: "إن الحسم الذي سيتخذه الصعيد سيكون لصالح الدولة والشعب وليس النظام، مشيرا إلى أن الصعيدي حريص على الحفاظ على كيان الدول المصرية وهو يؤمن بتاريخ مصر وجغرافيتها كدولة". ويقول الدسوقي: "حين قامت ثورة يوليو لعب الصعايدة دورا كبيرا في تأسيس هذه الدولة، وهو الأمر الذي يستبعد قيام صدام مع الصعايدة والدولة، فالدولة هي مصر والنظام هو حسني مبارك وبالتالي الصراع سيكون ضد حسني مبارك وليس من اجل تدمير مصر كدولة". وأوضح الباحث: "لأن الصعيد مكبل بتركيبة قبلية ومجتمع ذكوري أبوي غير أن الصعيدي لا يريد أن يطلق عليه اسم البلطجي، لذا فسيصبر على السلطة إلى آخر رمق قبل أن يتوجه إلى أخذ حقه بالقوة". ويدلل محدثنا على كلامه قائلا: "حين تم تكوين الدولة الحديثة على يد محمد على باشا حدث الصدام، أولا تمكنت ثورات الصعيد الواحدة تلو الأخرى وتحولت مصر بفضلها من ملكية إلى تكوين الدولة الحديثة ألبانية بصفته قادم من ألبانيا وفى قرى الصعيد مسميات للتصادم الذي حدث علي يد محمد على باشا". وأكد الدسوقي أن الصعيد لا يزال ومنذ تاريخ الدولة الملكية يشكل هاجس الأنظمة المصرية، ويقول الدسوقي: "حتى أفراد الأسرة العلوية كانوا يخشون من الصعيد". ويقول الدسوقي: "إن دخول الصعايدة على خط المظاهرات أمر خطير جدا وحاسم موضحا مشكلة السلطات المتعاقبة هو نظرتها الدائمة للصعيد على أنها مجرد أقاليم مهمشة رغم أن الصعيدي يعتز بانتمائه ويرفض التقوقع والانسلاخ من واقعه العربي". وأشار الدسوقي إلى أن الشباب الصعيدي المتواجد في القاهرة من أجل الدراسة والبحث والعمل أيضا لم يتردد في المشاركة في التظاهرات، مؤكدا على أن عددا كبيرا جدا منهم عناصر فاعلة مع شباب 25 يناير"، وهو ما يعزز احتمال تحرك الصعايدة تحت تأثير مخدر الثأر لوجود احتمال كبير جدا لوقوع ضحايا بين صفوف أبنائهم". ويتفق الكاتب الصحفي حفيظ سعد، مع ابن منطقته الصعيدي محمود الدسوقي، قائلا: "إن الصعيد لو دخل في الاحتجاجات سوف تكون كارثة"، مدللا بقوله: "إن منطقة الصعيد مسلحة وبها عائلات متعصبة جدا لا ترحم مغتصبيها والمعتدين على حقوقها"، وأشار حفيظ إلى أن هناك عصابات خطيرة جدا لا تقدر الجهات الأمنية على مواجهتها لما لها من قوة سلاح بإمكانها احتلال دول. وأكد حفيظ: "إن منطقة وادي الجدي منطقة معزولة وتعاني من تهميش الدولة فهي منطقة صحراوية وليس بها إنماء ولا مدن". وأضاف: "الصعيد تركيبته الاجتماعية قبلية في الأساس ولا تفاهم هناك إلا بقوة السلاح". وأكد الكاتب: "لا توجد قوة للشرطة هنا فالشرطة لا تتدخل عندهم وكل بلد أو قرية يحميها أهلها ولا يخضعون إلا لأوامر العمدة". وأضح حفيظ: "لو تأكد أن الشرطة قتلت أحد أبنائهم في ميدان التحرير فلن يرحم أهل الصعيد الشرطة وسوف ينتقمون بكل الطرق تحت بند الثأر". وأشار محدثنا إلى أن الإخوان المسلمين حاولوا استغلال عصبية الصعيدية لإثارة الفتنة في المنطقة والضغط على رموز النظام، إلا أنهم لم يفلحوا في ذلك، ويقول حفيظ: "الإخوان كانوا يريدون نقل المظاهرات إلى الصعيد ولكن حتى الآن الأمر لم يحدث". وأضاف: "ثورة الصعايدة اليوم ليس لها بعد سياسي إنما لها بعد بالثأر". وأكد محدثنا أن النظام غير قلق لما يحدث في الصعيد من أحداث لكنه متخوف من أن ينتقل الصعايدة إلى القاهرة للأخذ بثأرهم من رجال الشرطة والأمن، موضحا بقوله: "إن مصر دولة مركزية والمهم بالنسبة لها هو ضمان الاستقرار بالعاصمة وليس الضواحي ومحافظات الصعيد". ولم يختلف الصحفي محمد علي، أحد الشباب الصعيدي العامل بجريدة الدستور المصرية، والمتخصص في شؤون الصعيد، على أن تداعيات الأحداث في الصعيد تعد منعرج خطير جدا قد يحسم موضوع الأحداث في مصر، ويقول علي: "إن دخول الصعيد في المواجهات معناه وقود أكثر للثورة". ولم يستبعد محمد، أن يهاجر الصعايدة إلى القاهرة للمشاركة بقوة في دعم المتظاهرة، مشيرا إلى أن "ذلك مرتبط بحجم الخسائر البشرية التي أصابت أسر الصعايدة في أحداث الأربعاء الدامي، وعدد القتلى من أبنائهم الذين يدرسون في جامعة القاهرة". ويفسر لنا الصحفي الصعيدي، أسباب عدم مشاركة الصعايدة في الاحتجاجات منذ 25 يناير قائلا: "ما الذي منع الصعايدة من المشاركة من قبل؟". وأوضح لنا علي قائلا: "إذا نظرنا بموضوعية أن سبب التفجر الحقيقي هو استخدام وزارة الداخلية للعنف وقتل الناس ولأن الشرطة في الصعيد لا يستطيعون عمل ذلك لأنهم يعلمون إن أطلقوا النيران سيرد عليهم الأهالي". وأضاف: "الأكيد أن الصعايدة تم إبلاغهم مؤخرا بأن من بين أبنائهم قتلى وهو ما أجج الأوضاع بالأمس ودفعهم للانتقام"، وأكد محدثنا أن موقف الصعايدة من النظام ومن شخص الرئيس مبارك لا يختلف عن موقف الشعب ككل، مشيرا إلى أن الإحساس بالتهميش والظلم الذي تأصل لدى الصعايدة سيعزز من احتمال سيناريو أسود قريب يهدد مبارك ونظامه جدا قادم من الصعيد. هذا، وذكرت تقارير إعلامية أنه وفي ظل المواجهات العنيفة التي تشهدها واحة الخارجة بالوادي الجديد، قامت قوات الشرطة بالاستعانة بعدد كبير من البلطجية والخارجين على القانون لسحق المتظاهرين، بعدما فشلت الشرطة في التعامل معهم. وقال شهود عيان إن قوات الشرطة أرسلت سياراتها لجلب البلطجية وأرباب السوابق من أماكن متفرقة لحشدهم لمواجهة أهالي المنطقة، فيما ترددت أنباء عن قيام الأمن بإطلاق سراح عدد كبير من المساجين لإرهاب الأهالي.